07 ديسمبر، 2008

لعبة الموت



مالك أبو خير

قتل منظم، استخدام متقن لكافة أنواع الأسلحة المتوفرة، مع خبرة نظرية بتفاصيلها وتواريخ صنعها، وكيفية استخدامها على أفضل شكل، ففي بداية اللعبة يبدأ الشخص بأسلحة خفيفةن تتطور مع تقدم اللاعب، وتتحسن عند قتله العدد الأكبر من الأشخاص الذين يعترضون طريقه، أو يعرقلون وصوله للنهاية والفوز.

لعبةالقتل والدماء والعنف النفسي هو أهم الصفات الواجب توفرها للفوز بها وللوصل لنقطة النهاية، لتظهر عبارة تختم بها "أنت القاتل الأفضل"

المثير في الموضوع هو اللاعب الذي يخترق كل هذه الصعاب ويقتل من يقتل وبطرق تحمل البشاعة في أسلوبها ومضمونها كأسلوب أفلام الرعب والإجرام الغربي والتي يجب أن تتوفر به مهارات من العنف النفسي والعقلي ليستطيع تحمل مناظر القتل أو الضغط على الزناد لقتل الطرف الآخر.

"أنهم أطفالنا" نعم وتحديداً من هم في سن المراهقة أو دونها تحديداً والذين باتوا متمرسين على استخدام هكذا العاب عنف تحمل في طياتها عمقاً يفوق عمرهم وقدراتهم الجسدية والنفسية ... لكن الغريب بالأمر أنهم باتوا من المتقنين لها ولقواعدها ولأساليب القتل وطرق الوصل إلى خط النهاية.

حيث تراهم وبأعصاب مشدودة جالسين خلف أجهزة الحاسوب ضمن محلات انتشرت في مدينة دمشق وضواحيها .. بل في كافة محافظات القطر ... موفرة على سطح الشاشة لديها كل أنواع الألعاب التي يمكن من خلالها اللاعب أن يستخدم كل ماتراه عينه من أنواع أسلحة ضمن أفلام القتال والإجرام الأمريكي والغربي والتي تخصصت العديد من المحطات "العربية للأسف" في نقلها وترجمتها بعناية لنقلها للمشاهد العربي والذي تعتقد ربما أن بلاده ونشرات أخبارها خالية تماماً من مناظر لقتل حقيقي تحدث كل يوم في ساحاته وطرقاته...

"سومر" لم يتجاوز من العمر الثلاثة عشرة سنة. جلست بجانبه متسائلاً عن اللعبة التي يقوم بتنفيذ مخططها الإجرامي للوصول إلى نقطة الفوز... فشرح لي تفاصليها حيث يبدأ بسلاح ابيض يقتل به كل من يراه في الشارع الذي يسير به من مواطنين وأصحاب المحلات ليكسب العديد من النقاط تساعده على كسب سلاح أفضل، فضلاً عن قتل سائقي السيارات وخطف سياراتهم ليتوجه من خلالها إلى مركز تواجد العصابة حيث يبادلهم المخدرات مقابل المال وبالتالي الانتقال إلى المرحلة التالية ... وطبعاً الخسارة في كل مرحلة تكمن في حال وقوعه في أيدي الشرطة الشبيهة بالشرطة الأمريكية...

وعند سؤالي له عن كيفية وسبب قتل المواطنين في الطريق وخطف سيارات الأجرة وقتل سائقيها، وهم أناس أبرياء عزل لا حول لهم ولا قوة يسيرون بأمان في الطرقات، وقد يكون بينهم من هو ذاهب لعمله وكسب رزقه وإطعام أولاده وأمهم في المنزل، ضمن طريقة لاستجرار عطفه وإيقاظ طفولته الغائبة هنا أمام هكذا نوع من الألعاب...

"أتى جوابه كالصاعقة" في البداية كنت أتحيد قتل المواطنين "يقول سومر": لكنني اكتشفت أن قتلهم هو من قوانين اللعبة وأهدافها، فمن دون قتلهم لا أستطيع الحصول على العديد من النقاط وتطوير السلاح المتوفر بين يدي، حتى الأطفال السائرين مع أمهاتهم وآبائهم لابد من قتلهم أيضاً للحصول على المزيد من النقاط...

قتل لمواطنين عزل ... نقل ومتاجرة بالمخدرات، تعامل مع عصابات دولية، خطف لسيارات وقتل لسائقيهان عنوانين تصرفات يمارسها طفل في سن المراهقة تحت بند الترفيه والتسلية دون أدنى رقابة تذكر على مدى تأثيرها النفسي والعقلي وعلى سلوكه في المستقبل ...

"جون وأيمن ومنير وعصام" أربعة أطفال كانوا جالسين في الجهة المقابلة، جميعهم لا يتجاوزون الخامسة عشر من العمر، صراخهم كان مدوياً ، وكافياً ليطرب الحي بأكلمه... وهم يلاحقون بعضهم البعض، مطلقين النار أملاً بقتل بعضهم والفوز في اللعبة الشهيرة التي كانوا يمارسونها والتي تدعى "الكونتر" ...

تلك اللعبة التي لقت شهرة لدى جميع صالات اللعب وضمن جميع محلات الألعاب ودون استثناء، بحيث يعتبر المحل الذي لا تتوفر به هذه اللعبة غير كاملاً ولا يصلح للعب به.

اللعبة مبدئها بسيط، مجموعتين من اللاعبين يتواجهون ضمن قطعة معينة للقتال بطريقة اقرب مشابه للقتال على الطريقة الأمريكية يستخدم بها كافة أنواع الأسلحة من البيضاء إلى السلاح الفردي العادي والثقيل ضمن أسلوب يحمل البشاعة في أسلوبه نظرياً وعملياً، والفريق الفائز هو من قضي تماماً على الفريق الآخر قاتلاً آخر فرد لاعب به...

الجميل في الموضوع أيضاً، شيئاً رأيته بأم عيني عند جلوسي في صالة اللعب، "أم" تدخل للمحل ممسكة بيد طفل في الصف الرابع الابتدائي، تجلسه أمام أحد الأجهزة طالبة من صاحب المحل أن يدخله إلى اللعبة التي كان يلعب بها "سومر" والتي يبدو على دراية بكل تفاصيلها ...طالبةً من ولدها اللعب بها "وموصيةً له " بقتل كل ما تراه عينه للفوز ... فهي تريده بطلاً لايخاف أحد ... شجاعاً ... مقداماً ... أو بالأحرى تريد أن تصنع منه "مشروع مجرم مستقبلي" لا يهاب الموت والقتل للأخر...

وعند سؤالي عنها عرفت أنها اعتادت زيارة صديقاتها في هذه الفترة المحددة من كل يوم فتبقيه في هذا المحل لحين عودتها وإنهاء زيارتها الجليلة مما يكسبها الراحة التامة والترفيه لولدها لحين عودتها...

لعل الدهشة كانت ردت الفعل لي ومن يقرأ هذه المادة ... فلو أنها لم تكن على علم بتفاصيل هذه اللعبة القذرة لقلنا أنها بحاجة لأحد يضعها بصورتها الحقيقة ... وأخطارها على صحة ولدها النفسية والعقلية ... لكنها كانت على دراية بأبسط تفاصيلها ... وأساليب القتل والإجرام المنتشر بين خطوات تنفيذها...

هذه الأم ... هي من تتحمل العقبات المستقبلية لتصرفات ولدها عند بلوغه سناً اكبر عندما يقوى ساعده، وتكون خلايا دماغه قد تشبعت بشتى أنواع العنف والقسوة ... فلن يكون اللوم عليه إذا قام بتوجه ضربات لها في المستقبل في حال وقفت في وجهه لمنعه بالقيام بتصرف طائش يؤذيه ... فهي من تركته يتشبع من هكذا أفكار والعاب وأساليب قتل منظم...

اختراق واضح .. ورقابة غائبة:

عندما نتحدث عن الاختراقات الأمنية والتي تسعى أجهزة الأمن في اغلب البلدان لمنعها وحماية البلاد من نتائجها فأننا نتحدث عن مخططات لتفجيرات ونسف لمواقع مدنية وعسكرية وعند الحديث عن الاختراقات في الدول العربية، نجد أهنا أكثر الدول في العالم عرضة لهكذا أنواع من الاختراقات، وهي من استطاعت وبجدارة التصدي لها وإيقاف أغلبها...

وهذا ما دفع بالآخرين ليتوجهوا إلى أنواع أخرى من الاختراقات،. كمثل هذه الاختراقاتن ومن النوع الثقافي والتي من خلالها ليسوا بحاجة إلى تهيب المتفجرات إلى الداخل، فهم يصنعون مع الزمان "قنابل إجرامية موقوتة" وهذا التعبير ليس نوعاً من المبالغة قولهن عندما نتحدث عن تشبع للأساليب الإجرام المنظم لعقول أطفال مازالوا في طور التشكل الذهني، ليتحول عبر الزمن إلى سلوك فعلي يمارس على أرض الواقع في معالجة المشاكل، ولتكون حلاً من ضمن الحلول المتوفرة لديهم في مواجهة أي مشكلة تعترضهم، فضلاً عن أنهم قد يصبحون عرضةً للانضمام إلى أي مجموعة إجرامية مستقبلاً لكونهم قد تقبلوا تصرفاتها ونتائج أفعالها عبر ممارستهم لمثل هكذا العاب.

ففي اليابان ومنذ فترة ليست بالبعيدة أصدرت السلطات لديها قراراً بمنع العديد من ألعاب العنف بعد قيام أحد الأطفال البالغ من العمر 15 عاما بقتل أحد سائقي سيارات الأجرة بمسدس قام بأخذه على حين غفلة من احد رجال الشرطة بطريقة أشبه للعبة كان يمارسها في احد محلات الألعاب ليسارع لتنفيذها مباشرة بعد خروج من المحل مباشرة "كما أوردت وكالة الأنباء اليابانية".

فالسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هنا؟ هل نحن بحاجة لحدوث مثل الجريمة والتي كان بها الطفل ضحية قبل السائق ورجل الشرطة، لنقوم بإصدار قرار عام وصارم بمنع مثل هذه الألعاب وشطبها ومسحها من على شاشات حواسبنا ...

نداء يوجه إلى كل الجهات المختصة بدأً من وزارة الثقافة ... والتعليم ... وقوى الأمن .. والى رئيس مجلس الوزراء شخصياً ....


"أولادنا في خطر " وإنقاذهم بقرار منكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق