07 ديسمبر، 2008

الزواج المبكر ... وزاوية النسيان



مالك أبو خير

لملمت ألعابها... حملتها، لتضعهم في زاوية خصصت للنسيان، سرحت جدائلها ... لتجهض من حياتها مرحلة خلقها الله لمن في عمرها... فهذا قرار ليس من صنعها، وإنما طريق مشى الكثيرون من قبلها عليه ... والفاعل الأساسي إرادة القدر.
هذا القدر الذي يرمى على مشارفه ... أخطاء عقولنا وسوء قرارتنا، ليكون الصمت والصبر الحل الوحيد لمن تحملوا نتائج هذه الأخطاء وتوابعها.
"فاطمة" لم تعرف من هذه الحياة بعد ... سوى ألعابها، وترتيب جدائلها، والجري خلف كل طفل أو طفلة يمازحها في حيها الشعبي، فمعنى الحياة الزوجية ... وما تترتب عليها من أمور لم تعرفها إلا من حدود جدران منزلها... وحتى فراش الزوجية الذاهبة إليه، لا تعرفه سوى ذلك السرير الذي تغفى به على يد والديها لا أكثر...
فموعد زواجها قد اقترب ... والعريس من أبناء منطقتها، ذوي القناعة المطلقة بأنه لن يتزوج إلا فتاة "يربيها على يديه"، ليصنع منها زوجة المستقبل كما تشاء عقليته، وعقلية من حوله....
"حفل الزفاف" كانت فاطمة خلاله تحاول الهرب من زغاريد النساء وصراخهم، للعب مع الأطفال خلف سياج المنزل، وقد كانت لتستطيع ذلك لولا محاولات أمها الجاهدة إبقائها في مكانها، وعدم تخريب ما وضع باكراً على وجهها الطفولي، لتبقى جالسة في كرسي صنع لمن يكبرها سناً وتفكيراً.
كانت تسمع همساً أمها ما تقوله لهذا الفتى الجالس بقربها... وترجيها له بعدم القسيان عليها، في هذه الليلة بالذات، فهي مازالت صغيرة، مع رجاء لام العروس بإبقاء معها خوفاً من أن يحدث مكروه لها قد لا يحمد عقباه.
ورغم ذلك كان الألم النفسي قبل الجسدي الذي زرع في علقها في تلك الليلة كافياً لتحطيم أي إحساس بأنها بشر يسير على هذا الكون... شعور يكفي بكونها حمل سيق لمذبحته في يوم عيد حلل فيه قتل الحملان وذبحها... كما حلل زواجها في تلك الليلة ...
اليوم وبعد مرور سنين ليست بالكثيرة، وعندما تسأل فاطمة عن شعورها الآن، تقول بأن ذلك الشيء "والذي يسمى شعوراً" وضعته مع ألعابي في الزاوية المخصصة للنسيان، وخاصة بعد أن توجهت للعمل في أحدى الشركات الخاصة كعاملة نظافة فيما ولدي أضعه في أي زاوية أمنة من الشركة لحين إنهاء عملي.
"أتى نصيبها" جواب موحد لكل من تسألهم ... لماذا زوجتموها ... فما زالت طفلة، الخوف من العنوسة والبقاء في المنزل دون زواج، أسباب تكفي بالقبول بأول راغب لها دونما التفكير بمستقبلها الذي وضعوه بقرارهم هذا في زاوية النسيان كما ألعابها.

كماشة الدين ... والفتاوى:

نظرة الدين إلى الموضوع كانت بين وجهتين الأولى مشجعة للموضوع ومباركة له، والأخرى كانت له في المرصاد، ففي إحدى التصريحات لأحد شيوخ الدين والذين يتمتعون بشعبية وآذان صاغية من قبل مستمعيهن نجده يشجع على فكرة الزواج المبكر وحتى ولو كان دون سن الثامنة عشر حيث يقول (للزواج فائدة كبيرة أولها تكثير الأمة الإسلامية وتكثير المجتمع الإسلامي وحتى الفتاة التي تتزوج دون السادسة عشر من عمرها فهو ليس بالأمر السيئ وإنما تحصين "لفرجها " ولسلوكها ومانعاً لها من الانحراف والسير خلف طرقات الرذيلة) حيث نجد هنا نسف كامل لمنطق العقل والتربية السليمة مع التأكيد من قبله بأن عفة الفتاة تستمر عبر زجها بزواج دون حسبان مبدأ التكافئ النفسي والعقلي بين الطرفين، وعند سؤاله عن تسبب هكذا نوع من الزواج من عدم إكمال للفتيات وحتى للشباب أيضا من إكمال تحصيلهم العلمي فيرد على ذلك بتأكيد علني وصريح بأن الفتاة يكفيها علوم الدين ولشريعة فقط لكونها عند دخولها بيت الزوجية قد رهنت نفسها له ولزوجها وأولادها مستقبلاً وهذه مهنتها التي أوكلها الله لها) فإذا ما دققنا بهكذا جواب نجده قد نسف أن لهذه المرأة وهنا نقول الطفلة كيانها وتفكيرها وأحقيتها في اختيار طريقها العملي ومستقبلها المهني، معتمداً على دعائم دينية وجدها من وجهة نظره كافية لإثبات أقواله متناسياً أن الدين الإسلامي كان من المشجعين على تعليم المرأة ومؤكدا على أهميته في تقدم المجتمع وتقدمه.
في حين نجد وفي الفترة الأخيرة، أصواتاً من رجال الدين وذوا شأن في ساحة الإفتاء الديني وتحديدا في الأزهر الشريف والمملكة العربية السعودية تدعو وبشكل علني على إيقاف هذه الظاهرة لما تحمل من ظلم كبير للمرأة ومسبباً كبيرا في تدمير مستقبلها، وقد ترجمت هذه الدعوات إلى تدخل لقوات الأمن لإيقاف العديد الزيجات لفتيات مازالوا دون الثامنة عشر، مع توجيه العقاب الشديد للأهل ضمن تأكيد على العمل من منع حدوثها مستقبلاً.

العادات والتقاليد .. وعودة للخلف:

العادات والتقاليد .. باتت حائطاً إن لم نقل سداً يرمى على عتباته كل تفكير سيء أو منطق رجعي وغير منطقي يقوم الفرد بالإقدام عليه، وحجة يلجأ إليها الفرد لتغطية تصرفات الغير المقبولة مع تطور الزمن، ولنكن صريحين أكثر، ولتكن بنا الجرأة للقول بأن الكثير من العادات والتقاليد باتت المخبأ الجيد لكل فرد يريد ما عجز عن حمله نظرا للظروف الراهنة، فإذا أمعنا النظر في قضية الزواج المبكر وسألنا عن السبب عن قيام اسر بتزويج فتيات ما زالوا دون الثامنة عشر من عمرهن لوجدنا أن العنصر الاقتصادي للعائلة هو السبب الرئيسي، فعدم قدرتهم في اغلب الحالات على تقديم الحاجيات المادية التي تحتاجها الأسرة هو ما دفع اغلب الأسر أن لم نقل جميعها إلى رمي فتياتهن وهم في هذا السن الخطر في أحضان أزواجهن دون التفكير في عواقب ذلك زواج مؤلم.
وهنا نكون قد وضعنا العديد من الفتيات على طريق الانحراف الحقيق بدلا من إبعادها عنه،



"فاطمة" ليست وحدها في ذلك الحي ... من وضعت ألعابها بزاوية النسيان، هنالك الكثيرون ممن شاركوها وضع ألعابهم فيها... لتقفل قصصهم بمفتاح حديدي صنع من الصمت وغطاء من الدين والمجتمع، وبحفنة من المال يدفع شرعاً وقانوناً لأهل العروس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق