07 ديسمبر، 2008

قصة ... وسؤال



مالك أبو خير




" طلب مجامعتي قبل العملية"... ظروف كفيلة بدفعها للانتحار، حيرة بين الموت على يد عائلتها أو البقاء تحت رحمة ذلك الفتى الأرعن.. أو الانصياع لطلب طبيب فاقد للإنسانية ... قصة كغيرها من القصص... تجري في الخفاء وتموت حيث ولدت.. سمعتها همساً .. وكتبتها علناً.. عل الكلمات توعي من هو ذاهب إليها.. البداية كانت في مقاعد الجامعة.. حيث العشق لايعرف الحدود بنظرهم، يهدم الحواجز ... ويقطع العتبات ...ويحطم القيم والعادات والتقاليد...
أحبته "كما قالت" كعشقها لأرض والدها المزارع.. رأت فيه ما تمنت وحلمت بشريك حياتها.. رأت فيه شخصاً بعيدا عن شباب قريتها وتحجرهم .. وضيق تفكيرهم ... وتمسكهم بماضي أرهق تفكيرها المتطور...
كان يحادثها عن حرية الفكر وأهمية تطوير المجتمع .. مع تأكيده الدائم على خروج المرأة من دوامة قمقمها الشرقي ... وتعقيداته اللامتناهية...
كلمات وجمل ... كانت تطرب مسمعها .. وتجذبها إليه .. كما وسامته وحسن أخلاقه .. وصدق مشاعره... ووفائه..
صفات كانت كفيلة لنشوء قصة حب بينهما ... هي الأقوى منذ ولادة التاريخ بنظرها.. وكفيلة لان تكون طوع بنانه ورهن كلماته .. ونظرات عينيه الآسرتين والمالكتين لقلبها وتفكيرها..
في السكن الجامعي كانت الحياة لا تطاق، ضيق في المكان.. وخلاف دائم مع زملائها في السكن... سوء نظافة وعدم احترام من القاطنين لغيرهم وعراك ومشاكل حول امور تافهة ... كمن يدخل للحمام المشترك أولاً... كانت تتمنى الخروج من علب السردين "كما وصفتها" والتي أثرت بشكل واضح على تحصيلها الدراسي...
عرض عليها الانتقال للعيش معه ... نظراً لكونها الأنسب للطرفين، يعيشان مع بعضهما كزوجين ويتابعان تحصيلهما العملي ضمن نظام غربي يدعى " المساكنة" ودون ملاحظة أحد لكونه يقيم ضمن بناء لا يختلط به القاطنون ببعضهم البعض ... ودون أن تفقد سكنها الجامعي .. لتعود إليه في حال أراد الأهل زيارتها أو مفاجئتها ... وهذا نادر بالنسبة لها.
وانتقلت للعيش معه ... دون تردد، مدعية أمام زملائها في السكن أنها ستستأجر مع أحدى صديقاتها منزلاً خارج المدينة الجامعية، ودون أن تخسر مكانها في السكن لتكون به عند حصول أي طارئ مفاجئ.
الحياة بجانبه كانت أجمل ما حدث لها.. وجل ما تمنت .. دراستها تحسنت .. حياتها تغيرت .. بدأت تنظر لها من منظار آخر .. مختلف عما رأته سابقاً .. ودون أن يشعر أحد بهذه العلاقة البريئة "بنظرها" والتي قطعت السنتين وتحديداً أهلها الذين كانت نتائجهاً الجامعية كفيلةً للتأكد بأن ابنتهم بخير وأمورها بأفضل حال.
هذه كانت البداية... لكن "حبوب منع الحمل" لم تكن حاجزاً من حدوث المصيبة الكبرى... فأعراض ما حدث لها كان حملاً محتماً لم تجد منه مهرباً ...
مصيبة .. أوقعتها في حيرة كانت البداية لسلسلة مفاجأة قاسية ومؤلمة ... كان أولها بردت فعل عشيقها الغاضبة كبركان لا يخمد عند سمعه للنبأ ... بدأت بكلمات نابية أظهرت ما خبئه الأيام .. أو أدت لظهور شخصيته الشرقية التي طالما ما هاجمها ... واحتقر أصحابها...
اتهمها بفعل ذلك عمداً ... لإجباره على الزواج منها ... وعندما واجهته بأن أمر الزواج لابد منه عند تخرجهما .. أتى جوابه كالصاعقة ... "لن أتزوج بعاهرة رخيصة".
كيف ..ولماذا.. وماذا تقول؟ .. ولما وصفي بالعاهرة وأنا لم أخنك ووهبت لك كل حياتي...
"يكفي انك قبلت بكونك جارية لي دون حسبان لكرامتك" ... جواب أخر مزقها ... دمر كرامتها التي طالما ادعت وجودها بقربه ... وقرب حبه ولطفه.
واجهته بزواج تجربة مشابهة لتجربتهم... فاتهمه وهو زميله ورفيق طفولته بأنه أختار" العيش مع فاجرة طوال حياته" ....
ارتفع صراخهما ... ليتطور لعراك كانت نتيجته التعرض لضرب مبرح مع طرد خارج المنزل وتهديد بفضح الأمر وتحطيم مستقبلها ... أكثر ما تحطم...
عادت للسكن الجامعي حيث "علب السردين" التي طالما هربت منها، والآن باتت ملجئها الوحيد ...
"ديما" لم تستطع أن ترى صديقتها وهي على هذه الحال، انقطاع دائم عن الجامعة، الطعام لا تتناوله إلا بعد رجاء مستميت من قبلها... فقررت التدخل لحل الوضع... ذهبت إليه وطلبت منه حل المشكلة التي كان شريكاً في حدوثها فصديقتها باتت على حافة انتحار أو موت محتم.
"فلتجهض نفسها" كان حله الوحيد ... مع تحمله للتكاليف المادية، ودون أن يذكر اسمه ... لأنه في هذه الحالة سيدمر ما تبقى من حياتها التي احتلها الهشيم...
وعند سؤالها عن كيفية الزواج بعد أن خسرت على يده كل شيء ... عملية صغيرة "تعيد بكارتها كما كانت" مختصراً أجوبته .. والتي كانت تدل على شخص لايعرف من الرحمة سوى اسمها ومن الكرامة سوى كلمة أطلقت على إحدى الفرق الرياضية.
في البداية عارضت الحلول المطروحة... لكن بعد إصرار صديقتها بأنها الحل الوحيد للخروج مما هي عليه لم تجد سبيلا سوى الرضوخ للظرف الراهن...وبالفعل توجهت للطبيب التي عثر عليه عشيقها ... والذي تكفل بأجراء عملية الإجهاض ورتق البكارة...
نظرات الطبيب لها لم تكن ذا حسن نية ... كانت تشعر بأن ثمة كلمات بداخله لابد من بوحها لها... لكنها كانت مؤجلة ...ولمساته لها لم تكن بلمسات طبيب ... بل كلمسات شخص يضاجعها... لكن لم تجد بديلا عن الصمت لكل ما يحدث .. فهذا نتيجة اختيار لم يجبرها أحد عليه...
وبعد انتهاء عملية الإجهاض ... وفترة النقاهة ... عادت إليه لتكمل ما تبقى، ودونما أي اتصال مع عشيقها الذي رفض حتى فتح الباب لها والحصول على أغراضها من المنزل.. رامياً بهم أمام وحدتها السكنية...
الطبيب عند رؤيتها ... أكد أن العملية لن تطول وستعود كما كانت وستكمل حياتها بشكل طبيعي... لكن ثمة أمر بسيط عليها تنفيذه ... وتحديداً بعد حديثه الدائم عن جمالها وفتنتها الواضحتين...
أدركت تماماً انه يراودها على نفسها، لم تستطع سوى ضربه بما مسكته يداها والخروج من عيادته مسرعة في حالة كانت أقرب للانهيار العصبي.
وبعد محاولات متواصلة للاتصال بعشيقها للإيجاد طبيب آخر يكمل الأمر كان جوابه بأن الطبيب الوحيد يعرفه لكونه لم ينخفض مستواه كثيراً في البحث عن مثل هكذا أطباء ... ولتحمد الله أنه قبل وتنازل ووجد لها مثل هذا الطبيب ...فهو غير مضطر للبحث ثانية في مثل هكذا أمور قذرة مرة أخرى.
في النهاية لم تجد سوى الانصياع لرغبة الطبيب ... وإجراء رتق البكارة والعودة كما كانت ... لكن بعد أن تحطمت بالكامل ... ململةً أغراضها متوجهة في أول رحلة نحو قريتها متظاهرةً بأنها بأفضل حال والسعادة تملأ قلبها الميت نفسياً.
قرارها "بعدم أكمال دراستها الجامعية" كان صاعقة لكل من حولها في البداية رغم أنها باتت على أبواب التخرج ... لكن سرعان ما قبل الجميع بالأمر لكون الزواج المرحلة الطبيعية ...والتي لاتحتاج له لشهادة جامعية ... بل قدرة على إتقان لفنون الطبخ وتدبير المنزل ...
فأهلها من الناس البسطاء والسطحيين جداً ولا يعرفون من مبادئ الحياة إلا ما تربوا عليه من إبائهم وأجدادهم.
ولم تتأخر إقامتها لديهم أكثر من خمسة أشهر لتنتقل لبيت زوجها الموظف في إحدى الدوائر الحكومية ... وذو عقلية متحجرة كانت طالما ترفض الاقتران به ... ولتتابعها كما غيرها من فتيات جيلها.
هذه ليست برواية ... وليست بقصة من نسج خيال يلتف السواد به... وإنما نتيجة لإفرازات مجتمع يدعي الشرقية ... وجيل شباب يمارس الحياة الغربية التي تشبع بها عبر شاشات تلفازه ... ليعود إلى شرقيته عند وصوله للحظة الزواج ...
لو سألنا أنفسنا سؤال؟ من هو المظلوم في هذه القصة الفتاة التي سارت وراء حبها ومشاعرها دون تردد... أم عريسها الذي تزوجها معتقداً بأنها بدأت حياتها الزوجية من خلاله ... أم ذلك الفتى الذي تشبع بحياة الغرب ليمارسها عبر تلك الفتاة وليعود ليرفضها بأبشع الطرق لكونه لا يستطيع الخروج عن تربية مجتمع لايرحم...الجواب يبقى مفتوحاً لكل قارئ ... ولكل مختص في علاج مثل هكذا قضية.
هذه القضية ...والتي باتت منتشرة بين جيل شبابنا .. بكثرة وبصمت بالغ، ولدت كنتيجة عن تمرد ضد واقع اجتماعي ورغبة في التقدم نحو الأفضل ,,, هذا الأفضل الذي عرف من خلال شاشات التلفزة وثقافة لا نعرف منها سوا هوامشها.. فيما تفاصيلها الحقيقية نكاد نجلها أو بالأحرى غير قادرين على تطبيقها لكوننا مازلنا نعتقد أن الجنس مازال من الأمور الأولوية في حياتنا ... وثقافتنا الفكرية.


نشرت في مجلى الثرى



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق