22 فبراير، 2011

العنوسة وضيق الخيارات ... مدينة السويداء كنموذج










يعتبر الاغتراب والهجرة إلى بلاد الله الواسعة الحل الوحيد لدى شريحة واسعة من أبناء هذا الوطن، ولعل فئة الشباب في مدينة السويداء هي صاحبة الحصة الأكبر من هذا النزيف الحاد الحاصل والناتج عن قلة وندرة فرص العمل الحقيقية التي تؤمن الحياة المادية المستقرة، ومما لاشك به أن نتائج الغربة سلبياتها أكثر من ايجابياتها لكل الظروف دوماً هي من تتحكم بالفرد، وقد لا نستطيع الدخول في شرح التفاصيل التي أدت لهذه النتيجة لكننا نستطيع الحديث عن جانب مهم من نتائجها والذي يعتبر من أهم نتائجها السلبية.فعندما يختل التوازن في أي معادلة اجتماعية فإننا نتحدث عن سلبيات تنخر المجتمع وتعرقل من تقدمه، ولعل أهمها تلك التي تتعلق بشريحة من النساء والذين يطلق عليهم تسمية بالعامية " العوانس" ولعل كلمات وتسميات كثيرة تحمل طابع إنساني أفضل بكثير من هذه التسمية، والتي باتت تعبر لدى الشريحة الغير مثقفة أو التي لا تحمل وعياً اجتماعياً حقيقياً تعتبر تهمة أو شتيمة لصاحبة هذه التسمية، والتي باتت منتشرةً في مدينة السويداء نتيجة للهجرة القاتلة لشبابها نحو الخارج من جهة وضيق الأوضاع الاقتصادية للمقيمين بها من جهة أخرى.
العنوسة ... والخيارات المحدودة:


" منال" شابة في السابعة والثلاثين من العمر من القرى المحيطة بمدينة السويداء وهي خريجة علم اقتصاد، و لا تحب أن يطلق عليها تسمية "عانس" لكونها لم تختار هذه التسمية من تلقاء نفسها وإنما كانت نتيجة لظروف أجبرتها على أن تبعد عن طريق الزواج، لكنها في المقابل تشعر أنها غير مرغوب بها من قبل مجتمع لا يرحم ويرى دوماً من" منظار أعوج واسود" لكل من فاتهم قطار الزواج وكأن ذلك تهمة لهم أو خطأ فادح يلامون عليه.وعن وضعها تقول منال:" تأخري في الزواج يعود لعوامل اجتماعية عديدة ولعل الظرف الاقتصادي الذي مرت به عائلتي كان الأهم، لكنني في المقابل وبرغم تقدمي في العمر لن اتخذ قرار الزواج لمجرد الزواج، فإن لم أجد الشريك المناسب الذي يلبي طموحاتي ويستحق أن أطلق عليه " شريك حياة فعلي " فإنني لن أتزوج أبداً.في حين أن الظروف بالنسبة لـ"هبة" لم تسمح لها حرية الاختيار الصحيح وبخاصة بعد وصولها إلى أبواب الأربعين ضمن منزل يعتبرها " عبئاً مالياً "، وبالتالي كان لابد من القبول بأي رجل يتقدم لها دون البحث بصفاته أو بمدى التوافق فيما بينهما حيث تقول في هذه الناحية:" الخيارات بالنسبة لي محدودة جداً وبخاصة أن المنزل الذي يجب عليه أن يقف لجانبي هو الذي يرفض وجودي ولأسباب عديدة أهمها العامل الاقتصادي والذي لا أتحمل مسؤوليته وأنا الخريجة علم اجتماع وبامتياز ولم أجد العمل المناسب الذي يؤمن لي الدخل الذي يكفيني والاستقلال مادياً، وبالتالي كان القبول بأي زوج يتقدم لي رغم أنه مطلق ولديه ثلاث أولاد ويعمل في تصليح السيارات، وهنا أنا لا أعيب عمله بقدر ما أتحدث عن الفارق في التفكير والوعي بيننا، والذي أتحمل أنا وحدي ما ينتج عنه".
عندما تصبح الخيارات ... أضيق:

ماذا تفعل عندما تصبح الخيارات أمامك ضيقة إن لم أقل معدومة، فمن المؤكد أنك ستبحث بكل ما تستطيع من قوة على بديل، لكن ماذا لو انعدمت هذه البدائل ... الوضع هنا صعب ومعقد." ريما ".... لقد باتت الروتين والملل قاتلي اليومي ... كلمات بدأت بها بالحديث عن وضعها حيث تقول:" بلغت السابعة والثلاثين من العمر وما زال الانتظار هو سيد الموقف بالنسبة، والانتظار ليس الزواج فحسب وإنما انتظار شيء ينهي حالة الجمود التي أصابت حياتي التي باتت مقتصرةً على الجلوس في المنزل والذهاب واستقبال الزيارات، أي بمعنى أخر فراغ يقتل أي فرد ويصيبه (بالعقم النفسي)، فأنا لا اعتبر الزواج هو الحل بالنسبة إلي بقدر ما أريد أن يكون لي كيان خاص كانسان مثل وجود عمل يملئ حياتي أو أي مشروع فكري أو ثقافي ... باختصار إنني أجد حياتي روتين يقيد ذاتي". وعن هذه النقطة تقول " علا ": لقد بلغت الأربعين من العمر ومازالت حياتي عبارة عن فراغ يومي قاتل، وما يقيدني ليس عدم الزواج بقدر ما هي قيود المجتمع التي ترى أن عمل المرأة وسعيها في تأمين مشروع مالي أو فكري خاص بها أو حتى وظيفية تؤمن دخل مادي يخفف من أعبائي المالية عن أسرتي من الممنوعات، وخاصة في أجواء القرى في المحافظة التي تحجم سلطة المرأة على نفسها وتحدها، وهنا أجد أننا بحاجة إلى سعي حقيقي لاحتواء هذه الظاهرة بطرق مختلفة أهمها العمل على دعم مشاريع نسائية تساهم في دعم عمل المرأة من جهة وتساهم في إيجاد مخرج لهذه الأزمة التي تعاني منها نسبة لا بأس منها من الفتيات في المحافظة واخص بالذكر هنا فتيات القرى النائية من جميع النواحي المادية منها والفكرية.

الحلول الاقتصادية ... هل باتت الحل:

الارتباط والزوج بالنسبة للكثير من الفتيات الذين قطعن سن الزواج ( من وجهة النظر الاجتماعية) وتحديداً ممن بلغ سن الأربعين وما فوق لم يعد هو المهم، بقدر ما هو التوجه نحو تحقيق الذات بالنسبة لهن وتأمين حياة مستقلة عن الواقع المفروض عليهن وتحديداً القيود المفروضة من قبل المحيط الاجتماعي، ولعل الاستقلال المادي هو ما يسعون إليه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، من خلال تأمين فرص عمل أو وظيفة تؤمن لهم دخل جيد وهو اقل ما يطمحون إليه على اقل تقدير يشعرون من خلاله أنهم قادرون على الاستمرار وأن هناك شيء ما يعيشون من أجله، وهذا لا يأتي إلا من خلال تشجيع فرص العمل أو حتى المشاريع التي تخص المرأة.لكن كيف يتم تحقيق ذلك في محافظة تعاني من قلة المشاريع الاقتصادية بكافة أنواعها، والحصول على وظيفة حكومية يعتبر ضرباً من الخيال وحلماً يحتاج إلى ( واسطة بحجم السماء) فضلاً واعتماد اغلب الساكنين فيها على التحويلات المالية التي تأتي من شبابهم المهاجرين، فاغلب فرص العمل ولا نبالغ أن نقول أقصى ما هو موجود هو العمل ضمن محالات بيع الألبسة والمفروشات والمشرعات التجارية الصغيرة جداً، وهي أقصى ما هو موجود في محافظة من تتكدس الملايين في حسابات أبنائها في الخارج ولا نعرف حتى اليوم عدم استثمارها داخل محافظتهم يعود إلى خوف من الاستثمار أم لأسباب أخرى.... والله أعلم.

نشرت في مجلة الثرى

20 فبراير، 2011

برامج المحادثة على الهواتف الخلوية ... روادها مراهقون دون مراقبة


مالك أبو خير
من النادر أن تجد هاتفاً خلوياً لمراهق أو مراهقة لم يُحمل ببرامج المحادثة المنتشرة حالياً في أسواق الخلوي، فالجميع بات يعتبرها بالنسبة إليه من الضروريات للتعبير عن أرائهم والنقاش المفتوح مع من يريدون والنقاش بما يريدون، فهذا البرنامج الذي يتم استخدامه عبر شبكة الانترنت ومن خلال الجهاز الخلوي استطاع أن يحقق للكثيرين الخوض في ما يريدون وبأسهل الطرق، وعندما نقول الجميع هنا فإننا لا نبالغ لكون هذه الميزة باتت منتشرة إلى حد كبير وملحوظ، ولعل فئة الشباب كانت صاحبة الانتشار الأكبر وتحديداً ممن هم في سن المراهقة الذين يجب أن يكونوا تحت نظام مراقبة أسرية دقيقة إن لم نقل صارمة.
فلكل ميزة ايجابيتها وسيئاتها وعندما يكون الحديث عن هكذا نظام تفاعلي شبه مباشر تكون الأطراف المشاركة به من أعمار ذات ضج ووعي فكري واجتماعي فإننا نتحدث عن الايجابيات ونشجعها أما عندما تكون بين أيدي مراهقين في طور التكوين فإننا هنا نتحدث لا نتحدث عن السلبيات فقط وإنما نتحدث عن مدى أضرارها ومشاكلها على المشاركين في هذه المنظومة التفاعلية.
عندما تختفي المراقبة ... فالنتائج مؤلمة:
"لونا" فتاة في السابعة عشر من العمر تعاني مشاكل أسرية عديدة أهمها سوء التفاهم الدائم بينها وبين ذويها، والسبب يعود إلى أولاً للحالة الاقتصادية التي جعلت الأب يسافر لآخر بلاد الله لتحصيل لقمة العيش والثانية تعود للأم التي لم تتعلم أن تحاور أطفالها أو أن تخوض إلى أعماقهم مستخدمة لهجة العنف والقمع الكلامي عند أي حوار، والنتيجة أن الفتاة لم تجد من يحاورها أو يساعدها على فهم الحياة بشكل صحيح، هذا الفهم الذي لا يأتي إلا من خلال أشخاص ناضجة وضمائر حية تناقشها وتوصلها لبر الأمان، وبالتالي لم تجد بديلاً عن هذا سوى استخدام هذه البرامج للنقاش والحوار مع من يتوفر معها على الشبكة، وبعد بحث طويل ونقاش العديد من الفتيان والفتيات ظهر فجأة على خط التواصل "امرأة متدينة" والتي تعرف بالعامية " الشيخه " أو " آنسة دينية" كانت تمتلك من التمرس في اصطياد نقاط الضعف ما يكفي، ونقاط ضعف "لونا" كانت واضحة وملموسة بشكل علني أهمها الحاجة للحنان وسماعها وتقبل أرائها، وهذا ما فعلته هذه " الشيخه " واستطاعت أن تكون خلال مدة لم تتجاوز الأسبوع "بيت سر لونا" ليتحول النقاش إلى اتصال مباشر تم خلاله حقن "لونا" البسيطة فكرياً تجاه أهلها وقلب الحائق لديها من خلال إقناعها أن سبب أن سبب كره والدتها لها كونها قد جلبتها "عبر الزنا" وسبب بعد والدها عنها هو معرفة زنا والدتها وعدم قدرته على التحمل!!!.
النتيجة طبعاً كان تحول "لونا " للتعصب الديني الأعمى بتوجيه وإرشاد من معلمتها التي حرصت على لقائها وتوجيه النصائح لها وضمها إلى مجموعتها الدينية، وبالتالي ارتداء "لونا" للحجاب ومن ثم النقاب دون نسيان الفهم الأعمى والخاطئ للدين ودون نسيان ذكر نكران أهلها والنظر إليهم على أنهم ... " كفار وزانون ".
وهنا لا نهاجم الدين بقدر أن نسعى لنكون وسطيين في تناول الأمور ومناقشتها، فلو أن هذه " الشيخه " ساعدتها على فهم الحياة بشكل صحيح وكانت السبيل للوصول إلى صيغة متناغمة مع ذويها مع توجيهها نحو الدين بالشكل الصحيح البعيد عن التطرف ... لرفعنا لها راية الاحترام والتقدير، لكن مع هكذا نتيجة فالراية لدى " لونا " ستكون مختلفة، وهنا نجد أن مثل هذه البرامج قد لا يعطيها الكثيرون الاهتمام اللازم لها لكن من اعتاد اصطياد الفرص تعتبر بالنسبة إليه المجال الخصب لإعماله ونشاطاته، وقد يقول البعض أن مثل هذه البرامج التفاعلية متاحة عبر الانترنت كما هي على الأجهزة الخلوية، وبالتالي وجودها على عبر الهواتف لا يزيد أو ينقص من حجم الخطر الموجود أساساً عبر الانترنت، ليكون الجواب أن مثل هذه البرامج وعبر الهاتف الخلوي رفع نسبة المشاركين والمنتمين إلى هذا العالم الافتراضي من قبل المراهقين تحديداً وساعد سهولة حمل الهاتف وصغر حجمه على البقاء على تواصل تام واغلب أوقات اليوم، وبالتالي فرص اصطيادهم أصبحت أوسع وأسهل.
النتائج قد تصبح ... أكثر ألماً:
في حالة "لونا" من الممكن أن يتدخل أحد ما يمتلك من الوعي والإيمان الحقيقي بالله تعالى ويستطيع إنقاذها مما هي عليه، لكن ماذا لو كانت النتيجة أبشع، كأن تقع في شباك عصابة أو مجموعة للدعارة دون نسيان مدى قدرة أعضائها على جذب الفتيات البسيطات والساذجات وتوريطهن وتصويرهن في مشاهد خليعة ومن ثم ابتزازهن وإجبارهن على العمل بالدعارة، هذه الدعارة التي لم تستطع الإجراءات الحكومية المشددة في الفترة الأخيرة من الحد من انتشارها بين أزقة دمشق وبيوتها، أو لنقل ماذا حد لو أنها وقعت في شباك شاب استطاع أن يستغل نقاط ضعفها وحاجتها للحنان والشعور بذاتها وفعل ما يريد بها ثم رميها لمصير مختلف تماماً عما كانت عليه لتكبر حالة المعاناة وتتضخم لديها، وطبعاً لا نستطيع نسيان شبكات المخدرات والجماعات التي تطلق على نفسها حالياً اسم " الأيمو" أو " عبادة الشيطان " التي تعتبر هكذا برامج تفاعليه المسرح الأكبر لانتشارهم ونفوذهم.
أسئلة ... اعتقد أننا بحاجة إلى التفكير به والتعمق قبل الرد عليها، كون بتنا أمام عالم مفتوح على كل شيء دون أن نكون كأسرة وعائلات مستعدين له أساساً وخصوصاً من قبل الأسر التي لا تتابع المراهقين لديها بشكل دقيق وتحاول على الدوام أن تكون الصديق لهم والجسر نحو بر الأمان.

الحلول ... من يضعها:
من الطبيعي أن لا نتأمل أي حل من قبل شركات الاتصال الخلوي التي لا تعرف سوى سياسة الربح ورفع نسبة الأرباح في حساباتها، أما الحسابات الأخرى التي تتعلق بمصير جيل الشباب ومستقبلهم فهو ملغي من سياساتها وبالتالي عدم توجيه أي طلب أو التماس أي حل من قبلهم هو النتيجة المنطقية، لكننا نستطيع أن نقول للأسر التي يمتلك المراهقين لديهم مثل هذه البرامج أن يكونوا على علم بما يجري، وأن يلعبوا هم دور هذه البرامج معهم بدلاً من لعب دور المراقب أو المتفرج فقط.
وهنا نجد أن المجتمع هو يضع الحلول ويساعد على الوقوف بالمرصاد لضياع جيل كامل ... نعم جيل كامل بات متمزق بين الإعلام المرئي الذي يتحفنا كل يوم براقصة جديدة يطلق عليها فنانة وتصبح بين ليلة وضحاها قدوة للكثيرين منهم وعالم الكتروني مفتوح على كل شيء وعلى أي شيء ... موقف لابد منها لكوننا بحاجة لهذه الموقف في زمن بات الربح وتكديس الأموال سبباً لتخريب أي أمر من أجله.