07 ديسمبر، 2008

الشحن الطائفي عبر الانترنت



مالك أبو خير




شتم للصحابة ... وتعتد على الحرمات، تفسير لآيات قرآنية وفقاً لأمزجة خاصة أو مرجعيات دينية كما يدعي أصحاب هذه الرسائل، مشوهين صورة من رفعوا راية الإسلام وكانوا الأساس في إيصال "رسالة الله السماوية" إلى أرجاء دول العالم.
ففي البداية ... كان أكثر ما يزعجك عند تصفحك للايميل الخاص بك، هو الرسائل الإعلانية التي كانت تأتيك كالسيل لتقنعك بمنتج أمريكي أو ياباني أو حتى ايطالي، ورغم كثرتها كان بإمكانك التخلص منها عبر تحويلها إلى سلة مهملات التي تعالج وتريح رؤيتك من كل ما يزعجك وخاصة أن مضمون هذه الرسائل بات معروفاً .... وواضحاً.
لكن عندما يصبح جوهر هذه الرسائل ملغوماً ... إن لم اقل مدمرة لفكر امة ما زالت تنفض عنها غبار الغزو الفكري الثقافي الذي امتد لعشرات العقود، فهنا تكون "الكارثة فظيعة" والأمل بالتقدم نحو الأفضل بات شبه مستحيل في ظل وجود هكذا عقول تخريبية تنظم كل ما تفعله من تخريب وتخدير لعقل الأخر.
جوهر خلاف هذه الرسائل... عمن له أحقية الخلافة، ومن يستحق أن يكون خليفة المسلمين، وتحديداً بين طرفين متنازعين، الأول يرى الأحقية لأتباع سيدنا علي (كرم الله وجهه) والثاني يرى أن أهل السنة وأصحاب السيد الرسول (ص) هم من استحقوها بالفعل.
فعند تصفحك للايميلك، تجد ما لا يقل عن عشرة رسائل يومياً ومضمونها يكاد يفجر لهيب نيران كره طائفي ومن دون إنذار مسبق فعند قراءتك لها تتمنى لو انك تستطيع الإمساك بمصدر الرسالة أياً كان لتسحقه وتسحق تفكيره الهمجي.
فضلا عن وجود مواقع الكترونية متخصصة في هذا الفكر الهمجي وتجدها تدعوا وتشجع إليه كل من يزورها دون الاعتماد على أي مستندات قانونية أو تاريخية منطقية لما يكتب على صفحاتها.
ثم نجد أن نشاطها لم يقتصر على ذلك فقط ... بل امتد لإشعال حرب الكترونية تمثلت في اختراق مواقع معادية لها "على حد تعبيرها" و السيطرة عليها واحتلالها وكأننا في عصر السيوف والمناجيق معيدة بأذهاننا إلى عصور الظلمات، مع تجاهل أننا أصبحنا بعصر الكلمة هي التي تقتل أكثر من السيف.
فبعد البحث المتواصل في الأوضاع والصراعات القائمة سياسية كانت أم فكرية أم حتى فنية واجتماعية، نجد أن الدين بات وسيلة أيضاً ذو مساحة وحضور قوي على أرض هذا الصراع، وبل بات السبب شبه الرئيسي في شق صفوف داخل الأمة وكيانها ومهدداً حقيقياً عبر زجه بهذا الصراع لوجودها ووحدتها.
سماحة الشيخ أحمد بدر حسون "مفتي الجمهورية العربية السورية" أكد على خطورة هذه قضية مع رؤية أن اقتصارها لم يعد على الانترنت بل على المجتمعات العربية كلل وما حدث من خلافات في الآونة الأخيرة ما بين الشيخ القرضاوي وإخواننا رجال الدين في إيران ووصل بلوغه إلى الأزهر أيضاً ليس سوى امتداد لهذا الفكر التخريبي.
فسماحة الشيخ يرى : " أن المذاهب المتعددة من الناحية الفكرية والعلمية هي نتاج التلاقح الحضاري في مسيرة الأمم، فالمذاهب في الأصل لم تأتِ لتؤطر الدين بأطر المشقة، بل جاءت لتؤطر الدين بأطر يسهل بها على المؤمن مسلماً كان أم مسيحياً أم يهوديا أن يتدين ويعبد الله، وبالتالي فان من يتحدث بحديث الطائفية أو المذهبية متصادما مع أخيه المسلم هو رجل جاهل لم يقرأ المذاهب ولم يعرف قرآنه ولا دينه، وللأسف فانه ومن خلال ما يحدث اليوم في العراق ينذر بالخطر والقلق والخوف على هذه الأمة من الانقسام والضياع نظراً لهشاشة موقف كثير من خطباء المساجد وبعض العلماء في مواجهة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة.
فأنا ومن وجهة نظري أرى ان الشيعة عددهم في العالم الإسلامي ( مليار ونصف ) لأن كل مسلم يقرأ كتاب الله ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) "الشورى /23 "، يعرف انه موال لال البيت المحمدي، وكل من يقرأ الحديث الذي ورد بأربعين رواية في الصحيحين: ( من كنت مولاه فعليٌ مولاه )، ويقول الإمام عمر بن الخطاب (رض) : ( بخٍ .. بخٍ لك يا أبا الحسن، أصبحت مولى كل مؤمنة ومؤمنة).
كما أقول أن السنة الذين أخذوا جانب التحقيق في اقوال النبي (ص) واستنبطوا منها الأحكام من القرآن الكريم ووجد منها ولاءه لآل البيت (ع)، عددهم في العالم (مليار ونصف)، ومن هنا أقول على كل مسلم أن يكون سنياً في اتباع سنة رسول الله (ص) وعلى كل مسلم أن يكون شيعياً في حبه وولائه لآل البيت (ع)، وانما في صدقية أن يصير الشيعي مسلماً قرآنياً، وأن يصير السني مسلماً نبوياً...
وبالتالي نرى ان هنا تسقط كلمة طائفة الشيعة وطائفة السنة ... إنما يوجد شافعي وحنفي وجعفري واسماعلي واباضي ... الخ، هذه مذاهب فكرية وفقهية، وليست عقائدية دينية، لهذا ما نرجوا أن يتفهم المسلمون أنهم إن جعلوا المذاهب أدياناً يكونوا قد خانوا الدين والديَان"
السيد "عصام داري" رئيس تحرير جريدة تشرين اليومية، يرى: " أن ما يحدث من تحريض عبر الانترنت وغيره لم يأتي من فراغ أو حشد غير منظم وانما اتى عبر شحن منظم ومعروف الأسباب والتوجه، فقبل السؤال عن سبب حدوث ما يحصل نسأل عن المستفيد من كل هذا، فاليوم لا توجد كلمات قادرة على وصف الوضع العربي المحزن والبائس الذي وصلنا إليه .. ولذا لابد من الاعتراف بأن العرب يعشون عصرهم الأسود، والتاريخ سيسجل لهم هذا الانقسام الحاد والتشرذم غير المسبوق، والخصام المستحكم والمتحكم بالنفوس إلى درجة قطع خطوط العودة، ونسف جسور الحوار.
فالعراقيون يقتلون بأيد العراقيين والإرهابيين والأمريكيين والبريطانيين في وقت يتحتم عليهم التنبه إلى مخاطر الاقتتال الأخوي! ومخاطر الاحتلال ومخططاته المعروفة لتقسيم البلاد، وقد رأينا سابقاً تصريحات أحد منظري "المحافظين الجدد" جون بولتون يعترف صراحة أن عراقاً موحداً ليس في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي لبنان يستقوي فريق من السلطة على الأغلبية اللبنانية الحقيقية، بالأمريكي والفرنسي، في وقت يعرب فيه الإسرائيلي عن قلقه على هذا الفريق، وكأن المطلوب شطب الأغلبية لمصلحة فريق لم يخف يوماً ولاءاته للخارج، ولم يخف عداءه للعروبة وللمقاومة ولسوريا"
السيدة "هند عبيدين" باحة وإعلامية ومديرة في مجلة المعارج المتخصصة في الدراسات القرآنية وحوار الأديان أكدت عبر حديثنا معها أن : ( ما يحدث عبر هذه الشبكة الالكترونية مؤخراً ناتج عن الفراغية الفكرية والتي أدت إلى التعلق بالغيبيات والروحانيات الغير ملموسة، فما يعيشه شبابنا اليوم وأبناء جيلنا من فراغ فكري وثقافي أدى ذلك بهم إلى فهم الكثير من الأمور الحياتية بشكل خاطئ، وقد انعكس ذلك على نظرتهم لباقي المفاهيم الحياتية الأخرى كالأمور الدينية والعلمية حتى والتاريخية.
فالشخص المفرغ فكريا من الداخل يسعى دوماً إلى ملئ هذا الفراغ، وبالتالي أصبح عرضة لمجموعات فكرية متشددة أو غير مؤمنة بالدين أيضاً وبالتالي أصبح مشبعاً بأفكارها وقوانينها ومطبقاً لها على أكمل وجه.
فما تقوم به جماعات تدعي حرصها على الدين والدولة أو حتى الحرص على الخلافة ... فأنا أقول لهم أي خلافة هذه أي سلطة تسعون للوصول إليها فيما العراق وفلسطين تحت سلطة محتل ينهش أرضهم يومياً، وأي خلافة في ظل خلاف عربي بات حارقا لكل نبض فكري يعيد للأمة صحوتها مما هي فيه.
فإذا ما أمعنا النظر لوجدنا أننا بصدد أزمتين، الأول هو الاستخدام الخاطئ للتكلوجيا وتسييسها كما غيرها لتصبح لغة تدمير لما تبقى من هذا الواقع العربي الهش أساساً والثانية هي الفهم الخاطئ للتاريخ وتسييسه هو الأخر لمصالح سياسات استعمارية هدف التفريق لصفوف لم تستطع تفريقها عبر الزمن بقوة السلاح.
فمخططات التجزئة التي طرحت على المنطقة لم تتوقف ولن تتوقف ما دامت هناك عقول مريضة ومفرغة تتلقاها وتتبناها تحت أسماء ومعايير مختلفة كالدفاع عن الدين أو أحقية الخلافة وتكفير الفكر الأخر...
فضلا أن عدم تتطور الشريعة ومجاراتها للحاضر والواقع الملموس، اكسبها عدم قدرة على مواجهة مع المتغيرات الحاصلة وبالتالي أصابها التلف والتراجع في التعامل أي موجة فكرية جديدة خاطئة كانت ... أم صحيحة).
وهنا لا يمكنني القول في نهاية هذه المادة، فهكذا مادة خطرة في مضمونها لا يمكن تتوقع نهايتها ما دامت هناك عقول تتجرأ في هذا العصر على شتم وقذف أناس ضحوا بحياتهم من اجل إيصال رسالة [الله تعالى] على الأرض، وبغض النظر عما نشأ من خلافات لا يعلم صدقها أو حقيقة تفاصيلها إلا "الله عز وجل" ومن كان معهم، ولا أخفي التعب في إعداد هذه المادة وانجازها نظراً لحساسيتها وحساسية أفكارها وعدم تقبل الكثيرين من القراء لكثير من أراء كتاب ومفكرين هاجمت من يهاجمون الدين الإسلامي عبر شتمهم للاعمدته الأساسين من الصحابة ودون استثناء أي أحد "طاهر منهم" مع تقصد مني لعدم إظهار آراءهم خوفا من فهمها بشكل خاطئ.
لكن ما يسعني قوله هو أن الله تعالى وهبنا العقل لنفكر به ولنحلل من خلاله الكثير من القضايا والأفكار المطروحة أمامنا، لا أن ننقاد خلف نظريات وروايات دون التفكير بمصداقيتها الحقيقية، وان نسعى دوماً وأبداً لتكون لغة الحوار والمنطق هي من تقودنا لا سياسة الحقد والتبعية اللاعقلية للآخر.


نشرت في مجلة الكردية نيوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق