18 مايو، 2009

سيارات للأجرة ... أم شبكات للدعارة

مالك أبو خير
لن نتكلم هنا عن مخالفات عدادات الأجرة في سيارات التاكسي العامة ولا عن غياب أبسط قواعد الرقابة على البطاقات أو اللباس أو الهيئات المريبة التي تظهر على سائقي هذه السيارات، فهذه المسألة أشبعت ولا جديد فيها، وإذا طبقت في عالم النهار فلعالم الليل رب آخر لا يعرفه إلا أبناء الليل. بل سنتحدث هنا عن الحال الخطير الذي باتت تجلبه علينا هذه المهنة التي تتسابق دول العالم للاهتمام بها كونها تعكس المظهر الحضاري لها ولسياحتها وتعكس التسيب واللامبالاة التي نعيشها نحن الذين نرفع شعار ترويج السياحة.

بداية، الذاكرة الاجتماعية لنا لا تحمل صورا مشرقة عن هذه المهنة ولا نعمم بالحديث عنها على اعتبار أن هناك من يمتهنها بشرف ومن أجل لقمة العيش ولكن الحال الذي آلت إليه في غياب أي رقابة جادة حولت هذه المهنة إلى قعر السلم الاجتماعي حيث الانحلال الأخلاقي والجريمة والتسيب.
مهنة ليل بامتياز

عند منتصف الليل... تجدهم ينشطون كخلايا منظمة، تتنقل بين البيوت المشبوهة والحانات الليلية... ينتظرون فرائسهم من رواد تلك الملاهي وقذارتها، يلعبون دور المرشد لبيوت وأوكار الدعارة لقاء عمولة التي تعود عليهم من جراء لعبهم لهذا الدور.
فقدان للأخلاق... وسوء تعامل وترويج للدعارة، بشكل مبطن في أماكن وعلني في أماكن أخرى، لدرجة أنهم باتوا يجاهرون في ذلك علناً ودونما خجل أو خوف من أي ملاحقة أمنية ...! وعلى معرفة تامة بكافة أماكن تواجد الراقصات وبيوت عملهن الخاصة بهم.
في الظاهر هم مجموعة من سائقي سيارات الأجرة، لكن في الباطن ليسوا سوى مجموعة من الشباب المنحرفين أو خريجي سجون بتهم مختلفة، تبدأ من جرائم المخدرات والتعاطي وصولاً إلى الاغتصاب والترويج للدعارة ... في البداية كنا نقول أن سلوكهم هذا لا يؤثر على مجتمعنا لكون المتعامل معهم هو من صنفهم ومن رواد مصلحتهم، ولكون دورهم يقتصر على التعامل مع فتيات الليل وتأمين الزبائن لهم.
لكن ما يحدث في الفترة الأخيرة، بدأ يضعنا على مفترق يطرح الكثير من الأسئلة والشكوك حول طبيعة عمل مثل هؤلاء الأشخاص، وخصوصاً بعد تحول عملهم من خدمة لأوكار الدعارة إلى تجنيد المزيد من الفتيات العاملين بها، وذلك عبر اصطياد كل من يقع تحت أيديهم من فتيات واستغلالهن وإجبارهن على العمل بهكذا طرق مشبوهة وبكافة الوسائل الممكنة لتتحول قصصهن رويداً رويداً إلى مسامع الشارع السوري.
ففي الآونة الأخيرة نشرت مجلتنا " " قصة فتاة في السادسة عشر من العمر صعدت الحافلة الخطأ لتأتي بها إلى دمشق بدلاً من مدرستها، وتقع فريسة بشباك سائق على شاكلة من تحدثت عنهم ليتكفل باغتصابها ومحاولة إجبارها على العمل في الدعارة بالتعاون مع مجموعة من أمثاله بلغ عددهم الستة أشخاص ودون خوف من أي عقاب أو أي ردة فعل من ذويها عند معرفتهم بما فعلوه، بل أنهم تابعوا ما قاموا به بدم بارد وكأن كل شيء في هذا المجتمع محلل لهم ولتجارتهم الرخيصة.

مصلحة من لا مصلحة له
"ياسر.ع" سائق لسيارة أجرة يجد في هذه الظاهرة أمراً طبيعياً بالمقارنة لما باتت تحتويه هذه المهنة من عاملين بها ومن مختلف المستويات، فالخارج من السجن لا يجد أي مكان يستقبله للعمل وتحديداً ممن تتعلق إحكامهم بما يخص "القضايا الأخلاقية" والذين يتوجهون نحو هذه المهنة لكونها لا تتطلب منهم حسن سير وسلوك، وبالتالي يعودون لممارسة نشاطاتهم السابقة لكن هذه المرة خلف مقود سياراتهم، وبطريقة بشعة يستغلون بها من يقع تحت أيديهم من فتيات وبطريقة لا أخلاقية وقذرة، وبشكل بعيد عن عين الرقيب الذي لن يقوم بملاحقتهم إلا في حال أن تقوم الضحية بتقديم شكوى ضدهم وطبعاً هذا من النادر حصوله في مجتمع تخشى المرأة الإقدام على هكذا تصرف قد يضر بسمعتها.
أما "سبع الليل" شاب في التاسعة والعشرين من العمر... سيرته الذاتية تتخلص بـ" اعتداء على فتى قاصر ومحاولة سرقة واتجار وتعاطي بالمخدرات" مواصفات جعلته خريج سجون بامتياز، اختار مهنة التاكسي لتأكد تام منه على رفض أي مجال للعمل له، متوجهاً على الفور للتعاقد مع مجموعة من فتيات الليل وعدد من الملاهي الليلة التي يؤمن لها زبائن هم بالنهاية عبارة عن عدد من الشبان اليافعين، مع إمكانية استقطاب فتيات جدد لهذه المهنة عبر لقاءاته اليومية بفتيات تائهات أو هاربات من منازلهن يلتقي بهن أثناء عمله اليومي على سيارته، بحيث يقوم بإقناعهن وإغرائهمن بالمال وجلبهن للجهات التي تخص بإكمال عمليته في التجنيد.
في حين "مهند العبد" سيارته خصصت فقط للراقصات وبنات الليل، حيث اقتصر عمله على تأمين الزبائن لها من المطاعم ومحلات السهر الليلية وجلبهم لمنزلها الكائن في إحدى ضواحي مدينة دمشق، وبعمولة تكفي سائق شريف غيره للعمل يوم كامل على التاكسي أو حتى يومين، ودونما عناء للتجادل مع رجال الشرطة والمرور أثناء النهار لكون عمله كله أثناء ساعات الليل.

نقابة .. ولا رقابة
جرت العادة أن يكون لكل نقابة قوانينها الخاصة بها، بدأ من شروط الانتساب إليها وحقوق وواجبات تعطى إلى منتسبيها وصولاً لقواعد وشروط تفرض على العاملين بها في حال خالفوا هذه القوانين ... لكن نقابة عمال النقل البري والتي تعتبر المشرف الأول على السائقين العموميين في سوريا نجدها بعيدة كل البعد عما يمكن تسميته بنقابة حقيقية لها السلطة أو الإشراف الحقيقي على سير الأمور، ولا يمكن اعتبارها سوى مجموعة من الأشخاص الذين يجلسون على مكاتب حكومية يتقاضون راتبهم الشهري في نهاية الشهر ... لا أكثر ولا أقل.
فشروط الانتساب كما صرح لنا رئيس النقابة السيد زكريا ياغي لا تتطلب سوى الحصول على "شهادة عمومي" فقط بحيث تتحول أسمائهم تلقائياً من فرع المرور إليهم وتنزل ضمن خانة المنتسبين، ودونما أي سؤال عن خلفياتهم أو إذا كان لديهم أي سوابق جرميه أو أخلاقية وما شابه ذلك... ودون أي متابعة لهم ولتصرفات أثناء أدائهم لهذه المهنة أو حتى أي ردة فعل من هذه النقابة في حال حصول أي تعد منهم على الركاب كما حدث مع هذه الفتاة.
فعند سؤالي له عن إجراءات النقابة مع هكذا سائق "الذي تحدثنا عنه" والذي قام باغتصاب قاصر ومحاولته إجبارها على العمل في الدعارة يجيب:" لا يوجد في بنود النقابة ما يمكننا من اتخاذ عقوبة بحقه أو بحق أي مرتكب لأي جرم أخلاقي في هذه المهنة، لكون هذه العملية ليست من اختصاصنا...! وإنما من اختصاص الجهات الأمنية والقضائية وفصل السائق لدينا يكون في حالة واحدة فقط ألا وهي عندما يتوقف عن دفع الرسم الشهري للنقابة (20 ل.س) والتي سيتوقف عنها بشكل طبيعي في حال دخل السجن "نتيجة لارتكابه أي جرم" وبالتالي سيفصل من قوائمها بالنتيجة.
وهنا لا بد من سؤال ... أليس من حق أي مواطن أن يعرف مع من يركب في سيارة الأجرة وهو في هذه الحالة يكون بأمانة سائق هذا التاكسي لحين وصوله إلى المكان المراد الذهاب إليه، وبالتالي فأننا أصبحنا في كل مرة نصعد بها سيارة أجرة معرضين للتعامل مع هكذا أصناف دخلت المهنة راميةً بشباكها العنكبوتية القذرة حول عنق من يقع بين أيديهم فاعلين به ما يريدون مستفيدين من غياب سلطة الرقيب الحقيقية عنهم.
نشرت على موقع الثرى