07 أغسطس، 2009

" متمردة " ... بقبول اجتماعي

مالك أبو خير


من الجميل أن يكون المرء في هذا الزمن ... متمرداً، ضمن محاولة منه لنفض الغبار عن عيون مجتمع اعتاد أغلبه النظر والسير للخلف دوماً، فالتمرد هنا يكون عبر الخروج عن طريق يتراجع الكثيرون من خلاله نحو الماضي معتقدين أنهم بذلك يحافظون على توازنهم، بينما هم في الحقيقية يصطدمون بجدران من اليأس خالقين حالة من الرعب في نفوس من يتبعوهم، وإذا ما تساءلت بنفسك عن حقيقية هذه الجدران ... ستجد بعد البحث المطول انك تصطدم بها دون أن تلاحظ، وانك تساعد على بقائها وتدعيم بنائها بالرغم من أنك تعارضها وتعرف تماماً كم من الأشخاص قتلوا وذبحوا على مشارفها.

عندما رأيتها ... عرفت كم الجدران استطاعت تجاوزها، وبالمقابل شعرت بحجم الهزيمة التي تعيش بداخلها، فقرارها بالرحيل عن ذويها للإقامة في دمشق لم يأتي من فراغ، وإنما أتى من اعتقاد بأن جدران منزلها باتت قبراً لا بد لجسدها المتعفن بذكريات لا تطاق بالخروج منه نحو عالم أخر يدعى ... الحياة.
لكن الخارج من القبر دوماً يصطدم بما فاته من الحياة، وكأنه طفل ولد لتوه، يعارك أيامها أحيانا وينحني أمامها أحيانا أخرى، فالخبير في الحياة هو الذي يكون على علم دوماً بأن المتغير وحده هو الذي يدوم والثابت مهما كان قوياً لابد له من الزوال يوماً ما.

قدومها لدمشق كان في البداية حلماً كحلم أي عاشق لأزقتها القديمة وطرقاتها التي نام العشاق خلف عتمتها وصحوا على ترانيم كنائسها وأذان مساجدها، لكن عندما يخرج إلى شوارعها ويغرق في بحور دخانها وازدحام طرقاتها فإنه يعلم تماماً أن نهايته إن لم يكن واعياً في أي اتجاه سيوجه أقدامه، سيكون الدهس تحت عجلات الشهوة لركاب الريح والسرعة.
اختارت التأني في كل ما تفعل وما تتصرف، رغم أنها معروفة بتمردها على كل شيء، حتى على شكلها الأنثوي الذي كان سبباً لتحولها في نظر الكثيرين من المارين وركاب سيارات الشهوة الجامحة لمجرد أرنب يحلو تناول لحمه مع كأس من الخمر الممزوج بدماء من بنى لهم موائد طعامهم وسرائرهم الحريرية الناعمة والتي اعتادوا جلب الأرانب إليها.
ولكونها مجرد أرنب في عيون مشاهديها قررت الاختباء ضمن حجر تخرج منه بين الحينة والأخرى باحثةً لنفسها عن عمل يناسب طموحاتها ويلبي أفكارها، ولعل حبها للكتابة هو من جعل الصحف والمجلات مقصدها الوحيد، لتجد بعد الكثير من المحاولات صحيفة تجلس على احد مكاتبها لتكتب على صفحاتها حكايتها مع الأمس والحاضر بعناوين وأسماء اختلقتها واخترعتها ... لكون كل ما تكتب في النهاية هو قصتها وماضيها وحاضرها الذي تراه.

كتبت عن عشقها لحب تغفوا بين أحضانه، والذي بات مراداً من الصعب تحقيقه مع ازدياد عدد الراكبين لسيارات الشهوة الجامحة، وتحدثت عن أملها بمستقبل يصبح به جسد المرأة من أخر اهتمامات الرجل، ونقلت هموم فتيات تاهت أقدامهن وركبن سيارات الشهوة وجلسن عقب ذلك على حافة الطرقات يشحذون ثمن الرغيف لهم ولمن في بطونهم، فتمردها كان في كل كلمة جرئية تكتبها يدفعها لكتابة المزيد والمزيد ... دون تردد، بالمقابل كما كانت تكتب قررت أن تعيش ولو ضمن حجرها الصغير، فحولت هذا التمرد لسلوك اجتماعي أقنعت به جميع من حولها أنها أنثى لكن بقلب رجل حديدي لا يعرف الرحمة مع من يحاول افتراسه، حاورت جيرانها وأقنعتهم بأن الحرية تأتي من الداخل والسوء هو الذي يأتي من الخارج ونقبل به ونطيعه، ووضحت لهم بأن الخطيئة نحن من نذهب إليها بينما الأمل يأتي من داخلنا ولكننا دوماً نحن من نتجاهله ونبكي عليه بأن واحد.

لكن من يعتقدون أنهم من سلالة فرعون والحاكمين باسم الله على الأرض لم يرق لهم هذا التمرد، لكونه يساعد على وقف زحف الراكبين ضمن سيارات الشهوة ويساعد على نشر فكر الوعي بالذات وقدراتها، وبالتالي كشف عملهم بأنهم مجرد غطاء شرعي لركاب الشهوة، فهم من يحكمون بموت القابعات على جنبات الطريق، وهم من يطهرون الأرض من تبعات وأفعال ركاب الشهوة، فما كان منهم في البداية إلا أنهم اعتبروها تخل بأمن الناس وتزعزع استقرار الكون ومجرى أحداثه من خلال هذا التمرد الذي لاقى قبولاً اجتماعياً منقطع النظير، فمصلح الكون بنظرهم بات مخرباً ومخرب الكون بنظرهم أمر طبيعي لابد من وجوده لتكون كلمتهم هي الفاعلة والحاكمة بين من يدعون انه شعبهم المخلص لهم ولسلالتهم حتى الأبد.

في البداية أرسلوا لها من يكفروها، ويتهموها بنشر فكر التفرقة والنعرات المباعدة لأبناء البلد الواحد عن بعضهم البعض، ثم بدءوا برمي العصيان في كل مكان يمكن لفكرها التمردي أن يلقى الجواب المناسب، مهددين كل أتباعها بأنهم باتوا مصدراً ومرتعاً مهماً لتلقي الاتهامات بتكون خلايا أطلقوا عليها خلايا التخريب ونشر الفتن.
الأمر الذي زاد من حنينها لقبرها ولجدران منزلها، مع ندم كبير منها على أنها لم تكن يوماً ممن ركبن سيارات الشهوة وغفت على أقدام سائقيها، وحملت ضمن أحشائها العدوى التي حملها غيرها من بنات جيلها، فقد تكون هذه العدوى سبباً في نيل رضا فرعون وسلالته، وبالتالي مصدر رزقها الدائم لكون فقط المصابين بهذه العدوى هم من يتلقون الدعم والإمداد ... والرحمة.

اليوم ... هي كغيرها تسكن جنبات الطرقات وعتمتها، لكنها ليست هي من اختارت ركوب سيارات الشهوة، بل اختارها القدر لتدهس عمداً وتأخذ العدوى وترمى بعد ذلك ... منتظرة عودتها لقبرها ... ولتدفع هي وحدها ثمن تمردها .... صاحب القبول الاجتماعي.
كلما انحنينا اتسعت مساحة الأرض وتاه نظرنا
وكلما ارتفعت قاماتنا ... رأينا الكون صغيراً كحبة رمل
مالك أبو خير

حكاية مرض ... ورحلة بين المشافي دون علاج




مالك أبو خير
إضافة صورة



كثيرة هي الأمراض التي باتت تعيش ضمن أجوائنا وأجسادنا، منها ما يكون مرورها مرور الكرام، ومنها ما يكون وجودها سبباً في تغيير حياة أشخاص وفي بعض الأحيان سبباً في نهايتهم، ومرض السل من أكثر الأمراض انتشاراً ضمن مجمعاتنا العربية، وتحديداً في المناطق التي تنعدم بها النظافة وسبل الحماية من الأوبئة والأمراض، ومن الطبيعي أن تقوم الجهات المختصة بعلاج المصابين بهذا المرض، بالإضافة إلى تطبيق نوع من الحجر الصحي عليهم لكونه من السهل جداً انتقاله عبر الكثير من الوسائل أهمها التنفس.
وهذا يعتبر التصرف الصحيح الذي يجب تطبيقه من قبل الجهات المختصة في علاج هذه الأمراض بدءاً من وزارة الصحة وصولاً إلى المراكز الصحية التابعة لها، لكن ما يحدث على ارض الواقع نجده مختلف تماماً لما يجب تطبيقه، بل نجده يأخذ مناحي أخرى تعتبر خطرة على أرواح المرضى والأشخاص المحيطين بهم.
"وليد فياض" أحد المصابين بهذا المرض أثناء عمله في إحدى ورشات تصنيع الأحذية بمدينة حلب، الأمر الذي اضطره لترك عمله والتوجه نحو المركز الصحي المختص بعلاج مرضى السل بالمدينة، ليدخل فترة من العلاج استمرت حوالي الستة أشهر متواصلة تراجعت بها حالته الصحية بدلاً من أن تتحسن، لكون طرق العلاج وأساليبه المستخدمة من قبل هذا المركز تضاعف من حجم الإصابة أكثر مما تحسنها " على حد قوله"، ووصلت حالته الصحية لمرحلة حرجة اضطرت المركز لتحويله إلى مشفى ابن النفيس بدمشق، وذلك تحت حجة انه لم يستجيب للمرحلة الأولى من العلاج ويجب عليه الانتقال إلى المرحلة الثانية والتي لا تتوفر لديهم وينحصر علاجها في المشفى المذكور حصراً.
وعن فترة العلاج الثانية يقول " فياض": ( في الفترة التي بدأت العلاج الثاني، كانت الكوادر الطبية في مشفى ابن النفيس قد أنهت مرحلة التدريب على هذه المرحلة لكونه برنامج حديث تم استيراده من الخارج عبر منظمة الصحة العالمية ولم يكن القائمون عليه على علم كافي بتطبيقه، الأمر الذي جعلنا نبدو وكأننا فئران تجارب، حيث استخدام مجموعة من الأدوية علينا ومن دون أي خبرة في استخدامها اذكر منها " كابرويسيس – سيكلوسيرين ... وغيرها " والتي قد تسبب نوع من المضاعفات الخطرة بحق المرضى كما حدث معي ومع العديد من زملائي، حيث بدأت تظهر لدينا العديد من المضاعفات كالضيق الشديد في التنفس و ضعف في الجملة العصبية و مشاكل في الكبد و الكلية وضعف في السمع و مشاكل في القلب وغيرها من المضاعفات التي لا تعد ولا تحصى.
وعندما واجهنا المسؤولين عن العلاج، أكدوا لنا عدم قدرتهم على معالجة هذه المضاعفات، واعتبروها طبيعية ونتيجة منطقية لتفاعل الأدوية مع الجسم، وطلبوا منا التوجه إلى مشفى الحارث بحمص لكونه المشفى الوحيد حالياً في سورية المسؤول عن علاج الحالات المتطورة من هذا المرض.

علاج دون حجر صحي:



ويتابع " فياض " عن فترة علاجه في المشفى قائلاً: ( اغلب المعالجين في مشفى الحارث بحمص يتم معالجتهم دون تطبيق أي نوع من الحجر الصحي عليهم، فضلاً لكون المشفى يعالج العديد من الأمراض في آن واحد، فالمشفى بالإضافة إلى معالجته لمرضى السل يعالج مرضى الأمراض النفسية والعقلية ومعالجة الإدمان ومرضى السرطان و مرضى العيون ومرض السحايا والمصابين بالايدز، كما يستقبل الإسعافات الخارجية وبشكل لا يتم عزل أي نوع من الإصابات عن بعضها البعض، فنحن كمرضى سل نقطن في الطابق الأخير من المشفى، ونتحرك بحرية في كافة الطوابق الأخرى ونلتقي مع باقي الأقسام الأخرى وأحيانا دون كمامات الأمر الذي يمكننا من نشر الإصابة إلى الآخرين.
وعند مطالبتنا بما نحتاجه من أدوية وتجهيزات يجاوبنا القائمون عن المشفى بعدم قدرتهم على تلبيتها لكون المشفى في طور الإعداد والتأسيس ولا تتوفر فيه حالياً كافة المستلزمات المطلوبة للعلاج، الأمر الذي زاد من نسبة الأعراض الجانبية لدي وتفاقمها ليتم على أثرها إسعافي من حمص إلى مشفى المواساة بدمشق ليستقبلني مدة أربعة أيام فقط لا غير طالباً مني الرحيل والعودة إلى المشفى تحسباً من نقل العدوى لباقي المرضى في المشفى.

مضاعفات ... ووفيات:



المضاعفات التي سببتها الأدوية التي تم أخذها من قبل المصابين سببت العديد من حالات الوفيات بين صفوفهم فضلاً إلى تصريحات من بعض المتواجدين بمشفى الحارث أكدت وجود إهمال وعدم تعاون من قبل الطاقم الطبي المتوفر، بالتزامن مع نقص الإمكانيات والمعدات المطلوبة للعلاج، ومن أسماء الوفيات التي وردت لنا " محمد رحيم من حلب – عبد الفتاح من الرقة – وداد من محافظة حلب ".
وختاماً لا يمكننا نقد الإهمال والاستهتار فقط، لكونهما واضحين وضوح العلن وأمام أعين الجميع وبصمت كبير، لكننا نوجه كما وجه اغلب المرضى في المشفى المذكور بضرورة التدخل السريع لحل الأزمة الصحية التي تحدث لمرضى السل داخل المشفى وخارجه مع وضع حل منطقي وحقيقي لهم.

نشرت في موقع حكاية سورية على الرابط: