16 يناير، 2012

تجّار الذّهب المدفون... والتماثيل الأثرية نشاط مرتفع... وصفقات تعقد في وضح النهار

مالك ابو خير - مجلة الازمنة
حيث تتواجد القبور القديمة والآثار الدفينة يتواجدون بقوة ويحفرون الأرض بكل ما يملكون من أدوات، طريقهم يرشدهم إليه خبراء في علم الحفر ونبش الآثار وأحياناً يكون السحرة دليلهم الأهمّ والفعال، في السويداء ودرعا وجنوبي دمشق ينشطون بحثاً عن صليب يعود لقرون مضت أو لصناديق ذهب خبأها العثمانيون ورحال الطرق، قد يُقتل البعض منهم أثناء الحفر نتيجة لخطورة العمل وأحياناً هم من يغتالون بعضهم بعضاً عندما يجدون الكنز الدفين.
تجار الآثار والذهب الثمين.. مهنة تعود إلى عشرات السنين حيث تتركز في المناطق التي كانت مهد الحضارات القديمة والتي تعتبر بيئة خصبة للحفر والتنقيب بها، وكما تكثر في مناطق خطوط التنقل أيام الاحتلال العثماني وما قبلهم حيث كان التجار الذين يخافون التعرّض للسلب أو السرقة من قبل قطاع الطرق أثناء سفرهم يدفنون ثرواتهم في مناطق معينة ويضعون عليها إشارات للعودة إليها فيما بعد وأحياناً كانوا يقومون برصدها وفق أسلوب الشعوذة والسحر بحيث يصعب على من يقوم بالحفر والتنقيب الوصول إليها وقد يصيبه ضرر في حال محاولته الاقتراب منها، فمن عاد إليها أخذها ومن قُتل أو لم تسمح له ظروفه بالعودة تبقى هذه الثروات مدفونة ويأتي من يبحث عنها لاحقاً.
مهنة منتشرة بقوة ومحاربة من قبل السلطات السورية بقوة أيضاً؛ لكون الثروات وفق القانون السوري من حقِّ الدولة السورية، وقد حاربت الدولة السورية الكثير من هؤلاء الحفارين ولاحقتهم واستخدمت كل الأساليب الممكنة لذلك، لكنهم كانوا دوماً يبتكرون الجديد وأحياناً يتقاسمون الغنائم مع أصحاب قرار يؤمّنون الحماية الكاملة لهم ولتجارتهم.

من الخفاء... إلى العلن:
في الآونة الأخيرة ونتيجة للظروف التي يمرّ بها الداخل السوري وانشغال الأجهزة الأمنية بالوضع الداخلي، نشط عمل رجال هذه المهنة بشكل واسع وبات الحفر ضمن المناطق الخصبة لديهم على قدم وساق، بدءاً من مدينة السويداء جنوباً وحتى إدلب وحلب شمالاً، فكثيرون من تجار هذه المهنة من استغلوا غضّ الطرف الحاصل عنهم من قبل الأجهزة الأمنية، ووسّعوا عمليات الحفر بشكل واسع وبدرجة انتقلت من الحفر الليلي الصامت إلى حفر على مدار الساعة وبشكل علني في كل المناطق التي يُعتقد بوجود كنوز فيها.
"ي. م" طلب عدم ذكر اسمه؛ يعمل في هذه المهنة منذ عشر سنين وقد حققت له ربحاً كبيراً حيث يقول:" لقد حققت لي ربحاً كبيراً وحولتني من عامل عادي إلى صاحب عقارات في إحدى مدن ريف دمشق، وهذا الأمر ليس بالمخفي على أحد فكل من حولي يعلم أن ثروتي من خلال علبة ذهب كبيرة وجدتها بعد حفر دام أكثر من شهرين متواصلَين ومنها كانت انطلاقتي في حياة التجارة ورغم نجاحي في العمل التجاري مازلت حتى هذه اللحظة أعمل في الحفر والتنقيب وفي أي مكان في سورية يعتقد بوجود بقايا آثار مدفونة فيه، ومما لاشك به أن الظروف الحالية ساعدتنا في تطوير نشاطنا بل ودخول أناس جُدد إلى قائمة العاملين في هذه المهنة".
كما نشط السحرة والمشعوذون الخاصون بهذه المهنة وممن يدّعون أنهم على قدرة خفية من خلال تعاملهم مع الجان بالوصول إلى مناطق الكنز وتحديد مكانه.
"م. ن" يعمل هو الآخر بهذه المهنة لكن في مجال الشعوذة، منزله معروف ضمن إحدى مدن ريف دمشق ومتخصص في كل فنون الشعوذة والسحر ومنها كشف ما تحت الأرض "على حد قوله" حيث يقول: "الكثير من الكنوز الموجودة في سورية تمّ رصدها من قبل أصحابها وللوصول إليها لابد من (فكّ هذا الرصد) وهذه عملية كانت من اختصاص "سكان المغرب العربي" والذين نهبوا الكثير من خيرات هذا البلد لكونهم يمتلكون المفاتيح السحرية القادرة على فكِّ رموز الكنوز وبالتالي الوصول إليها، وعملي يعتمد على فك هذه الرموز كما غيرها، وأنا لست الوحيد هنا في هذه المنطقة، هنالك الكثير ممن يعملون بطريقتي لكنهم لا يتملّكون مفاتيح السحر الحقيقية".

عمليات النصب.. هي الغالبة:
كثيراً ما يتعرّض التجار الذين يُقدمون على شراء الذهب إلى عمليات للنصب وأحياناً للسطو المسلح وقد صل الأمر لحدّ القتل، قد تختلف الأساليب لكن الخسارة واحدة ألا وهي مبالغ مالية طائلة تقدر بملايين الليرات السورية.
الوسطاء في هذه المهنة لهم دور أساسي في الترويج للسعلة المراد بيعها، حيث يأتي إليهم العاملون في هذه المهنة لبيع ما استطاعوا الحصول عليه، وأغلب الوسطاء هم من المعروفين بنفوذهم القوي لدى السلطات وعلاقاتهم الواسعة مع تجار في الداخل والخارج، وأغلب عمليات النصب تحدث من قبل هؤلاء على التاجر والمنقِّب ولا يستطيع أحد من الجهتين مطالبتهم إلا إذا كان له هو الآخر علاقات تحميه.
"ح. ن" أحد المنقّبين أكد لنا تعرّضه لعملية نصب من قبل أحد الوسطاء كانت السبب بخسارته حوالي 150 مليون ليرة سورية في ساعة واحدة حيث يقول: "توجهت إلى أحد الوسطاء لبيع كمية من الذهب وعدة قطع أثرية وكان الاتفاق فيما بيننا على تسليمي مبلغ قدره 150 مليون ل.س حيث سأجتمع مع التاجر في منزل الوسيط الكائن في أحد مدن ريف دمشق، لكنني وأثناء دخولي لمدخل بناء الوسيط تمت مهاجمتي من قبل بعض الشبان وتعرضت لضرب مبرح وسرقوا كل الذهب والقطع الأثرية، وطبعاً لم أستطع الشكوى لأيِّ جهة أمنية، كما أن الوسيط نكر علاقته بالحادثة، فيما تبيّن بعد أنني لست أول ضحية تقع في شباكه ولا أعتقد أنني الأخير".
حوادث النهب لا تتوقف هنا بل تصل إلى التاجر نفسه الذي قد يتعرض للسرقة هو الآخر وأحياناً يتم استغلال قلة خبرته في مجال القطع الأثرية ويتم بيعه قطعاً مزيفة وبأسعار خيالية.

القانون... صاحب الحل الوحيد:
في ظل غياب القانون والسلطات الفعالة والقادرة على كبح جماح هذه الفئات والتي باتت ترقى إلى تسمية المافيا المنظمة في دمشق وباقي السورية أصبحت وللأسف الثروات السورية صيداً سهلاً بين أيديهم يحفرون وينقبون ولا رقيب عليهم.
أحدُ من صرّح لنا في هذه المادة همس في أذني قائلاً:" قد تكون هذه المادة سبباً في موتك فهؤلاء لا رحمة في قلوبهم والمال والملايين تجعلهم يقتلون إخوتهم في سبيل ذلك".. ومع ذلك المادة نُشرت.. والقانون لا يعلى عليه حتى لو تعرّض لكبوة فرس