12 مايو، 2009

العمالة السورية القادمة من الخليج بين فقدان العمل وشبح البطالة




لست بحاجة إلى بذل الكثير من الجهد أو العناء للوصول إليهم وسماع قصصهم الطويلة عن شقاء الغربة وحقوقهم التي ضاع أغلبها بين فتات أوراق عقودهم الممزقة والتي مزق معها أحلامهم في بناء المستقبل وتوفير لقمة العيش، في مطار دمشق الدولي انتظرت «الاقتصادية» إحدى الطائرات القادمة من دول الخليج وعلى متنها يومياً 3 إلى 4 حالات على أقل تقدير... وبمجرد الاقتراب من مكان لقائهم مع عائلاتهم يمكنك أيضاً سماع تفاصيل حكاياتهم ممزوجةً بدمعة لا تخلو من القهر والألم الكبير.
فمنذ أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أرجاء الشركات العالمية والعربية، أضيف إلى العاملين السوريين وبمختلف اختصاصاتهم تهديد جديد من لوائح التهديدات التي قد تؤدي إلى تركهم العمل، لكن هذه المرة كانت الحجة لدى الشركات قوية وبطريقة سهلة لا تتعدى سوى تصريح يؤكدون به أنهم تحت خطر الإفلاس أو عدم القدرة على دفع الرواتب للموظفين... وبالتالي تسريح من يشاؤون وبطرق قد لا تخلوا بعضها من التعسفية بحق من كابدوا الآمرين في سبيل الحصول على دخل يدخرون القسم المتاح منه لشراء منزل أو تأمين مستقبلهم بوطنهم.

قسرية... دون مستحقات:


العمال السوريون في دول الخليج وتحت تأثير هذه الأزمة، كانت وتيرة تسريحهم من وظائفهم تتصاعد يوماً بعد يوم، وبطريقة قد لا تخلو من القسوة بعض الشيء، والحرمان من مستحقاتهم في بعض الأحيان، رغم قدرة بعض الشركات على دفع هذه المستحقات، فالكثير ممن الذين التقيناهم كانت عودتهم إلى سورية مصحوبة بحرمان من حقوقهم المادية كـ«تعويض نهاية الخدمة أو رواتب مستحقة» ودونما القدرة على تحصيلها نظراً لكون أغلب الشركات هناك تقوم بفصلهم تحت بند الإفلاس أو العجز المالي الذي يمنعهم من تسديد ما عليهم من مستحقات للعاملين لديها، وبطريقة فسرها البعض أن هذه الأزمة كانت مناسبة لبعض تلك الشركات للتخلص من موظفيها ومن مستحقاتهم مستخدمين ستار الأزمة العالمية حجة لذلك، الأمر الذي شكل صدمة للكثير منهم وعائقاً في متابعة ما بدؤوه ضمن أوطانهم.
«ياسر.أ.ع» مهندس مدني، قدومه إلى مطار دمشق أتى بعد معاناة مع شركته التي عمل بها لأكثر من خمس سنوات متتالية في سبيل الحصول على مستحقاته المالية، ولكن دون جدوى بسبب ما تعانيه الشركة من عجز كبير في سيولتها، رغم تأكده من عدم صحة أغلب الادعاءات التي قدموها له وأن نسبة العجز لم تكن بالكبيرة لديهم، وكانوا قادرين على دفع كل مستحقاته بل والاستمرار في العمل... لكن قرارهم بإيقافه عن العمل كان من باب تخفيف الموظفين ليس أكثر.
«فهد أبو عسلي» كان يعمل في مطاعم مدينة دبي، وتم مؤخراً إيقافه عن العمل مع حرمان راتب شهرين، رغم كل المحاولات التي بذلها للبقاء على رأس عمله، لكون المردود المالي الذي كان يحصله هناك هو الأمل الوحيد في إكمال أقساط منزله وتأمين المصروف لأسرته... السبب هو نفسه ما دفع «مهند.م» وهو موظف في قسم المبيعات في إحدى الشركات التجارية بدبي، لم يجد فرصة عمل أخرى بعد إيقافه عن العمل من قبل شركته بعد حرمان لراتب شهرين، فعاد إلى سورية لفترة استراحة لا تتجاوز الأسبوعين ثم العودة من أجل العمل في شركة أخرى ليقينه أنه لن يجد العمل المناسب الذي يؤمن الدخل الجيد له في سورية.
أما «مانيا.ع» فقد أكدت لنا أن زوجها الذي يعمل في إحدى شركات البناء في إمارة دبي، قد أكمل الشهر الرابع على التوالي دون أن يقبض أي راتب، نظراً لعدم قدرة الشركة على تسديد الرواتب، مع إفساح المجال للرحيل لمن يشاء من العمال لكن دون الحصول على رواتبهم المستحقة، أو البقاء كحالة أبو ربيع بانتظار تحسن الأوضاع، لكن دونما رواتب تذكر.

اتفاقيات جديدة... حفاظاً للحقوق:


حتى هذه اللحظة لا توجد لدى وزارة الشؤون والاجتماعية والعمل إحصائية دقيقة لعدد العاملين السورين في دول الخليج، والسبب يعود «بحسب تصريح الوزارة» لكون أغلب العاملين لا يقومون بتسجيل العقود المبرمة معهم في دول الخليج لديها الأمر الذي دفع السيدة وزيرة شؤون الاجتماعية والعمل بتوجه طلب إلى سفارات دول الخليج العربي في سورية بهدف تقديم إحصاء بعدد العاملين السوريين على أراضيهم، خطوة أولى في سبيل ضمان حقوقها ولتكون نسبتهم وحركة توزعهم تحت إشراف الوزارة.
وفي المقابل قامت الوزارة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في دولة والإمارات العربية المتحدة بتوقيع اتفاقية تعاون مشترك تهدف إلى تنظيم استخدام العمال السوريين في دولة الإمارات المتحدة، ضمن بنود تم من خلالها تنظيم حركة العمالة السورية وضمان حقوقها كما صرح لنا السيد فهد نوفل مدير العلاقات الدولية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بحيث أصبح على الراغب في السفر إلى دولة الإمارات تسجيل العقد المبرم بينه وبين الشركة الإماراتية لدى الوزارة في سورية التي تقوم بدورها بإرسال نسخة منه إلى دولة الإمارات لتطبيق جميع بنوده تحت إشراف وزارة العمل السورية وإشراف وزارة شؤون العمل الإماراتية وبشكل تكون الأخيرة المرجع المعتمد لحل أي خلاف ينشأ بين العامل السوري وشركته في حال حصوله.
حيث يقول السيد نوفل: «لاحظنا وجود العديد من الحالات القادمة من دولة الإمارات قد تعرضت لحرمان من مستحقاتها المالية كتعويض نهاية الخدمة أو حرمان من رواتب مستحقة لهم الأمر الذي دفعنا للعمل على توقيع هذه الاتفاقية التي تم من خلالها تسجيل جميع عقود العمل الصادرة من قبلنا ضمن سجلات وزارة شؤون العمل والاجتماعية في الإمارات ومن ثم تصبح تحت إشرافها وصاحبة الحق في التدخل لتحصيل حقوق العمال السوريين من مستحقات مالية وغيرها في حال تعرض أحد العمال السوريين لذلك، وبناء على هذه الاتفاقية سيتم تصديق أذونات دخول العمل من وزارة الشؤون الاجتماعية بسورية قبل مغادرة الأراضي السورية إلى العمل بدولة الإمارات وعلى الوزارة في سورية لتقوم بدورها لاستكمال باقي التفصيلات مع الوزارة بدولة الإمارات بشكل يضمن للعمال التوجه إلى الوزارة هناك والمطالبة بحقوقهم التي يتم تحصيلها وفقاً للقوانين الإماراتية، وهذه الاتفاقية سيتم توسيعها لتشمل جميع دول الخليج بدءاً من قطر التي تم التوقيع معها على الاتفاقية نفسها وبانتظار الاتفاق مع باقي الدول الأخرى».


العائدون... وفرص العمل:


العائدون وفقاً للإحصائيات غير الرسمية تجاوزوا خمسين ألفاً، بينما الوزارة تؤكد عدم دقة هذه الإحصائيات لكونها من وجهة نظرهم ليست سوى تخمينات وتقديرات صحفية لا أكثر ولا أقل، والأعداد التي نراها في مطار دمشق كل يوم تزداد يوماً بعد آخر، وبوتيرة سريعة بدأت تتفاعل قصصها ضمن الشارع السوري، الذي يعاني أساساً من ارتفاع ملحوظ من حجم البطالة الداخلي وتدني في مستوى الأجور في عدد لا بأس به من شركات القطاع الخاص التي بدأت هي الأخرى بعمليات تسريح لموظفيها وبشكل مهذب أو غير مهذب في بعض الأحيان، الأمر الذي يطرح هنا العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام عن مدى قدرة الحكومة السورية على استيعاب هؤلاء العاملين وتوفير فرص العمل المناسبة لهم والاستفادة من خبراتهم التي تساعد على نهوض ورفع مستوى العمل لدى العديد من الشركات الخاصة والحكومية، لنجد الجواب عن ذلك من خلال عدد من التصريحات الرسمية التي حففت من حجم القضية بدءاً من السيد عبد اللـه الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء الذي أكد عبر تصريح له أن عودة هذه العمالة «لم تتحول إلى ظاهرة..!» مستنداً على ما تحدث عنه لبيانات الهجرة والجوازات، نافياً التأثير الكبير لهذا الأمر على سوق العمل داخل سورية، نظراً كما صرح: «ولاسيما أن الآثار التي تركها الجفاف على هذه السوق كانت أكبر من تلك التي ظهرت نتيجة عودة بعض العمالة السورية من الخارج حتى الآن»، فضلاً عن أنه عبر عن تفاؤله عن إمكانية وجود فرص عمل لهم ضمن السوق السورية وتحديداً في القطاع الخاص نظراً للتأهيل العالي والإمكانات الجيدة التي تملكها هذه العمالة السورية أثناء وجودها في الخارج، مؤكداً أن سوق العمل السوري الذي يتطور بسرعة سيتلقف هذه العمالة إن عادت بشكل مقبول، دون أن ينفي متابعة الحكومة لموضوع هذه العمالة واستعدادها للتدخل في الوقت المناسب لمعالجة آثارها السلبية إن تحولت إلى ظاهرة.
الأمر الذي عاد وأكده لنا القائمون في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مع اعتقاد راسخ لديهم بأن أغلب العائدين سيقومون بتوظيف أموالهم بمشروعات واستثمارات تخلق لهم ولغيرهم من العائدين فرص عمل جديدة، ودونما استطاعة من قبلها عن تقديم فرص عمل لهم أو العمل على الاستفادة من خبراتهم، نظراً للعدد الكبير من المواطنين الذي مازال ينتظر أمام مكاتب التشغيل بانتظار حجز مكان له ضمن الكوادر الحكومية.
ويبقى في النهاية السؤال مطروحاً... والذي لم تجب عنه جهاتنا الحكومية منذ نشوء الأزمة حتى هذا اليوم، ألا وهو ما مصير الوفود القادمة إلى سورية، والتي باتت على عتبة التسجيل ضمن قوائم البطالة الطويلة ضمن سورية؟ وهل تركها تحت رحمة الشركات الخاصة التي مازال الكثير منها حتى هذه اللحظة يلمح بين الآونة والأخرى لعماله بإمكانية التسريح أو تخفيض الأجور؟ سؤال مطروح منذ فترة... مازلنا بانتظار الإجابة عنه من قبل المعنيين.

مالك أبو خير

نشرت في مجلة الاقتصادية على الرابط: http://www.iqtissadiya.com/detail.asp?id=4795&category=local