07 يناير، 2009

الخريجون الإعلاميون واقع هل يتغير؟


مالك أبو خير



بحث بين الصحف والمجلات... استكتاب هنا واستكتاب هناك، انتظار فرصة قد تأتي بعد الطرق المتواصل على أبواب أصحاب القرار... وعجز في بعض الأحيان أو التوجه للعمل في مجالات غير اختصاصاتهم.
هذه بداية حكاية كباقي الحكايات.. لطلاب خرجوا من عتبات جامعاتهم، وتوجهوا نحو بناء مستقبلهم، وبناء مكانة لهم بين صفوف المجتمع.‏
لابد من وجود عقبات، وتحديات تقف في طريقهم، قد تكون ذو فائدة في تطوير قدراتهم النفسية والشخصية وتعلمهم قساوة الحياة ولذة النجاح بها.‏
لكن أن تتضخم تلك العقبات لتصبح حاجزاً يصعب اختراقه، وسبباً في تدمير مستقبلهم وطموحاتهم في بعض الأحيان هذا ما لا يقبله العقل ولا المنطق.‏
طلاب كلية الإعلام... كباقي طلاب كلياتنا في الجامعات السورية، نضال بين قاعات محاضراتهم، وسباق اولمبي خلف مدرسي موادهم، وصراع حقيقي على لوحة نتائجهم حتى الحصول على شهادة التخرج... كل هذه كانوا يعتقدون أنها قمة الصعوبات وبعد التخرج يحل كل شيء.‏
لكن ما إن بدؤوا في طرق أبواب العمل حتى يعود الحنين بهم إلى ساحات الجامعة وقاعاتها... فما يحدث معهم كاف لتحطيم الإرادة وسحقها.‏
فإذا ما قمنا بدراسة تحليلية لواقع فرص العمل للإعلاميين لدينا لوجدناها شبه معدومة، وأغلبها إن لم نقل جميعها تعتمد على وجود واسطة أو شخصية نافذة في المجتمع تساعد طالبها للحصول عليها.‏
فوسائل الإعلام الحكومية لسنا بحاجة للحديث عن التعقيدات والإجراءات الروتينية وغير الروتينية وحجم الواسطة الواجب توفرها لتأمين فرصة عمل بين كوادرها والتي تشكو هي أساساً من الفائض الزائد عن حدها وعدم كفاءة بعض الكوادر المعينة لديهم نظراً لعدم خبرتهم أو لقدوم أوراق التعيين إلى منازلهم دون عناء ما يفسر عدم خبرتهم في هذا المجال.‏
وهذا ما جعل العديد يتوجه نحو مهن أخرى يبحثون على موارد عيش أو التوجه نحو دول أخرى ذات مساحة أكبر إعلامياً ولنقل تحتوي على عدد أكبر من وسائل الإعلام وتحت رضوخ لكثير من الشروط التي قد تكون قاسية عليهم أحياناً من الناحية المهنية والمادية نظراً لعدم توفر البديل المناسب.‏
الإعلام الخاص ... والصدمة الكبرى:‏
مع بدء الظهور للإعلام الخاص، تنفس الشباب الإعلاميون الصعداء، فاعتقدوا أن فرص العمل ستكون متاحة بشكل أفضل، ليجدوا أنفسهم بعد فترة ليست بالكبيرة أنهم خارج إطار هذه الفرص بالكامل، فالتعيين أو اختيار العاملين يتم وفق الكيفية ومزاجية أصحاب تلك المؤسسات والتي اعتمدت غالبيتها على كوادر لم تكن ذو خبرة بالمجال الإعلامي أو خريجة لقسم الإعلام، وإنما كانت التعيينات وفقاً لواسطة أو قرابة أو حتى معايير لا تمت بسلطة إلى معايير اختيار الصحفيين والتي باتت معروفة للجميع، فإذا ما نظرنا وبشكل جيد إلى أغلب العاملين في الصحف والمحطات الإذاعية، والمحطة الفضائية الخاصة، الوحيدة لدينا لوجدنا أن معظم العاملين ليسوا من الخريجين من هذا المجال.‏
وفي حين الحصول على عمل فحدث بلا حرج.... دوامة طويلة تمتزج بالكثير من الطرق التي لا تعرف نهايتها، من طمع أصحاب العمل واستغلالهم للعناصر العاملة لديهم نظراً لمعرفتهم واقع فرص العمل وبالتالي قبول جميع العاملين بما يملى عليهم من تعليمات ، والرضوخ لمزاجيات مريضة في أغلب الأحيان وبعيدة كل البعد عن أسلوب إدارة العمل الإعلامي وصلت لهكذا منصب عبر القوة المادية غير الكافية وحدها في تأمين انطلاقة إعلامية حقيقية لهذه المؤسسة أو تلك، ليتعرض أغلب العاملين إلى التسريح بشكل شبه لائق أو بشكل تعسفي أحياناً بحجة عدم قدرتهم على تقديم الأنسب للمجلة أو المحطة فيما العيب في الأغلب يكون من الإدارة نفسها التي تأبى كرامتها من البوح بفشلها إعلامياً.‏
فضلاً عن تحول عدد من الصحفيين إلى مندوبين للتسويق للوسائل الإعلامية العاملين بها، ومجرد مسوقين بين الشركات الاقتصادية، أو عبر إجراء لقاءات تتحدث عن نجاحات تلك الشركة أو تفوق الأخرى، في سبيل الحفاظ على الأجر الشهري الذي يكاد في النهاية يكفيهم مصاريف التنقل والحركة.‏
واقع لابد من العمل من قبل القائمين على تغييره، وبشكل يضمن الاستمرار والاستقرار لمئات الشباب الإعلاميين الباحثين عن فرصة يثبتون من خلالها عن قدراتهم، وإيصال رسالتهم التي هي في النهاية رسالة كل فرد من هذا الوطن.‏


نشرت في جريدة الثورة اليومية


03 يناير، 2009

المدارس المختلطة في الريف .... معادلة الرفض أو القبول





مالك أبو خير












الأعين مفتوحة وفي حالة مراقبة دائمة لكل حركة أو تصرف... في باحة المدرسة خلال الاستراحة أو ضمن الصفوف، وحده الاصطفاف يضع حداً للعيون التي أتعبها التحديق، كونه يفصل بين الجنسين، فالذكور لهم طابور وللإناث طابورهم. علاج الخطأ هنا ليس بالأمر السهل، وتبعاته قد تكون أسوأ من حدوثه ... فالتفاصيل التي تجلس وراء المقاعد وتركض خلف بعضها ليست من مكان بعيد ... أنها من واقعنا ... ومن صلب مجتمعنا.
مدرسة في إحدى ضواحي العاصمة، حيث الزمان والمكان غير مناسبين لاتخاذ خطوات قد لا تتناسب ممن هم ليسوا مهيئين "نفسياً واجتماعياً" لتقبلها واستيعابها، لكن ما العمل؟ فضعف الإمكانيات وعدم توفر البدائل المناسبة كان الدافع الذي اعتادت وزاراتنا والمديريات التابعة لها على تقديمها لتغطية العجز المالي ... والإداري.
هذا العجز الذي دفع وزارة التربية ومديرتها بريف دمشق إلى أخذ قرار بدمج الطلاب بمدرسة تابعة لمنطقة عقربا من الصف الخامس وحتى العاشر الثانوي، حالها حال الكثير من المدارس التي طبقت فيها التجربة عينها، مؤكدين على ضرورة قرارهم هذا بهدف تحقيق سياسة التحديث التعليمي والفكري والثقافي لدى الطلبة، ضمن هذه المنطقة المعروفة بتشدد أهاليها من الناحية الدينية والاجتماعية، الأمر الذي بات منبراً للتعجب ومجالاً لإثارة المشاكل من قبل الأهالي ضد أولادهم والمدرسين بين الفينة والأخرى، واضعاً الطلاب بوضع المُراقَب والمدرسين بوضع الرقيب، وليكون قرار الأهالي بسحب أولادهم " الإناث تحديداً" من خلف مقاعدهم في حال الشك بأي تصرف من قبلهم يؤثر في السلوك الديني والفكري الذي نشأت المنطقة بالكامل عليه.
الفصل بين الجنسين هو مشكلة أورثت العديد من العقبات أمام أبنائنا للاندماج الاجتماعي السليم، والعدول عن ذهنية الفصل الحاد بين الصبيان والبنات هو فضيلة ولا شك، لكن مثل هذه القرارات لا بد وأن تأخذ حقها من الدراسة، خاصة وان طبيعة المنطقة كما أسلفنا لا تزال تنظر بعين الريبة لهذا النوع من الاختلاطات غير المحببة أبداً، كي لا تترك كل التعقيدات والمشاكل لمشيئة الله القادر على كل شيء، واللطيف الذي سيتدخل حتماً في منع حدوث أي مكروه في هذه المدرسة القابعة في مكان غير بعيد عن العاصمة.
السيدة "هيفاء حديفي" المشرفة الاجتماعية في المدرسة، عن تجربتها في المدرسة تقول:" في البداية عانيت الكثير من الصعوبات، بدءاً من الطلاب أنفسهم حيث وجدت كل واحد منهم يعاني من مشاكل نفسية واجتماعية يعود أساسها للمنزل، حيث أن عدد غير قليل من رجال المنطقة هنا يجمعون بين زوجتين أو أكثر، مما ينعكس بذلك كله على واقع وشخصية الطفل وتكوينه، فضلاً عن مرحلة المراهقة التي يمرون بها وما تحتويه من تقلبات إيجابية أو سلبية سيكون لها الأثر الكبير في شخصيتهم وتكوينهم مستقبلاً.
تضيف: في المدارس غير المختلطة يكون حجم المشكلات أقل، لكن هنا نجدها موجودة وبقوة ومن كل اتجاه، حتى أننا لم لنكن لنتغلب عليها لولا تماسك الأساتذة وتفاهمهم وإتباعهم منهجاً سلوكياً واحداً مع جميع الطلاب. فضلاً عن سعينا لمد جسور الحوار معهم معتمدين كسب ثقتهم في سبيل القدرة على توجيههم بشكل سليم.
وعند سؤالي عن أهم المشكلات التي تواجهها مع الطلاب؟ أجابت: " أعتقد أن الفرق الكبير بين جو المدرسة وجو المنزل هو المشكلة الأهم. فالفرق بين الاثنين مختلف تماماً ويتراوح بين الكبت والمشاكل الأسرية في المنزل، وبين حالة الانفتاح والحوار التي يعيشونها في المدرسة، فجميع المدرسين من خارج المنطقة ومنهم من هو من خارج محافظة دمشق نفسها، حيث ترانا نشجعهم على الحوار فيما بينهم مؤكدين لهم أن وجودهم كجنسين مختلفين ليس عيباً أو معصية وإنما هو وسيلة لقراءة كل منهما للأخر بطريقة مختلفة عما تعودوا عليه في الشارع أوفي أي مكان آخر.
فضلاً إلى مشكلات نعانيها نحن المرشدين أنفسنا، ألا وهي أن الغالبية منا لم يخضعوا لدورات تدريبية تجعلهم قادرين على مواجهة المشاكل التي تعترضهم أثناء عملهم، وخصوصاً هنا في هذه المدرسة حيث الذكور والإناث يجتمعون سوية وهم في سن المراهقة، ولديهم عائلات ومجتمعات مغلقة فكرية تعتمد الأسلوب الديني في التربية والتعاطي معهم، مما يجعلهم على صدام مع فكرة أخرى تماماًُ هنا في المدرسة وهي فكرة الاختلاط، الأمر الذي يجعلنا بحاجة إلى إيجاد أسلوب مختلف في التعاطي والتعامل معهم..... الوزارة وحدها من تتحمل مسؤولية إعدادنا لهكذا حالات تربوية".
أمينة السر في المدرسة السيدة "وفاء السيد حسين" تتحدث عن تجربتها بالقول: "لقد أصبحنا في ورطة حقيقية ... فبعد صدور القوانين الجديدة التي أشيع أنها في مصلحة الطالب " كقانون منع الضرب مثلاً" لم تترفق هذه القوانين ببدائل ملائمة تساعد المدرس على ضبط الطالب إن أخطأ. وهناك مدرسون يخشون عند خروجهم أن يجدون دورية شرطة بانتظارهم للتحقيق معهم بسبب إهانة أو توبيخ وجهوه لطالب ما!! فمثلاً وفي إحدى المرات استجوبت إحدى المدرسات لدينا لكونها اتهمت إحدى الطلاب " بقلة الأدب " بعد قيامه بتصرفات لاتدل على تربيته المنزلية...
فكيف لنا أن نستطيع ضبط الوضع في ظل وجود جنسين مختلفين في مدرسة واحدة معاً، وفي ظل تعقيدات بيولوجية ونفسية لدى تلاميذ ينتمون لمجتمع منغلق فكرياً وثقافياً؟؟ لقد جعلنا هذا الأمر في غاية الحذر في التعامل مع جميع الأطراف مع الحرص الشديد على الصحة النفسية للتلاميذ الذين مازالوا في سن المراهقة وبناء الشخصية"
على هامش الزيارة تكلمت مع عدد من الطالبات، ووجدت أننا أمام محنة حقيقية لا تكمن في المدرسة وحدها وإنما بأسر هؤلاء الطالبات أنفسهن، فهن يعشن ضمن واقعين مختلفين متناقضين تماماً، الأول بين أحضان الأسرة التي تلعب دور الرقيب بدلاً من دور المرشد، مستخدمةً "السوط والعصا" في فرض وتطبيق هذا النوع من الرقابة والثاني هو المدرسة حيث الزميلات الإناث والزملاء الذكور المحرم الحديث معهم دينياً وأخلاقياً من وجهة نظر العائلة ... لكنه بنفس الوقت متاح وبكل حرية، مما جعلني ألاحظ وجود ازدواج في التعامل والشخصية لدى الطرفين" ذكوراً وإناث" الأمر الذي قد يؤثر على التنشئة النفسية لهم مستقبلاً ...
فـ "هبة" طالبة في الثامن الابتدائي تجد أنها مجبرة على إتباع هذه الازدواجية في تعاملها اليومي بين المدرسة والمنزل، فعند سؤالي لها عما تعانيه من صعوبات لكونها في مدرسة مختلطة تجيب: " المشكلة لا تكمن في الطلاب أو المدرسة نفسها ولا بالنسبة إلي، وإنما تكمن في أهلي أنفسهم، فهم لا يتقبلون وجودي في مدرسة مختلطة مع ذكور وفي هذا العمر بالذات، مما يجعلني دوماً في محط التساؤل الدائم عن تحركاتي اليومية ومراقبة دائمة في سلوك داخل المنزل مع التهديد بمنعي من إكمال دراستي في حال وجود علاقة مع احد زملائي في الفصل، الأمر الذي يجعلني على خوف دائم وحذر وحسبان لكل تصرف من تصرفاتي، لكونهم لا يعلمون مدى الوعي الذي وصلت له من خلال الاختلاط والذي تأكد من خلاله أن الحياة ليست حباً وعشق فقط بل هي تصميم وإرادة وعلم وتفوق وتميز، نتيجة لم أستطع الوصول إليها لولا وجود الذكور وفهم ما نخوف منه كل صباح ومساء من قبل أهالينا، لنكتشف أنهم ليسوا بالخطر ما دمنا نعرف حقيقة أنفسنا وما نحن نريد ... نتيجة لم نكن لنصل إليها لولا وجود مدرسين كالموجودين لدينا، والذين اعتبرهم أهلي أكثر من عائلتي نفسها، والصدر الرحب الذي يسمع أغلب مشاكلي وحكاياتي الشخصية والأسرية، لكن ماذا افعل إن كانت أسرتي ترى الحياة من منظار ديني فقط دون التعاطي معنا من المنظار الفكري أو العقلي"
وهنا لابد من السؤال ... أين دور وزارة التربية من كل هذا، وأين دور برامج التطوير التعليمي التي نسمع عنها بين الآونة والأخرى، والتي لا بد من وجودها وبقوة في مثل هكذا مدارس مع الإشراف الحقيقي على المستوى النفسي والعقلي للطلبة بها قبل الدراسي ...
إن تجربة المدارس المختلطة ضمن مجتمع ما زال يخلط بين الديني والاجتماعي، يجب أن تقف ملياً عند أول فتاة تجبر على ترك المدرسة بسبب الاختلاط كي لا تدفع ثمن هذه التجربة فتيات لا ذنب لهن إلا أنهن ولدن في أسر مصرة على إبقاء بناتها في عصر الحرملك.






نشرت في مجلة الثرى ... للزيارة أضغط على الرابط التالي:

http://www.thara-sy.com/thara/modules/news/article.php?storyid=563/المدارس%20المختلطة%20في%20الريف..%20معادلة%20الرفض%20أو%20القبول