11 ديسمبر، 2008

بعد خروجه من سجون وزارة الشؤون الاجتماعية ...مشروع تنمية المرأة الريفية.. يرسم ابتسامة على شفاه النساء



مالك أبو خير
" آلة البوظة" رغم ضآلة حجمها ... كانت السبب الرئيسي لزرع الابتسامة على وجه "أسماء" التي قلما تعودت شفتاها الابتسام، وكفيلة بتغير حياتها نحو اتجاه أخر مختلف تماماً.. اتجاه اخترق حدود قريتها الريفية المختبئة خلف خطوط الفقر والصمت على كل ما حولها.
قرض صغير وفره لها "مشروع تطوير حكومي للمرأة" كان السبيل للإحساس بقدرتها على فعل شيء مختلف مؤمنة بذاتها وإصرارها ووجودها كامرأة لتحقيق هدفها ولتؤكد في نهاية تجربتها بأن التبعية للغير ليس هو السبيل الوحيد لاستمرارية الحياة.
مشروع... رغم تأخره غير حياة العديد من النساء المنسيات خلف خطوط الفقر، وكان الأمل لإخراجهن من حلقات مغلقة سكنوها لسنين عديدة.. انطلق منذ مدة طويلة ليأسر لفترة أطول ضمن إدراج مكاتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المتخصصة بتجميد كل ما يسهم بتقديم الأفضل للمواطن ضمن سياسة تتبعها وزيرته العتيدة "ديالا حاج عارف" للإثبات بأنها الأكثر بيروقراطية بين دوائرنا الحكومية، ليخرج من باب وزارتها تحت العناية المشددة وعلى شفى هاوية للفظ أنفاسه الأخيرة لولا تحويله للتنفيذ بالتعاون بين وزارة الزراعة ممثلة بمديرية التنمية الريفية ووزارة الإدارة المحلية ليثبتوا جدارة عجزت وزيرتنا العتيدة منذ تزعمها لكرسيها الفرعوني عن أثباتها.
الثرى التقت السيدة " رائدة أيوب" مديرة مركز التنمية الريفية التابع لوزارة الزراعة، والتي تعتبر من المساهمين الحقيقيين مع طاقم العمل في المديرية بتحسين الحالة الصحية لهذا المشروع عند وصوله إليهم، ضمن جهد كان السبب الأول في تأمين أكثر من ألف فرصة عمل ودخل حقيقي في مختلف القرى السورية، وكان لنا معها الحوار التالي:
في البداية .. كيف كانت انطلاقة المشروع مع لمحة عامة عنه؟
المشروع أنطلق بناء على توصية من اللجنة الاقتصادية بتخصيص مبلغ 0.25 % من موازنة الحكومة لدعم أنشطة المرأة مع الخطة الخمسية العاشرة، مما ما أدى لتخصيص مبلغ وصل لـ (500) مليون ليرة سورية تم تخصيصها لمشروع تمكين المرأة والحد من الفقر والذي نفذ بالتعاون فيما بيننا و بين وزارة الإدارة المحلية بحيث تم تخصيص المبلغ لصالح المرأة الريفية عبر تقديم القروض للنساء في القرى التي تعاني من الفقر.
القيمة الإجمالية للقرض تصل إلى 100 ألف ليرة سورية لكل مقترضة وقد تصل إلى 150 ألف في حال وجود مشاريع متميزة أو ريادية، وكحد أقصى في الفترة الحالية بالرغم من مطالبة الكثيرين لرفع السقف المخصص والذي سنسعى لرفعه في الفترة القادمة، وهنا لابد من التأكيد على أننا قمنا بإلغاء قيمة الفائدة بحيث وضعنا عمولة وقدرها 3000 ليرة سورية من قيمة القرض إجمالاً وهي بمثابة أجور معاملة المصرف ( كمصاريف إدارية) من تسير المعاملة وتحصيل لقيمة القرض، تجاوباً مع العديد من المواطنين الذين يرفضون فكرة الفائدة في التعامل المادي، وقد سهلنا موضوع الضمانات والتي كانت تعتبر من اكبر المعوقات للحصول على القرض من قبل المتقدمين بحيث اقتصرنا على كفالة تاجر ذو سجل في المصرف أو أثنين موظفين مع إمكانات تقديم الضمانات العينية وفق وتعليمات المصرف وحسب رغبة المستفيدة إن أرادت هي ذلك.
وكيف يتم تحصيل القرض؟
بالنسبة للتحصيل فقد حرصنا على تقديم الفرصة الكافية للمستفيدة من هذا القرض، من خلال ترك الوقت الكافي والمناسب ليثبت المشروع نجاحه وكفاءته، بحيث يكون قادراً على تأمين الأقساط المطلوبة دون تحميل المستفيدة منه العبء بتسديده، فبالنسبة للقرض قصير الأجل فان كامل المبلغ يستحق بعد /12/ شهر وهذا يخص قروض تسمين الحملان وتسمين العجول، وبالنسبة للقروض متوسطة الأجل فإنها تقسط على أربعة أقساط متساوية على أن يتم استحقاق القسط الأول بعد / 300/ من تاريخ الإقراض وباقي الأقساط سنوية والتي يتكفل المصرف بتحصيلها كما ذكرت.
ما هي الأهداف المراد تحقيقها من هذه المشروع؟
الهدف الأول والأساسي من هذا المشروع هو تمكين المرأة من الناحية الاجتماعية والنفسية عبر تمكينها مادياً بحيث تكون صاحبة دخل مستقل وبالتالي صاحبة قرار ولها قدرة مواجهة صعوبات الحياة المختلفة والحاجة للغير وخصوصاً إذا كانت معيلة للأسرة كما في العديد من الحالات التي واجهتنا، بحيث تم تمويل المشاريع الخدمية في مجال الإنتاج الحيواني ( تربية أبقار – أغنام تسمين خراف ... الخ) أو مشاريع الخدمية بكافة أنواعها ( بقالية – حلاقة وتجميل – مطعم صغير) أو مشاريع الحرف اليدوية ( خياطة – تريكو – شك النول) والتي حققت بأغلبها الدخل ليس بالممتاز ولكنه كان كافياً لتأمين احتياجات الأسرة ومطالبها وتخفيف من الم الفقر على العائلة.
وكيف يتم انتقاء المستفيدات من القروض؟ وهل هناك خطة متبعة لهم؟
في البداية تم تعيين القرى التي تعاني من الفقر في كل محافظات القطر، ثم تم انتخاب لجان محلية مكونة من 5 إلى 7 في كل قرية، ثم قمنا بإجراء دورات تدريبية لهم لتعريفهم بدورهم في تنمية المجتمع المحلي والمهام الموكلة لهم في القرية، بإشراف مشرفين و مهندسين تم إيفادهم من الوزارة إلى تلك القرى، ليتم بعدها اختيار النساء الراغبات في الحصول على القروض من كل قرية وإخضاعهم لدورة تدريبية مدتها عشرة أيام تتركز على توعية قدراتها الذاتية والإبداعية والعمل على تمكينها نفسياً واجتماعياً ومن ثم تدريبها على كيفية ادراة المشروع المراد العمل به بعد استلامها القرض، وبعد انتهاء الدورة واستلام القروض من النساء المتدربات، ننتقل إلى المرحلة التالية ألا وهي المتابعة بدءاً من التأكد من صرف المبلغ الذي تم استلامه في المشروع المخطط له عبر لجنة متابعة في كل محافظة ومهندسة من الوزارة تشرف أيضاً على سير المشاريع المنفذة والتأكد من نجاحها من خلال زيارات منتظمة إلى النساء في أماكن عملهن، مع تقديم النصح والإرشاد لهن.
ما عدد القرى التي شملها المشروع وعدد المستفيدات منه؟
تم اختيار القرى الأشد فقراً في سورية، وبناء على إحصائية أجرتها هيئة التخطيط حددت من خلالها بوجود / 105/ قرية تحت خط الفقر في مختلف المحافظات كان أغلبها في مدينة حلب ومنطقة الجزيرة وريف دمشق، والتي قمنا بالتوجه إليها لتقديم القروض للنساء القاطنين بها ليصل في عام 2007 – 2008 إلى 1563 قرض توزع 1322 في مجال الإنتاج الحيواني 187 في مجال الخدمي 40 قرض في مجال الأعمال اليدوية وغيره من القطاعات الأخرى وبمبلغ مالي وصل 147 مليون ليرة سورية وزع على هذه القروض، ونعمل على رفع مستوى هذه القروض في عام 2008 – 2009 ليشمل عدد أكبر من المستفيدين.
ما الأثر الذي تركته هذه القروض على النساء المستفيدات منه؟
برأي هذه القروض غيرت حياة العديد من المستفيدات منها وخلصتهن من التبعية للأخر أو للمجتمع وللزوج أحياناً لكون المرأة في اغلب القرى تعيش ضمن نطاق اجتماعي ومادي محدود.
فسأذكر مثالاً عن أحدى النساء التي كانت تعمل في تنظيف المنازل وغيرها من المهن المتفرقة لتأمين الدخل لأسرتها كونها المعيل الوحيد بعد وفاة الزوج، والتي اشتركت معنا في الدورات التدريبية واستلمت القرض واستغلته في إنشاء (بقالية) ضمن قريتها كانت كافية لتأمين مستلزماتها الحياتية دون الحاجة للغير، فضلاً إلى ارتفاع نسبة الوعي النفسي لديها وفهمها للكثير من مفاهيم الحياة وحقوقها كمرأة كانت مغيبة عنها نظراً للمحدودية الفكرية والاجتماعية التي نشأة بها.
كما أن الاستقلالية المادية التي نشأت للنساء من خلال هذه القروض والتوعية التي حصلوا عليها عبر دورات التوعية التي خضعوا لها، خففت من حجم التبعية للزوج وسلطته القاسية في الكثير من الأحيان لكونه مصدر الدخل الوحيد، وبالتالي المتحكم الأول والأخير بحياة الأسرة ومصيرها مما دفع الكثير من النساء للصمت عن العديد من التجاوزات بحقهن.
المشروع ... بعد أن استعاد عافيته، أثبت جدراته على أرض الواقع وتحديداً في القرى المنسية، واستطاع أن يحل أزمات مالية سكنت منازل تلك القرى لفترة طويلة، جاعلاً من " آلة البوظة وماكينة الخياطة " مصدر ابتسامة على شفاه العديد من النساء الطامحات لإثبات ذواتهن ..
هذه الابتسامة وللأسف .. قد تنزع عما قريب، وخصوصاً بعد تلميحات من وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل العتيدة برغبتها باسترداده لوزارتها لكونها صاحبة الأحقية بتنفيذه ! ..
تلميحات أطلقتها ومن دون سبب مقنع ...و ربما أن ابتسامة " أسماء" لم تكن ناصعة بما يكفي بإقناعها بنجاح هذا المشروع بعيداً عن أيديها.

07 ديسمبر، 2008

البلوتوث..فضائح علنية دون رقيب



مالك أبو خير



منال الاسم الذي بات عنواناً لفيلم خلاعي تتناقله أجهزة الهاتف لينقل عبر إحدى تقنياته تفاصيل جسدها بعد علاقة لها مع شاب منطقتها جمعها الحب معه كما تقول لينتهي بها المطاف على لسان جميع أهل قريتها ومحافظتها وليكون الهروب من عيوب مشاهديها الخاتمة له.

تقنية تستخدم ضمن جوالتنا النقالة هدفها السرعة في نقل المعلومات المرئية والمسموعة كانت المناسبة لحبيبها لتصوير اغلب أحداث علاقتهما لينقل تفاصيلها إلى أصدقائه متفاخراً بقدرته على اصطياد الفتيات .‏

البلوتوث معيار تم تطويره من قبل العديد من الشركات الأجنبية الكبرى لتحقيق الاتصال بين أي جهازين الكترونيين حاسوب - هاتف نقال ....دون الحاجة لاستخدام الأسلاك والكابلات أو أي تدخل من قبل المستخدم ما يساعد على إرسال البيانات والمعلومات بدرجة عالية من السرعة مع البعد عن الخطأ ضمن خطة للتخلص من المشكلات والأَضرار التي كانت تحدثها الأشعة الحمراء .‏

وعند وصول هذه التقنية إلى مجتمعنا العربي باتت بحد ذاتها مشكلة ومأساة حقيقية بحق ضحاياه من كلا الجنسين ومختلف الأعمار والسبب الرئيسي لكثير من الأحداث المؤلمة التي تقع في أماكن تجمعات الشباب كالجامعة ومقاصفها والمقاهي العامة والوسيلة الأفضل لفضح أسرار أشخاص تحولوا إلى ضحايا تصرفات مستهترة.‏

نُهى إحدى العاملات في المقصف الجامعي تصف البلوتوث بالزبون الدائم على طاولة المقصف عبرأجهزة الهاتف النقال بين أيدي شباب فقد أغلبهم الذوق في التعامل مع الآخرين الرسائل الجنسية مضمون اغلبها صور وأفلام خلاعية يسعى الكثير منهم إيصالها للفتيات أملاً في إحراجهم أو لمعرفة مدى تقبلهم لهكذا موضوع.‏

فيما تقول سها أن البلوتوث كان سبباً في تركها للسكن الجامعي واعتمادها التخفي في الدخول والخروج من جامعتها بعد حفلة جمعتها بصديقاتها ضمن غرفتها الجامعية لأن عدسة التسجيل عبر كاميرا الهاتف المحمول صورتها بماترتديه داخل غرفتها ليتم توزيع مقطع الفيديو المصور عن طريق الخطأ ليصل ليد المختصين في نشره.‏

في حين باتت هذه الميزة دائمة الإغلاق لدى دارين وتحديداً عند وجودها في أماكن عامة ولا تفتح إلا عند اخذ ماتريد من رسائل تراها مناسبة للحفظ علي جهازها الخليوي فالاستخدام السيىء لهذه الميزة بين شبابنا من وجهة نظرها بات منتشراً في كل مكان وتحديداً في الدول العربية التي تخطئ دوماً في استغلال التقنيات الحديثة وحصراً استخدامها للتسلية فقط دون النظر في نتائجها.‏

لكن هذه الميزة كانت لحسان بمثابة سبيل للنصر كمايقول عندما استطاع تصوير زميليه في العمل خلسة وهما يتحدثان, بكلام قاس عن المدير العام لينقل ماسجل عن طريقها لكل العاملين ومن ثم متسبباً في فصلهما وقطع رزقهما والجميل في الموضوع هوتفاخره بمافعل (الحمد للّه) لوجود هذه الميزة التي أوصلته للنصر ....!‏

الضمير الغائب‏

لكن ناريمان وهي مدرسة لأحد الصفوف الابتدائية ترى أنها لاتتعامل مع طلاب مازالوا دون سن المراهقة نظراً لالمامهم التام باستخدام الهاتف النقال وأجهزة الحاسوب وطبعاً هذا الإلمام ينحصر في أمور.‏

أكبر بكثير من أعمارهم نظراً لتوفر الهاتف المحمول بين أيدهم وبالتالي المجال مفتوح أمامهم لرؤية كل مامنعوا عن رؤيته ضمن منازلهم من مقاطع للأفلام جنسية ومقززة للرؤية فيما أدمغتهم الطرية تسجل ماتراه أعينهم لتدخل بشكل أو بآخر ضمن تركيب شخصيتهم.‏

لكن الغريب بالأمر تقول ناريمان هو دور الأهل والذي تعتبره الضمير الغائب في هذه المشكلة والتي تكمن في السماح لأطفالهم في اقتناء مثل هذه الأجهزة التي تعتبر سبباً أساسياً في انحراف أغلبهم وخصوصاً أنهم مازالوا في عمر بعيدين فيه عن التمييز بين الخطأ والصواب .‏

مرض الكتروني‏

عبير خريجة علم الاجتماع ترى أن قلة الوعي المنتشرة عند أغلبية شبابنا ومن كلا الجنسين هو السبب في انتشار هكذا أمراض الكترونية فضلاً أننا نتلقى التقنيات الحديثة ولسنا من نصنعها وهنا الفرق كبير مابين صنع تقنية لتطوير ماقدم بصنعه سابقاً وبين من يتلقى هذه التقنيات لمجرد تلقيها دون النظر إلى الأماكن الحقيقية التي يجب أن تستخدم بها.‏

الصدى هو الجواب‏

لعل النقاش في مثل هكذا مواضيع بات شائعاً لدى الكثير من الكتاب والصحفيين لكن الغريب بالأمر هو الصمت الكبير من قبل القارئ والمجتمع وتحديداً هنا جيل الشباب الذين بات معظمهم بعيداً تمام البعد عن تقييم أنفسهم أو توجيه اللوم عن تصرفات كانت السبب في القضاء على مستقبل وحياة الكثير من الأشخاص تحت بند التسلية فالصمت هنا مع الاستمرار في التمادي بالتصرفات اللاخلاقية واللاواعية للتقنيات الجديدة هو الجواب الذي نلقاه من كل ماكتب مع تأكيد الكثيرين ممن التقيناهم ان هذه التقنية بالنهاية تقع ضمن نطاق هاتفه الخليوي بالتالي له كامل الحرية في استقبال وإرسال مايحلو له من أفلام وصور بغض النظر عن محتواها وماقد تسببه من ضرر بحق أصحابها.‏

لكن وجود مثل هذه التقنية في الأجهزة الخليوية كان لتحقيق فوائد بعيدة تمام البعد عما يقوم شبابنا باستخدامه التي انحصر اغلبها في نقل أمور خبيثة وفضح أسرار أشخاص كان من الأفضل احترام خصوصيتهم وعدم العبث بها والبعد عن نقل مايضر بهم فما أبطالها وبغض النظر عن تصرفاتهم ليسوا سوى ضحايا حقيقيين للاستخدام الخاطئ لهذه التقنية التي لم تقتصر ضحاياها عليهم بل امتدت لتشمل قائمتها العديد من الأشخاص الذين تذوقوا مرارة ضعف ضمير مستخدميها الحقيقيين .‏
نشرت في جريدة الثورة السورية

نظرة ... مختلفة للواقع

مالك أبو خير



عندما تنظر للواقع المؤسف المنتشر حولك، وتتمعن في كل تفاصيله المزعجة، حيث الفروق بات شاسعة بين مطالب الجسد ... وواجبات الروح، تعلم أننا بتنا في زمن قل به الأيمان بالذات الشخصية وذات الله على الأرض. واقع مؤلم في جميع فصوله ... بدأً من الجري لاهثين خلف رغيف الخبز ولقمة العيش، وانقياد أعمى خلف شهوات الذات دون النظر لما نسببه من ألم لأنفسنا قبل الغير، مغلقين أعيننا عن كل الرسائل اليومية التي تأتي عقولنا وأرواحنا لتجنب ما نقوم به، مقنعين أنفسنا أننا على صواب بعبارات وجمل كثر استخدامها كـ "الوجود للأقوى" و " الضعيف لا وجود له " و " ويحب أن افعل هذا لاستمر" ... وغيرها من التعابير الجسدية التي ترحل مع رحيله. فخلال عملي كصحفي، ابحث يومياً عن الخبر، وادقق بتفصيلاته وأسباب وجوده، وأحلل توابعه ونتائجه، وصلت لنتيجة مفادها ... ألا وهي أن أغلب الناس الذين يسيرون في الطرقات باتوا فاقدين لمعنى وجودهم، فاقدين لأرواحهم التي تسكنهم، متحولين لمجرد كتل لحمية بشرية تسير خلف تقاليد وتعليمات، يصدرها من هو بالأصل فاقد لجوهر التوحيد الحق و مبدأ التحرر من مطالب الجسد وأطماع الأنا القاتلة. واقع بكل أسف و " أقولها مجدداً" مؤلم، غيبت عنه الكثير من المفاهيم التي كانت السبيل لخلاصه مما هو فيه وكأن هناك أيد تعي قوة هذه المفاهيم وعظمتها الحقيقية في تقديم الخلاص للروح والنفس من أطماع الجسد، فسعوا جاهدين إلى طمسها وتحريف معانيها تحت أطر وقوانين مختلفة ( دينية – اجتماعية – سياسية – فكرية) ليشكلوا منها حلقة مانعين الجميع من الخروج عن حدودها، وقاتلين كل من يتخطاها تحت مسميات عديدة ( كالفكر و الإلحاد و الخروج عن سياسة وخط ومعايير الجماعة والعمالة للغير) فارضين داخلها قوانينهم وبقسوة ودونما رحمة لكل من يخالفها. ليظلموا عبر هذه القوانين جميع ساكنين هذه الحلقة القاتلة، فمثلاً ... إذا أمعنا النظر لحاضر جيل الشباب اليوم، وبعد إجراء دراسة فعلية لواقعهم الفكري والروحي .. وحتى النفسي، نجد أنهم باتوا في أزمة حقيقية ومؤلمة ... دوامة من الضياع بين الماضي والحاضر وجهل بالمستقبل، دوامة بين القيم والمفاهيم التقليدية ( من احترام للأخر وتطبيق للقيم الدينية والاجتماعية لتي ورثوها خلف مقاعد دراستهم ونصائح الأهل والمجتمع) وبين واقع مادي بحت لا يرحم مطلقاً ومتطلبات جسدية وتصاعد للأنا فوق متطلبات أنا الجميع ... فيما روح الجماعة تحولت إلى أنا الجماعة أو طاعة الجماعة إلى (أنا) واحدة تفرض ما ترغبه عليهم و تسيرهم خلف قوانينها المستمدة من قانون الغاب الاجتماعي أو لهدف تره في نظرها من أسباب وجودها. ففي الماضي كان الأفراد يعانون مما يسمونه اليوم الجهل العلمي أو عدم التقدم بشكل ملاصق لتطور الحضارة والمجتمع الآخر، لكنهم في نفس الوقت كان يمتلكون الكثير من المعايير والمعتقدات الفكرية والروحية التي كانت بمثابة الخلاص مما هم فيه، أما اليوم فهذا التطور أو لنقل ادعائهم بتحقيق التلاصق بتطور الفكر الآخر رافق خسرانهم للكثير من المعايير التي تطهر الروح من تبعيتها للجسد مقابل التفاعل والتجانس بهذا التطور ... هذا التطور المصنوع أساساً بأسلوب معزول تماماً عن أي قيم روحية طاهرة، وإنما مصنوع من قيم مادية بحته ... الاستمرارية فيه لمن جعل المادة بكافة أنواعها هدفه الأساسي. تطور جلب لنا الويلات ... ودمر النفس وتفاصيل وأسباب وجود الروح، تطور جعل أبناء الوطن يهربون من صواريخ مازالت تتطور في قدرتها على إصابتهم ضمن جحورهم، دون يطورا صانعوها الوسائل لعلاج ما فعلوه بهم، وباتوا مشردين في كل المناطق ... ممتهنين بيع الجسد لتأمين الخبز، وتعطف الآخر عليهم للبقاء، والهروب نحو المجهول، فيما الآخرون يرمون بنظرياتهم فوق اكتاف شعوبهم، مؤكدين أنها التطور والخلاص مما يجري، ليسحبوا بشعوبهم نحو هاوية أخرى، أشد انزلاق وأشد تخلف وانزلاقية، ليحصروا عقولهم ضمن حفر حفروها خصيصاً لهم، ليغمسوا رؤوسهم بها وللأبد طالبين منهم عدم التفكير بأي شيء غير سماع ما يقولونه ... لأنهم تكفلوا بالتفكير عنهم وتسيرهم نحو الطريق الأنسب.... نحو طريق الله الموعود " بنظرهم". نظرة أعلم عندما "تقرأ كلماتي" ستجد أنها تحمل من التشاؤمية والقسوة ما يكفي، لكنني و"بحق" لم أتكلم سوى القليل وما كتبته ليس سوى سطور قليلة ... بالمقارنة مع آلاف الصفحات من التراجع والتكلس لأفكارنا ولقيمنا وروحنا .... وخلاصنا. كلمات لم أكتبها لكوني شيخ أو عالم بدين التوحيد أو . . . وإنما كلمات خرجت من قلم صحفي ... وروح موحدةٍ ...تحبوا في كون التوحيد للخالق "عز وجل".




اللاجئون العراقيون .. رحيل من نار الأخ والمحتل

مالك أبو خير

رصاص وقذائف .. قنابل وسيارات مفخخة ... جثث مرمية على الطرقات، فيما حافظات المستشفيات فاضت بقتلاها..
نزوح من أرض كانت يوماً ملجأً لكل هارب من ظلم وطغيان... أهلها باتوا يعيشون غربة ضمن وطنهم، وغربة أقسى وأشد إلى من لجؤوا إليهم.
السلاح احتل منصة القانون، وبات الحاكم الأول والأخير في شؤون البلاد، والمحكوم دوماً هو من لا يمتلكه أو اعتاد المنطق ولغة العقل في تسيير أموره، والعقاب دوماً (الموت بالرصاص أو بالحرق مع الرمي في إحدى طرقات مدينته) بعد تسميته " بالجثة مجهولة الهوية".
السيدة "عايدة الموسوي" من مدينة النجف كانت رئيسة لمؤسسة خيرية ترعى شؤون النسوة العراقيات وعائلاتهن، جل أهدافها يتلخص في توعية النساء وإخراجهن من سراديب الجهل التي سكنتهن، وعدم القبول بالبقاء على هامش المجتمع، مع تأمين المساعدات المعنوية و المادية للعائلات المنكوبة رغم عائداتها المالية المتواضعة التي اقتصرت على تبرعات أهل الخير وما تنتجه الجمعية.
"هذه السياسية الخيرية لم تحصل على رضا قادة الميليشيات الطائفية في المنطقة، كونها تعتمد على توعية المرأة وتقدمها، فطلبوا مني إيقاف نشاطاتي، مع العمل على إرسال كوادري من النساء للخدمة في بيوتهم أو للقتال حتى ضمن عناصرهم التخريبية.
وعندما كان الرفض جوابي، مارسوا عليّ سياسة ترهيبية، تطورت مع الإصرار على رفضي إلى محاولة اغتيال نجوت منها بأعجوبة أدت إلى إصابتي بثلاث طلقات استقرت إحداها في العامود الفقري ... ولولا لطف الله علي، لكان أصابني الشلل.
اضطررت بعد ذلك للرحيل إلى سورية تاركة كل شيء مقابل الحفاظ على حياتي وحياة أولادي، ضمن ظروف نفسية ومادية قاهرة لم تتوقف لولا لطف الله بنا، ووقوف أهل الخير إلى جانبي، ومفوضية اللاجئين التي قامت بتأمين أغلب احتياجاتنا، من رواتب شهرية، ومعونات غذائية وطبية.
فالوضع لعراق بات لا يطاق قوات الاحتلال تقف جانباً، فيما المليشيات تتحكم بكل تفاصيل الحياة في البلاد، تهجر عائلات بأكملها وتقتل من تريد تحت اسم الدين والمقاومة في بعض الأحيان".
"أم ياسر" من الجنوب أيضاً، اعتقلت قوات الاحتلال ولديها لانتمائهم إلى المقاومة، ثم قامت بإعدام أحدهم، والثاني لا يزال مجهول المصير. منزلها تعرض للنهب على أيدي إحدى الميلشيات الطائفية، لتهرب منه تحت وابل من الرصاص والقنابل التي انهالت عليها لمجرد كونها حاولت الوقوف في وجههم.
في الجنوب تقول "أم ياسر": "باتت الميلشيات المسلحة والتابعة لجهات خارجية تتحكم بمصائرنا وبلقمة عيشنا وبكل شيء، فلم يكفنا ظلم الاحتلال وما جلبه لنا من ويلات حتى تأتينا الميلشيات الطائفية لتكمل علينا.
لم يبق لي سوى الرحيل مع ولدي وبناتي الاثنتين، تاركة مصير ولدي الأسير لله سبحانه وتعالى، بعدما تاه في سراديب سجون الظلم الأمريكي".

حالات الاغتصاب .. بالجملة:

"أم توفيق" فاجعتها "فاقت كل التصورات": مسلحون اقتحموا منزلها... قيدوا زوجها وولديها، ثم تناوبوا على اغتصاب ابنتيها أمام أعينهم، وأخيراً حرقوا زوجها وولديها وهم أحياء ضمن سياسة ترهيبٍ لجميع السكان التابعين لسيطرتهم، وتحديداً لمن ينتمون إلى غير مذهبهم أو دينهم.
"دفنت رفات زوجي وأولادي" تقول "أم توفيق": "وتوجهت إلى الحدود السورية، بعد أن ساعدني شيخ الجامع في منطقتنا وأمدني ببعض النقود التي أوصلتني إلى دمشق، لتبدأ رحلة أخرى من المعاناة المادية القاهرة، استمرت لأكثر من ستة أشهر، إلى تكفلت برعايتنا إحدى الدور الخيرية وبمساعدة من منظمة اللاجئين".
السيدة "عايدة الموسوي" أكدت لنا رؤيتها لمقبرة جماعية لعدد كبير من الفتيات في مدينة النجف، تم اغتصابهن ثم قتلهن رمياً بالرصاص، ودفنهن دون أي رحمة على أيدي الميلشيات المسلحة في المنطقة، فضلاً عن أن هنالك العديد من العائلات ترفض استلام بناتها في حال تعرضن للاغتصاب، لكونهن قد جلبن العار لهم "بنظرهم" فيكون مصيرهن القتل على أيدي أقاربهن أو من قام باغتصابهن.
"الاغتصاب" ظاهرة باتت من أكثر الظواهر انتشار داخل البلاد، نتيجة الفلتان الأمني وحكم الميلشيات، ففي بغداد وحدها يحدث يومياً ما لا يقل عن عشرين حالة اغتصاب لفتيات عراقيات من مختلف الأعمار وحتى قد تصل أعمارهن إلى عمر التسع سنوات، فقد بين تقرير صادر عن منظمة (هيومن رايتش) العالمية المختصة بحقوق الإنسان أن عدد حالات الاغتصاب في العراق قد ارتفع إلى أعلى درجاته، كما أنه من الصعب تقديم إحصائية دقيقة لعدد ضحايا العنف الجنسي، نظراً لكون الكثيرات منهن لا يقمن بإبلاغ السلطات، أو حتى المنظمات الحقوقية والإنسانية عن مثل هكذا حالات.
وتروي المنظمة قصة الطفلة سابا . أ البالغة من العمر تسع سنوات والتي تم اختطافها من أمام منزلها من قبل عدد من الأشخاص المسلحين "التابعين لميلشيا مسيطرة على منطقتها"، قاموا باغتصابها وفض بكارتها بعد ضربها بمسدس على مؤخرة رأسها، ثم رميها في إحدى المناطق المجاورة ليتم إسعافها إلى المستشفى في حالة خطرة.
وما هذه القصة أو غيرها سوى عينة من عينات التحرير التي وعدت بها الولايات المتحدة الأمريكية شعب العراق ... وما ضحاياها سوى ثمرات هذه الديمقراطية المصنوعة تحت جنازير دباباتهم.

ضياع ... وسط الغربة:

"الملاهي الليلية باتت مصدر رزقنا، فموارد الرزق معدومة ضمن مناطق تعاني من البطالة المرتفعة أساساً، وليس لدينا ما يعيلنا من داخل العراق، فاضطررت إلى العمل في إحدى تلك الملاهي، التي كثرت وزادت بعد وصولنا، وبأجور لا تكاد تكفينا رمق العيش"
عبارات كانت مقدمة لحديث "جانا " وهو الاسم الحركي لـ "سعاد" من بغداد: "فبعد مقتل شقيقي على أيدي إحدى الميلشيات الطائفية، توجهنا إلى سورية حيث بقينا أكثر من ستة أشهر نعيش على مدخراتنا وبيع ما نملك من ذهب، إلى أن نفذ كل ما نملك، كنت خلال هذه الفترة أبحث عن عمل لكن دون جدوى، ففرص العمل قليلة هنا بالأصل، إلى أن التقيت بمتعهد حفلات عراقي، وطلب مني العمل في إحدى النوادي الليلة، لقاء أجر مادي مغر يغطي جميع نفقات الإقامة الغالية... في البداية رفضت، ثم اشترطت العمل معه كعارضة على "البيست" فقط، وبالفعل حتى الآن أصعد على "البيست" وأرقص أمام الزبائن حتى ساعات الصباح دون أن أتعاطى مع أي واحد من الموجودين، لأعود بعدها إلى المنزل ومعي ما يكفيني ويكفي عائلتي قوت يومهم".
"رنيم" وهو أيضاً الاسم الحركي لـ "فاطمة" التي أكدت أنها عندما تبيع جسدها في الملاهي الليلة ليس بالأمر أو الخطأ الكبير، مقابل وطن بيع بأكمله واستبيحت أعراضه وممتلكاته من قبل ميليشيات طائفية وقوات احتلال لا تعرف الرحمة...
فعدد الفتيات العراقيات اللواتي يعملن في الدعارة كبير، ولا توجد إحصائية دقيقة لهن، نظراً لتوزعهن في عدد من الدول العربية كلبنان وسورية والأردن ومصر وغيرها... فضلاً عن وجود شبكات منظمة وجدت فيهن الصيد المناسب لتوسيع تجارة الدعارة في المنطقة مستغلين عوزهن المادي.
ضواحي بيروت كانت ضيقة جداً على "أبو سليم" وعائلته، فالغلاء الفاحش أكبر من أن يوصف بنظره، فتشرد على الطرقات، ونام في الحدائق العامة مع زوجته وطفليه ...
"باتت الطرقات مأواي ومأوى عائلتي ... بعد هروبي من طلقات الرصاص والمدافع الموجهة نحونا ونحو كل أعزل وضعيف في البلاد. أصبحت جثثنا ترمى على الطرقات، نُقتل بسبب ودون سبب. لم نجد سوى الرحيل حلاً ... لم نجد سوى التشرد بين ساحات الغربة بديلاً لما نحن فيه".

بين الإقامة.... والتجديد:

موضوع الإقامة أو بما يسمى تصريح البقاء في الدول التي لجؤوا إليها، كان من أكثر المواضيع عناء ومشقة من قبلهم، فأغلب الدول التي لجؤوا إليها كانت تضع شروطاً وتعقيدات للحصول على تأشيرة البقاء تلك، فضلاً عن انتشار البيروقراطية وعدم التنظيم والفوضى في الدوائر المختصة بإصدار تلك التأشيرات.
فمع بداية نزوح العراقيين إلى سورية و لبنان والأردن، وضعت تلك الدول معايير وقوانين صارمة تجاه هجرة هؤلاء القادمين، ومع ازدياد أعداهم إلى درجة أنهم فاقوا المليونين في سورية والأردن، وقعت هذه الدول في أزمة اقتصادية وخدمية كبيرة، فضلاً عن ارتفاع عالٍ في الأسعار لجميع المواد الضرورية من غذاء وأدوية واحتياجات أخرى ... كل هذه الأمور انعكست على وجودهم وعلى طريقة التعاطي معهم في المجتمعات التي لجؤوا إليها.
موضوع الإقامة كان من إحدى تلك الأمور التي تأثرت بهذه المتغيرات، فلفترة كانت الإقامة تتجدد كل ستة أشهر ثم خفضت إلى ثلاثة أشهر ومنها لشهر واحد، ثم أعيدت إلى ستة أشهر... مما رتب على اللاجئين تعقيدات إدارية كانت تواجههم عند كل تجديد للإقامة.

الهروب نحو ...المجهول:

عندما تتوجه إلى مفوضية اللاجئين، أو إلى إحدى السفارات الأوروبية أو الأمريكية ... تجد أن العراقيين هم أكثر من يقفون صفوفاً على أبوابها، وبأيديهم أوراق ومستندات وشهادات طبية تؤكد سوء حالتهم الصحية، وتعرضهم لتهديد أمني أو تصفية جسدية في حال عودتهم إلى العراق ... طلباتهم فاقت المليون ونصف المليون بعد إحصائية قام بها عدد من الجمعيات ومركز للدراسات في بيروت، وبالمقابل كان عدد من قبلت طلباتهم لا يتجاوز بضعة آلاف، فضلاً عن تعقيدات وضغوط نفسية تمت ممارستها معهم أثناء استجوابهم في كل سفارة وبطريقة "تختلف عن الفروع الأمنية" ضمن سياسة متبعة من قبل السفارات الأجنبية للتأكد من خلوهم من نوايا إرهابية تجاه أوطانهم.

الرحيل من نار الأخ وقسوته من جهة وظلم المحتل واغتصابه لأرضهم من جهة أخرى عنوان هو الأنسب برأي للآلاف القصص، والجثث المجهولة الهوية، والمصابين بعاهات جسدية، والهاربين من جحيم الموت، عنوان لمسلسل نشاهد حلقاته كل يوم على شاشاتنا، كتبه يد الصهيونية بعناية، وأبدع الأمريكيون في إخراجه، فيما البطولة أسندت لمن نسي أن الجسد يرحل والأرض هي التي تبقى.

الزواج المبكر ... وزاوية النسيان



مالك أبو خير

لملمت ألعابها... حملتها، لتضعهم في زاوية خصصت للنسيان، سرحت جدائلها ... لتجهض من حياتها مرحلة خلقها الله لمن في عمرها... فهذا قرار ليس من صنعها، وإنما طريق مشى الكثيرون من قبلها عليه ... والفاعل الأساسي إرادة القدر.
هذا القدر الذي يرمى على مشارفه ... أخطاء عقولنا وسوء قرارتنا، ليكون الصمت والصبر الحل الوحيد لمن تحملوا نتائج هذه الأخطاء وتوابعها.
"فاطمة" لم تعرف من هذه الحياة بعد ... سوى ألعابها، وترتيب جدائلها، والجري خلف كل طفل أو طفلة يمازحها في حيها الشعبي، فمعنى الحياة الزوجية ... وما تترتب عليها من أمور لم تعرفها إلا من حدود جدران منزلها... وحتى فراش الزوجية الذاهبة إليه، لا تعرفه سوى ذلك السرير الذي تغفى به على يد والديها لا أكثر...
فموعد زواجها قد اقترب ... والعريس من أبناء منطقتها، ذوي القناعة المطلقة بأنه لن يتزوج إلا فتاة "يربيها على يديه"، ليصنع منها زوجة المستقبل كما تشاء عقليته، وعقلية من حوله....
"حفل الزفاف" كانت فاطمة خلاله تحاول الهرب من زغاريد النساء وصراخهم، للعب مع الأطفال خلف سياج المنزل، وقد كانت لتستطيع ذلك لولا محاولات أمها الجاهدة إبقائها في مكانها، وعدم تخريب ما وضع باكراً على وجهها الطفولي، لتبقى جالسة في كرسي صنع لمن يكبرها سناً وتفكيراً.
كانت تسمع همساً أمها ما تقوله لهذا الفتى الجالس بقربها... وترجيها له بعدم القسيان عليها، في هذه الليلة بالذات، فهي مازالت صغيرة، مع رجاء لام العروس بإبقاء معها خوفاً من أن يحدث مكروه لها قد لا يحمد عقباه.
ورغم ذلك كان الألم النفسي قبل الجسدي الذي زرع في علقها في تلك الليلة كافياً لتحطيم أي إحساس بأنها بشر يسير على هذا الكون... شعور يكفي بكونها حمل سيق لمذبحته في يوم عيد حلل فيه قتل الحملان وذبحها... كما حلل زواجها في تلك الليلة ...
اليوم وبعد مرور سنين ليست بالكثيرة، وعندما تسأل فاطمة عن شعورها الآن، تقول بأن ذلك الشيء "والذي يسمى شعوراً" وضعته مع ألعابي في الزاوية المخصصة للنسيان، وخاصة بعد أن توجهت للعمل في أحدى الشركات الخاصة كعاملة نظافة فيما ولدي أضعه في أي زاوية أمنة من الشركة لحين إنهاء عملي.
"أتى نصيبها" جواب موحد لكل من تسألهم ... لماذا زوجتموها ... فما زالت طفلة، الخوف من العنوسة والبقاء في المنزل دون زواج، أسباب تكفي بالقبول بأول راغب لها دونما التفكير بمستقبلها الذي وضعوه بقرارهم هذا في زاوية النسيان كما ألعابها.

كماشة الدين ... والفتاوى:

نظرة الدين إلى الموضوع كانت بين وجهتين الأولى مشجعة للموضوع ومباركة له، والأخرى كانت له في المرصاد، ففي إحدى التصريحات لأحد شيوخ الدين والذين يتمتعون بشعبية وآذان صاغية من قبل مستمعيهن نجده يشجع على فكرة الزواج المبكر وحتى ولو كان دون سن الثامنة عشر حيث يقول (للزواج فائدة كبيرة أولها تكثير الأمة الإسلامية وتكثير المجتمع الإسلامي وحتى الفتاة التي تتزوج دون السادسة عشر من عمرها فهو ليس بالأمر السيئ وإنما تحصين "لفرجها " ولسلوكها ومانعاً لها من الانحراف والسير خلف طرقات الرذيلة) حيث نجد هنا نسف كامل لمنطق العقل والتربية السليمة مع التأكيد من قبله بأن عفة الفتاة تستمر عبر زجها بزواج دون حسبان مبدأ التكافئ النفسي والعقلي بين الطرفين، وعند سؤاله عن تسبب هكذا نوع من الزواج من عدم إكمال للفتيات وحتى للشباب أيضا من إكمال تحصيلهم العلمي فيرد على ذلك بتأكيد علني وصريح بأن الفتاة يكفيها علوم الدين ولشريعة فقط لكونها عند دخولها بيت الزوجية قد رهنت نفسها له ولزوجها وأولادها مستقبلاً وهذه مهنتها التي أوكلها الله لها) فإذا ما دققنا بهكذا جواب نجده قد نسف أن لهذه المرأة وهنا نقول الطفلة كيانها وتفكيرها وأحقيتها في اختيار طريقها العملي ومستقبلها المهني، معتمداً على دعائم دينية وجدها من وجهة نظره كافية لإثبات أقواله متناسياً أن الدين الإسلامي كان من المشجعين على تعليم المرأة ومؤكدا على أهميته في تقدم المجتمع وتقدمه.
في حين نجد وفي الفترة الأخيرة، أصواتاً من رجال الدين وذوا شأن في ساحة الإفتاء الديني وتحديدا في الأزهر الشريف والمملكة العربية السعودية تدعو وبشكل علني على إيقاف هذه الظاهرة لما تحمل من ظلم كبير للمرأة ومسبباً كبيرا في تدمير مستقبلها، وقد ترجمت هذه الدعوات إلى تدخل لقوات الأمن لإيقاف العديد الزيجات لفتيات مازالوا دون الثامنة عشر، مع توجيه العقاب الشديد للأهل ضمن تأكيد على العمل من منع حدوثها مستقبلاً.

العادات والتقاليد .. وعودة للخلف:

العادات والتقاليد .. باتت حائطاً إن لم نقل سداً يرمى على عتباته كل تفكير سيء أو منطق رجعي وغير منطقي يقوم الفرد بالإقدام عليه، وحجة يلجأ إليها الفرد لتغطية تصرفات الغير المقبولة مع تطور الزمن، ولنكن صريحين أكثر، ولتكن بنا الجرأة للقول بأن الكثير من العادات والتقاليد باتت المخبأ الجيد لكل فرد يريد ما عجز عن حمله نظرا للظروف الراهنة، فإذا أمعنا النظر في قضية الزواج المبكر وسألنا عن السبب عن قيام اسر بتزويج فتيات ما زالوا دون الثامنة عشر من عمرهن لوجدنا أن العنصر الاقتصادي للعائلة هو السبب الرئيسي، فعدم قدرتهم في اغلب الحالات على تقديم الحاجيات المادية التي تحتاجها الأسرة هو ما دفع اغلب الأسر أن لم نقل جميعها إلى رمي فتياتهن وهم في هذا السن الخطر في أحضان أزواجهن دون التفكير في عواقب ذلك زواج مؤلم.
وهنا نكون قد وضعنا العديد من الفتيات على طريق الانحراف الحقيق بدلا من إبعادها عنه،



"فاطمة" ليست وحدها في ذلك الحي ... من وضعت ألعابها بزاوية النسيان، هنالك الكثيرون ممن شاركوها وضع ألعابهم فيها... لتقفل قصصهم بمفتاح حديدي صنع من الصمت وغطاء من الدين والمجتمع، وبحفنة من المال يدفع شرعاً وقانوناً لأهل العروس.

لعبة الموت



مالك أبو خير

قتل منظم، استخدام متقن لكافة أنواع الأسلحة المتوفرة، مع خبرة نظرية بتفاصيلها وتواريخ صنعها، وكيفية استخدامها على أفضل شكل، ففي بداية اللعبة يبدأ الشخص بأسلحة خفيفةن تتطور مع تقدم اللاعب، وتتحسن عند قتله العدد الأكبر من الأشخاص الذين يعترضون طريقه، أو يعرقلون وصوله للنهاية والفوز.

لعبةالقتل والدماء والعنف النفسي هو أهم الصفات الواجب توفرها للفوز بها وللوصل لنقطة النهاية، لتظهر عبارة تختم بها "أنت القاتل الأفضل"

المثير في الموضوع هو اللاعب الذي يخترق كل هذه الصعاب ويقتل من يقتل وبطرق تحمل البشاعة في أسلوبها ومضمونها كأسلوب أفلام الرعب والإجرام الغربي والتي يجب أن تتوفر به مهارات من العنف النفسي والعقلي ليستطيع تحمل مناظر القتل أو الضغط على الزناد لقتل الطرف الآخر.

"أنهم أطفالنا" نعم وتحديداً من هم في سن المراهقة أو دونها تحديداً والذين باتوا متمرسين على استخدام هكذا العاب عنف تحمل في طياتها عمقاً يفوق عمرهم وقدراتهم الجسدية والنفسية ... لكن الغريب بالأمر أنهم باتوا من المتقنين لها ولقواعدها ولأساليب القتل وطرق الوصل إلى خط النهاية.

حيث تراهم وبأعصاب مشدودة جالسين خلف أجهزة الحاسوب ضمن محلات انتشرت في مدينة دمشق وضواحيها .. بل في كافة محافظات القطر ... موفرة على سطح الشاشة لديها كل أنواع الألعاب التي يمكن من خلالها اللاعب أن يستخدم كل ماتراه عينه من أنواع أسلحة ضمن أفلام القتال والإجرام الأمريكي والغربي والتي تخصصت العديد من المحطات "العربية للأسف" في نقلها وترجمتها بعناية لنقلها للمشاهد العربي والذي تعتقد ربما أن بلاده ونشرات أخبارها خالية تماماً من مناظر لقتل حقيقي تحدث كل يوم في ساحاته وطرقاته...

"سومر" لم يتجاوز من العمر الثلاثة عشرة سنة. جلست بجانبه متسائلاً عن اللعبة التي يقوم بتنفيذ مخططها الإجرامي للوصول إلى نقطة الفوز... فشرح لي تفاصليها حيث يبدأ بسلاح ابيض يقتل به كل من يراه في الشارع الذي يسير به من مواطنين وأصحاب المحلات ليكسب العديد من النقاط تساعده على كسب سلاح أفضل، فضلاً عن قتل سائقي السيارات وخطف سياراتهم ليتوجه من خلالها إلى مركز تواجد العصابة حيث يبادلهم المخدرات مقابل المال وبالتالي الانتقال إلى المرحلة التالية ... وطبعاً الخسارة في كل مرحلة تكمن في حال وقوعه في أيدي الشرطة الشبيهة بالشرطة الأمريكية...

وعند سؤالي له عن كيفية وسبب قتل المواطنين في الطريق وخطف سيارات الأجرة وقتل سائقيها، وهم أناس أبرياء عزل لا حول لهم ولا قوة يسيرون بأمان في الطرقات، وقد يكون بينهم من هو ذاهب لعمله وكسب رزقه وإطعام أولاده وأمهم في المنزل، ضمن طريقة لاستجرار عطفه وإيقاظ طفولته الغائبة هنا أمام هكذا نوع من الألعاب...

"أتى جوابه كالصاعقة" في البداية كنت أتحيد قتل المواطنين "يقول سومر": لكنني اكتشفت أن قتلهم هو من قوانين اللعبة وأهدافها، فمن دون قتلهم لا أستطيع الحصول على العديد من النقاط وتطوير السلاح المتوفر بين يدي، حتى الأطفال السائرين مع أمهاتهم وآبائهم لابد من قتلهم أيضاً للحصول على المزيد من النقاط...

قتل لمواطنين عزل ... نقل ومتاجرة بالمخدرات، تعامل مع عصابات دولية، خطف لسيارات وقتل لسائقيهان عنوانين تصرفات يمارسها طفل في سن المراهقة تحت بند الترفيه والتسلية دون أدنى رقابة تذكر على مدى تأثيرها النفسي والعقلي وعلى سلوكه في المستقبل ...

"جون وأيمن ومنير وعصام" أربعة أطفال كانوا جالسين في الجهة المقابلة، جميعهم لا يتجاوزون الخامسة عشر من العمر، صراخهم كان مدوياً ، وكافياً ليطرب الحي بأكلمه... وهم يلاحقون بعضهم البعض، مطلقين النار أملاً بقتل بعضهم والفوز في اللعبة الشهيرة التي كانوا يمارسونها والتي تدعى "الكونتر" ...

تلك اللعبة التي لقت شهرة لدى جميع صالات اللعب وضمن جميع محلات الألعاب ودون استثناء، بحيث يعتبر المحل الذي لا تتوفر به هذه اللعبة غير كاملاً ولا يصلح للعب به.

اللعبة مبدئها بسيط، مجموعتين من اللاعبين يتواجهون ضمن قطعة معينة للقتال بطريقة اقرب مشابه للقتال على الطريقة الأمريكية يستخدم بها كافة أنواع الأسلحة من البيضاء إلى السلاح الفردي العادي والثقيل ضمن أسلوب يحمل البشاعة في أسلوبه نظرياً وعملياً، والفريق الفائز هو من قضي تماماً على الفريق الآخر قاتلاً آخر فرد لاعب به...

الجميل في الموضوع أيضاً، شيئاً رأيته بأم عيني عند جلوسي في صالة اللعب، "أم" تدخل للمحل ممسكة بيد طفل في الصف الرابع الابتدائي، تجلسه أمام أحد الأجهزة طالبة من صاحب المحل أن يدخله إلى اللعبة التي كان يلعب بها "سومر" والتي يبدو على دراية بكل تفاصيلها ...طالبةً من ولدها اللعب بها "وموصيةً له " بقتل كل ما تراه عينه للفوز ... فهي تريده بطلاً لايخاف أحد ... شجاعاً ... مقداماً ... أو بالأحرى تريد أن تصنع منه "مشروع مجرم مستقبلي" لا يهاب الموت والقتل للأخر...

وعند سؤالي عنها عرفت أنها اعتادت زيارة صديقاتها في هذه الفترة المحددة من كل يوم فتبقيه في هذا المحل لحين عودتها وإنهاء زيارتها الجليلة مما يكسبها الراحة التامة والترفيه لولدها لحين عودتها...

لعل الدهشة كانت ردت الفعل لي ومن يقرأ هذه المادة ... فلو أنها لم تكن على علم بتفاصيل هذه اللعبة القذرة لقلنا أنها بحاجة لأحد يضعها بصورتها الحقيقة ... وأخطارها على صحة ولدها النفسية والعقلية ... لكنها كانت على دراية بأبسط تفاصيلها ... وأساليب القتل والإجرام المنتشر بين خطوات تنفيذها...

هذه الأم ... هي من تتحمل العقبات المستقبلية لتصرفات ولدها عند بلوغه سناً اكبر عندما يقوى ساعده، وتكون خلايا دماغه قد تشبعت بشتى أنواع العنف والقسوة ... فلن يكون اللوم عليه إذا قام بتوجه ضربات لها في المستقبل في حال وقفت في وجهه لمنعه بالقيام بتصرف طائش يؤذيه ... فهي من تركته يتشبع من هكذا أفكار والعاب وأساليب قتل منظم...

اختراق واضح .. ورقابة غائبة:

عندما نتحدث عن الاختراقات الأمنية والتي تسعى أجهزة الأمن في اغلب البلدان لمنعها وحماية البلاد من نتائجها فأننا نتحدث عن مخططات لتفجيرات ونسف لمواقع مدنية وعسكرية وعند الحديث عن الاختراقات في الدول العربية، نجد أهنا أكثر الدول في العالم عرضة لهكذا أنواع من الاختراقات، وهي من استطاعت وبجدارة التصدي لها وإيقاف أغلبها...

وهذا ما دفع بالآخرين ليتوجهوا إلى أنواع أخرى من الاختراقات،. كمثل هذه الاختراقاتن ومن النوع الثقافي والتي من خلالها ليسوا بحاجة إلى تهيب المتفجرات إلى الداخل، فهم يصنعون مع الزمان "قنابل إجرامية موقوتة" وهذا التعبير ليس نوعاً من المبالغة قولهن عندما نتحدث عن تشبع للأساليب الإجرام المنظم لعقول أطفال مازالوا في طور التشكل الذهني، ليتحول عبر الزمن إلى سلوك فعلي يمارس على أرض الواقع في معالجة المشاكل، ولتكون حلاً من ضمن الحلول المتوفرة لديهم في مواجهة أي مشكلة تعترضهم، فضلاً عن أنهم قد يصبحون عرضةً للانضمام إلى أي مجموعة إجرامية مستقبلاً لكونهم قد تقبلوا تصرفاتها ونتائج أفعالها عبر ممارستهم لمثل هكذا العاب.

ففي اليابان ومنذ فترة ليست بالبعيدة أصدرت السلطات لديها قراراً بمنع العديد من ألعاب العنف بعد قيام أحد الأطفال البالغ من العمر 15 عاما بقتل أحد سائقي سيارات الأجرة بمسدس قام بأخذه على حين غفلة من احد رجال الشرطة بطريقة أشبه للعبة كان يمارسها في احد محلات الألعاب ليسارع لتنفيذها مباشرة بعد خروج من المحل مباشرة "كما أوردت وكالة الأنباء اليابانية".

فالسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هنا؟ هل نحن بحاجة لحدوث مثل الجريمة والتي كان بها الطفل ضحية قبل السائق ورجل الشرطة، لنقوم بإصدار قرار عام وصارم بمنع مثل هذه الألعاب وشطبها ومسحها من على شاشات حواسبنا ...

نداء يوجه إلى كل الجهات المختصة بدأً من وزارة الثقافة ... والتعليم ... وقوى الأمن .. والى رئيس مجلس الوزراء شخصياً ....


"أولادنا في خطر " وإنقاذهم بقرار منكم

التحرش الجنسي بالمرأة العاملة.. مآساة تتكرر فصولها كل يوم



مالك أبو خير




تخرج من منزلها، تعد خطواتها بصعوبة، وكأنها في طريقها إلى معركة، مأساة يومية لكل امرأة عاملة كتب عليها التعايش مع عمل تتعرض فيه للتحرش الجنسي.
التحرش الجنسي ظاهرة كانت طي الكتمان، الخوف من الفضيحة كان الصندوق الحديدي الذي أسرت بداخله لسنين عديدة، حتى بدأت تدريجياً بالخروج لساحات النقاش على يد جمعيات وأصوات حقوقية نسائية كانت أم ذكورية على أمل وضع حل لما تلاقيه تلك" الأم أو الفتاة"من ألم وعذاب بين جدران عملها اليومي.
"التحرش الجنسي" ضمن جدران عملها، ظاهرة كان لابد من خروجها من قمقمها العقيم والعمل الجاد للحديث عنها، كانت تقال همساً والآن باتت جهراً وعلانية، ولا يمكن وضعها تحت بند من بنود تحرير المرأة وإنما ظاهرة مرضية خبيثة لابد من استئصالها من مجتمعنا وبشتى الإشكال.
تراها منتشرة في كل مكان في العالم وليست مقصورة على مجتمعنا العربي فقط، لكننا نجد التفاقم لحالتها في الدول التي لم تسعى وبجدية لوضع حل حقيقي ومنطقي لها وخاصة في مجتمعاتنا العربية التي مازالت توجه أصبع الاتهام فيها للمرأة في كل كبيرة وصغيرة.
وكان من الضروري التجرؤ على طرحها في وسائل إعلامنا وصحفنا ومجلاتنا وعدم السكوت عنها ووضع حل لها ضمن قطاعات العمل المختلفة الخاصة أو التابعة لدوائر الدولة حيث تنتشر في صفوف مكاتبها العريضة والمليئة بقصص نقشت بأذهان الكثيرين من النساء اللواتي ذاقوا مرارتها.
ففي الوقت الذي بدأت فيه دول كثيرة تعتبر" التحرش" ظاهرة يدان بها الرجل أمام القانون والمجتمع، تبقى المرأة في مجتمعاتنا المدان الأول والأخير، وقد ارتبط نشوؤها و بلوغها ذروتها بانتشار الفساد المالي والأخلاقي من جهة، وحاجة المرأة إلى مردود مالي لسد احتياجات عائلاتها أو أسرتها من جهة أخرى واختيار الصمت هو الجواب الأوحد لما تعانيه.
- الصمت أو الموت نفسياً:
"الموت أجمل شيء أتمناه هنا". أمنية تطلبها داليا كل صباح وتحديداً عندما تجلس على كرسيها الدوار لتلملم أوراقها المبعثرة على طاولة عملها، نظرات تملق وإعجاب يومية تصل في بعض الأحيان إلى لمسات غير مقصودة -كما يدعي صاحب العمل- وصولا إلى طلبات بتحسين صورة وجهها الأنثوي أمام المراجعين وتحديداً أمام أصدقاءه.
هبة زميلة داليا في مكتب آخر مجاور لها، لم تستطع أن توقف دموعها الغزيرة عندما تذكر ما تتعرض له من مضايقات يومية من رب العمل وولده في محاولة لتملك جسدها المكتمل، نظام عبودية ولدته الظروف المادية والاجتماعية القاهرة التي حولت المرأة إلى سلعة في سوق رخص به كل شــي، سوق تاه به من قل المال بيده وذهب بين طرقاته للبحث عنه ليدفع ثمن الحصول عليه أشياء يتمنى الموت قبل خسرانها بدلا من تقديم ما تتمتع به من كفاءات وتحصيل علمي أو خبرات عملية.
لكن ما السبيل للحل تقول رنا" خريجة اقتصاد" فليس أمامنا سوى البحث الدائم، فما تعرضت له في أماكن عملي السابقة قد جعلني اكره أنني أنثى..!
ففي اغلب الوظائف التي عملت بها يبدأ دوري بمحاسبة لأتحول بعدها إلى سكرتيرة ( إضافة إلى عملي كمحاسبة ) ومن ثم إلى خادمة إلى صاحب العمل وضيوفه الكرام، ورغم ذلك كان الصمت هو جوابي الوحيد لكون الخيارات أمامي مغلقة وليست محدودة.
وعندما يرى صاحب العمل صمتي وتحملي لكل ما ذكرته من مسؤوليات على عاتقي تراه يتوجه بشكل تدريجي وفي بعض الأحيان بشكل مفاجئ إلى استغلالي جسدياً، مما جعل الرحيل من كل عمل الخيار الوحيد للحفاظ على كرامتي.
غباء وسذاجة:
في حين اختارت "رشا" الغباء والسذاجة عنواناً لقصتها في إحدى الشركات الخاصة التي تعمل بها وكانت خاتمتها التعرض لصدمة نفسية قد تدوم لأعوام كثيرة ..
كانت المتميزة في مجال عملها في قسم المبيعات، وهذا التميز قد نال إعجاب مدير الشركة وصاحبها، ونقلُها لتكون معاونته، كان المكافأة لعملها، ونظراً لمجاورته في مكان العمل كان اللقاء بينهم دائم نتج عنه إعجاب متبادل من الطرفين تطور فيما بعد إلى حب ملك كيانها، لكن حبه كان مركز على جسدها الممشوق وجمالها المميز كعملها..
استغل في احد اللقاءات وجودهما منفردين في مكتبه الخاص، فحاول النيل من شرفها ماسكا بشراسة بكلتا يديها اللتان استطاعتا التماسك والتهرب منه دون إحداث ضجة تذكر خوفاً لتحولها لعاهرة على ألسنتهم التي لا ترحم.
ريم "21 " سنة قصتها أخذت منحى أكثر ألماً لنفسيتها ولكرامتها ضمن تجربة عاطفية "من وجهة نظرها" كادت تفقدها وجودها للأبد، فصاحب العمل هنا استطاع تملك قلبها مستغلاً بقائهما وحيدين في المكتب في اغلب أوقات العمل لممارسة علاقة جسدية كان الطرد نهايتها وتحديداً عندما رفضت ريم خسران عذريتها متهماً إياها بالعهر.!
مصير أحمق وضعت نفسي به، تقول ريم" فلو أنني سلمت نفسي له بسبب المال فانا أستحق ما قاله عني من كلمات نابية دمرتني.. لكنني بالفعل أحببته فهو شاب مؤدب وطموح وحنون، صفات جعلتني انجذب خلفه دون تفكير، وتطورت علاقتنا لدرجة كبيرة، وللأسف كانت نهايتها أنني أصبحت عاهرة تسعى وراء المال.
في حين هدى لم تكن اقل حظاً من زميلاتها العاملات في إحدى ورشات الخياطة من تحرش لفظي علني كان السكوت عنه لمرارة الحياة، وصعوبة تأمين لقمة العيش وتأمين رغيف خبز بسعر قدره كرامتها وصمتها الدائم عن كل ما تسمع.
- غياب القانون المساعد الأول:
" السيدة كنده الشماط" دكتورة في كلية الحقوق بدمشق وناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل ترى أن هناك عوامل عديدة جعلت المرأة أسيرة في عملها وفريسة سهلة لأصحاب هذا العمل، الحاجة المادية والخوف من فقدان مصدر الرزق الوحيد لعائلتها و أسرتها كانوا بمثابة الكاتم الأول والأخير لصوتها من الصراخ تعبيراً لما تلاقيه من مضايقات وتحرش جنسي في كثير من الأحيان، وهذه الأخير اعتبره من أبشع صور الاعتداء على كرامتها وقدسيتها، ولا سيما وأن هذه المسائل مرفوضة من الناحية الأخلاقية والاجتماعية والقانونية في مجتمعنا. بالإضافة إلى أنها تقوم على الاستغلال والابتزاز في سبيل تلبية الانحرافات الموجودة عند البعض مقابل الحصول على العمل.
ولكون المرأة على عدم دراية كاملة بحقوقها، وماهية القوانين ( مع التأكيد على عدم فعالية تطبيقها) جعلها تقع في شباك هذا المرض الخبيث أكثر وأكثر، فالثقافة القانونية توضح الحقوق التي تتمتع بها المرأة في أماكن العمل، وكذلك توضح الشروط الصحية والسليمة الواجب توافرها في أماكن العمل، بالإضافة إلى الحقوق المادية التي تترتب عليها في حالة الطرد من العمل إذا كان السبب في هذا الطرد هو عدم الاستجابة لرغبات رب العمل.
وكان غياب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية و مؤسسة التأمينات الاجتماعية في الإشراف الكامل على كافة أماكن العمل، ولاسيما أماكن العمل الخاصة، الدور المساهم الأول يداً بيد مع هذا المرض القاتل، فلو طبق الإشراف بشكل حقيقي كان من شأنه المساهمة في فرض رقابة حقيقية وبالتالي من معاناتها مع تأمين ظروف عمل مناسبة لها.
وقد زاد تردي من الوضع سوءاً غياب الهيئات والمراكز الخاصة التي تستطيع اللجوء إليها في حال تعرضها للتحرش الجنسي ( كمراكز فحص ضحايا العنف من النساء، لجان عمل للتحقيق في قضايا التحرش الجنسي، خط هاتف إرشادي يمكن من خلاله الإبلاغ عن حالات تحرش جنسي في أماكن العمل أو لطلب المشورة القانونية)، كل هذه المعطيات كانت كافية لتحويل المرأة لدور الصامت من كل هذه القضية وهو الحل الوحيد باعتقادي، فبعد ذكر ما سبق كان سببا مقنعاُ لابتعاد المرأة عن طريق توجيه الشكوى لما تتعرض له من حالات التحرش الجنسي، بالإضافة إلى التعقيدات القانونية وصعوبة إثبات حالة التحرش أمام القانون المختص في حال تجرأت على الشكوى لما تعرضت له، من دون نسيان الفضيحة التي تلاحقها عند طرحها لما تتعرض له أمام القانون أو المجتمع، كلها في النهاية أراها مجموعة عوامل لعبت بشكل أو بأخر الدور الأكبر في تشجيع أصحاب النفوس الضعيفة في فعل ما يريدون.
في نهاية ما ذكر، ورغم قلة التوسع في معطيات الموضوع وجوانبه نظراً لكونه مشكلة حساسة وخطيرة في زرعت في مجتمعنا، مع قلة البحث عن حالات وقعت في شباك هذا " الغول الخبيث" التي لو توسعنا أكثر في جمع قصص نساء تعرضوا لتحرش جنسي ضمن جدران عملها لجمعنا قصصاً تجف الأقلام لكثرتها ضمن صفحات كتاب أو رواية اسند للقانون فيها دور النائم الذي لا يصحو إلا في ندوة أو مؤتمر تكون نهايته الشجب والاستنكار لما يحدث، مع وضع قوانين جديدة مع وقف تنفيذها لتدخل بعدها النساء العاملات في سراديب ومتاهات تنتقل بها بين المكاتب والشركات خاصة أو التابعة للدولة قُدر عليهن أن يكون الجسد هو المقابل لاستمرارية بقائهم للحصول في النهاية على حفنة مال يكفي في كثير من الأحيان لمصروف أيام معدودة من الشهر.

قصة ... وسؤال



مالك أبو خير




" طلب مجامعتي قبل العملية"... ظروف كفيلة بدفعها للانتحار، حيرة بين الموت على يد عائلتها أو البقاء تحت رحمة ذلك الفتى الأرعن.. أو الانصياع لطلب طبيب فاقد للإنسانية ... قصة كغيرها من القصص... تجري في الخفاء وتموت حيث ولدت.. سمعتها همساً .. وكتبتها علناً.. عل الكلمات توعي من هو ذاهب إليها.. البداية كانت في مقاعد الجامعة.. حيث العشق لايعرف الحدود بنظرهم، يهدم الحواجز ... ويقطع العتبات ...ويحطم القيم والعادات والتقاليد...
أحبته "كما قالت" كعشقها لأرض والدها المزارع.. رأت فيه ما تمنت وحلمت بشريك حياتها.. رأت فيه شخصاً بعيدا عن شباب قريتها وتحجرهم .. وضيق تفكيرهم ... وتمسكهم بماضي أرهق تفكيرها المتطور...
كان يحادثها عن حرية الفكر وأهمية تطوير المجتمع .. مع تأكيده الدائم على خروج المرأة من دوامة قمقمها الشرقي ... وتعقيداته اللامتناهية...
كلمات وجمل ... كانت تطرب مسمعها .. وتجذبها إليه .. كما وسامته وحسن أخلاقه .. وصدق مشاعره... ووفائه..
صفات كانت كفيلة لنشوء قصة حب بينهما ... هي الأقوى منذ ولادة التاريخ بنظرها.. وكفيلة لان تكون طوع بنانه ورهن كلماته .. ونظرات عينيه الآسرتين والمالكتين لقلبها وتفكيرها..
في السكن الجامعي كانت الحياة لا تطاق، ضيق في المكان.. وخلاف دائم مع زملائها في السكن... سوء نظافة وعدم احترام من القاطنين لغيرهم وعراك ومشاكل حول امور تافهة ... كمن يدخل للحمام المشترك أولاً... كانت تتمنى الخروج من علب السردين "كما وصفتها" والتي أثرت بشكل واضح على تحصيلها الدراسي...
عرض عليها الانتقال للعيش معه ... نظراً لكونها الأنسب للطرفين، يعيشان مع بعضهما كزوجين ويتابعان تحصيلهما العملي ضمن نظام غربي يدعى " المساكنة" ودون ملاحظة أحد لكونه يقيم ضمن بناء لا يختلط به القاطنون ببعضهم البعض ... ودون أن تفقد سكنها الجامعي .. لتعود إليه في حال أراد الأهل زيارتها أو مفاجئتها ... وهذا نادر بالنسبة لها.
وانتقلت للعيش معه ... دون تردد، مدعية أمام زملائها في السكن أنها ستستأجر مع أحدى صديقاتها منزلاً خارج المدينة الجامعية، ودون أن تخسر مكانها في السكن لتكون به عند حصول أي طارئ مفاجئ.
الحياة بجانبه كانت أجمل ما حدث لها.. وجل ما تمنت .. دراستها تحسنت .. حياتها تغيرت .. بدأت تنظر لها من منظار آخر .. مختلف عما رأته سابقاً .. ودون أن يشعر أحد بهذه العلاقة البريئة "بنظرها" والتي قطعت السنتين وتحديداً أهلها الذين كانت نتائجهاً الجامعية كفيلةً للتأكد بأن ابنتهم بخير وأمورها بأفضل حال.
هذه كانت البداية... لكن "حبوب منع الحمل" لم تكن حاجزاً من حدوث المصيبة الكبرى... فأعراض ما حدث لها كان حملاً محتماً لم تجد منه مهرباً ...
مصيبة .. أوقعتها في حيرة كانت البداية لسلسلة مفاجأة قاسية ومؤلمة ... كان أولها بردت فعل عشيقها الغاضبة كبركان لا يخمد عند سمعه للنبأ ... بدأت بكلمات نابية أظهرت ما خبئه الأيام .. أو أدت لظهور شخصيته الشرقية التي طالما ما هاجمها ... واحتقر أصحابها...
اتهمها بفعل ذلك عمداً ... لإجباره على الزواج منها ... وعندما واجهته بأن أمر الزواج لابد منه عند تخرجهما .. أتى جوابه كالصاعقة ... "لن أتزوج بعاهرة رخيصة".
كيف ..ولماذا.. وماذا تقول؟ .. ولما وصفي بالعاهرة وأنا لم أخنك ووهبت لك كل حياتي...
"يكفي انك قبلت بكونك جارية لي دون حسبان لكرامتك" ... جواب أخر مزقها ... دمر كرامتها التي طالما ادعت وجودها بقربه ... وقرب حبه ولطفه.
واجهته بزواج تجربة مشابهة لتجربتهم... فاتهمه وهو زميله ورفيق طفولته بأنه أختار" العيش مع فاجرة طوال حياته" ....
ارتفع صراخهما ... ليتطور لعراك كانت نتيجته التعرض لضرب مبرح مع طرد خارج المنزل وتهديد بفضح الأمر وتحطيم مستقبلها ... أكثر ما تحطم...
عادت للسكن الجامعي حيث "علب السردين" التي طالما هربت منها، والآن باتت ملجئها الوحيد ...
"ديما" لم تستطع أن ترى صديقتها وهي على هذه الحال، انقطاع دائم عن الجامعة، الطعام لا تتناوله إلا بعد رجاء مستميت من قبلها... فقررت التدخل لحل الوضع... ذهبت إليه وطلبت منه حل المشكلة التي كان شريكاً في حدوثها فصديقتها باتت على حافة انتحار أو موت محتم.
"فلتجهض نفسها" كان حله الوحيد ... مع تحمله للتكاليف المادية، ودون أن يذكر اسمه ... لأنه في هذه الحالة سيدمر ما تبقى من حياتها التي احتلها الهشيم...
وعند سؤالها عن كيفية الزواج بعد أن خسرت على يده كل شيء ... عملية صغيرة "تعيد بكارتها كما كانت" مختصراً أجوبته .. والتي كانت تدل على شخص لايعرف من الرحمة سوى اسمها ومن الكرامة سوى كلمة أطلقت على إحدى الفرق الرياضية.
في البداية عارضت الحلول المطروحة... لكن بعد إصرار صديقتها بأنها الحل الوحيد للخروج مما هي عليه لم تجد سبيلا سوى الرضوخ للظرف الراهن...وبالفعل توجهت للطبيب التي عثر عليه عشيقها ... والذي تكفل بأجراء عملية الإجهاض ورتق البكارة...
نظرات الطبيب لها لم تكن ذا حسن نية ... كانت تشعر بأن ثمة كلمات بداخله لابد من بوحها لها... لكنها كانت مؤجلة ...ولمساته لها لم تكن بلمسات طبيب ... بل كلمسات شخص يضاجعها... لكن لم تجد بديلا عن الصمت لكل ما يحدث .. فهذا نتيجة اختيار لم يجبرها أحد عليه...
وبعد انتهاء عملية الإجهاض ... وفترة النقاهة ... عادت إليه لتكمل ما تبقى، ودونما أي اتصال مع عشيقها الذي رفض حتى فتح الباب لها والحصول على أغراضها من المنزل.. رامياً بهم أمام وحدتها السكنية...
الطبيب عند رؤيتها ... أكد أن العملية لن تطول وستعود كما كانت وستكمل حياتها بشكل طبيعي... لكن ثمة أمر بسيط عليها تنفيذه ... وتحديداً بعد حديثه الدائم عن جمالها وفتنتها الواضحتين...
أدركت تماماً انه يراودها على نفسها، لم تستطع سوى ضربه بما مسكته يداها والخروج من عيادته مسرعة في حالة كانت أقرب للانهيار العصبي.
وبعد محاولات متواصلة للاتصال بعشيقها للإيجاد طبيب آخر يكمل الأمر كان جوابه بأن الطبيب الوحيد يعرفه لكونه لم ينخفض مستواه كثيراً في البحث عن مثل هكذا أطباء ... ولتحمد الله أنه قبل وتنازل ووجد لها مثل هذا الطبيب ...فهو غير مضطر للبحث ثانية في مثل هكذا أمور قذرة مرة أخرى.
في النهاية لم تجد سوى الانصياع لرغبة الطبيب ... وإجراء رتق البكارة والعودة كما كانت ... لكن بعد أن تحطمت بالكامل ... ململةً أغراضها متوجهة في أول رحلة نحو قريتها متظاهرةً بأنها بأفضل حال والسعادة تملأ قلبها الميت نفسياً.
قرارها "بعدم أكمال دراستها الجامعية" كان صاعقة لكل من حولها في البداية رغم أنها باتت على أبواب التخرج ... لكن سرعان ما قبل الجميع بالأمر لكون الزواج المرحلة الطبيعية ...والتي لاتحتاج له لشهادة جامعية ... بل قدرة على إتقان لفنون الطبخ وتدبير المنزل ...
فأهلها من الناس البسطاء والسطحيين جداً ولا يعرفون من مبادئ الحياة إلا ما تربوا عليه من إبائهم وأجدادهم.
ولم تتأخر إقامتها لديهم أكثر من خمسة أشهر لتنتقل لبيت زوجها الموظف في إحدى الدوائر الحكومية ... وذو عقلية متحجرة كانت طالما ترفض الاقتران به ... ولتتابعها كما غيرها من فتيات جيلها.
هذه ليست برواية ... وليست بقصة من نسج خيال يلتف السواد به... وإنما نتيجة لإفرازات مجتمع يدعي الشرقية ... وجيل شباب يمارس الحياة الغربية التي تشبع بها عبر شاشات تلفازه ... ليعود إلى شرقيته عند وصوله للحظة الزواج ...
لو سألنا أنفسنا سؤال؟ من هو المظلوم في هذه القصة الفتاة التي سارت وراء حبها ومشاعرها دون تردد... أم عريسها الذي تزوجها معتقداً بأنها بدأت حياتها الزوجية من خلاله ... أم ذلك الفتى الذي تشبع بحياة الغرب ليمارسها عبر تلك الفتاة وليعود ليرفضها بأبشع الطرق لكونه لا يستطيع الخروج عن تربية مجتمع لايرحم...الجواب يبقى مفتوحاً لكل قارئ ... ولكل مختص في علاج مثل هكذا قضية.
هذه القضية ...والتي باتت منتشرة بين جيل شبابنا .. بكثرة وبصمت بالغ، ولدت كنتيجة عن تمرد ضد واقع اجتماعي ورغبة في التقدم نحو الأفضل ,,, هذا الأفضل الذي عرف من خلال شاشات التلفزة وثقافة لا نعرف منها سوا هوامشها.. فيما تفاصيلها الحقيقية نكاد نجلها أو بالأحرى غير قادرين على تطبيقها لكوننا مازلنا نعتقد أن الجنس مازال من الأمور الأولوية في حياتنا ... وثقافتنا الفكرية.


نشرت في مجلى الثرى



كانت تأتي سراً



مالك أبو خير




كانت تأتي لمنزله سراً، وكأنها عصفورةً اهتدت أخيراً لعشها الأبدي، وجهها يحمل من الطفولة والبراءة و السحر ما يكفي مدينة بأكملها، واضحين بشكل جلي رغم ما تحمل وجنتيها من كدمات، وما تحمله عينيها من خوف لفقدان شيء ما.
في كل مرة تأتي الحي تجدها تختبئ بين الجدران وخلف ظلال الأزقة والسيارات، وبقدر ما تحمل عيناها الخوف كانت تحمل الفرحة العارمة وخصوصاً عندما تقترب من ذاك المنزل الذي اعتبرته ملاذها الآمن، تركيبة غريبة لفتت انتباهي وحركت فضولي الذي لم ينم يوماً، وخصوصاً وأنني على علم بتصرفات صاحب هذا المنزل وأعرف جيداً سيره الطويلة مع النساء .. نساء ولكن من نوع أخر مختلف عن نوعها تماماً، فهم رحلت البراءة عن وجوههم منذ زمن بعيد، وهي نوع من الخطأ قدومه لهذا المكان.
في كل يوم تأتي به كان فضولي يزداد أكثر، يدفعني لمعرفة سبب مجيئها لهكذا مكان كنت متأكد باختلافها عنه شكلاً ... ومضموناً، فتوجهت للقهوة حيث يجلس صاحب المنزل بشكل يومي يحادث بها وعلناً أخر إبداعاته النسائية والعاطفية، وسعيت إلى أن استطعت التعرف إليه وكسب وده والحديث معه، متحملاً سيره النسائية بأكملها للوصول إلى هدفي الأساسي ألا وهو هذه الفتاة.
وبعد سماعي لقصصه المختلفة سألته بتعجب عن أمرها " والتي رأيتها مصادفةً" تصعد إلى قصرك النسائي مع ملاحظتي على أنها مختلفة عن كل السابقات الذين حدثتني عنهن، وهنا اختلفت نظرته تماماً ونظر إلى فنجانه بتأمل مع بعض الحسرة والألم اللذان لا يتفقان أبداً مع هكذا شخصية مستهترة، ليسألني بعد هذا التأمل عن سبب سؤالي عنها بالذات .. فأجبته من باب الفضول ليس أكثر ولا أقل ..
فقال لي: ( هذه الفتاة تعتبر الوحيدة التي أحبتني بصدق في حياتي كلها، ومختلفة عن كل من عرفتهن، فهي من أسرة مكونة من أربعة أخوة وثلاث فتيات .. فقر المال نخر جدران منزلهم، ولغة الحوار بين الأب وإخوتها الذكور معهم مقتصرة على الضرب والشتائم، لكونها لغة ترعرعوا عليها وتعودا على استخدامها مع النساء، فالمرأة في نظرهم لا تستحق أكثر من ذلك فضلاً عن كونها الوسيلة الأفضل لمنعهن من الانحراف أو اختيار الطريق الخاطئ أي استخدام سياسة زرع الخوف في قلوبهم لمنعهم من الخطيئة.
وبكونها تعمل في احد المحلات التي أتردد عليها باستمرار، تعرفت إليها ووجدتها قد انجذبت إلي بسرعة كبيرة والسبب ... أنني خاطبتها بلهجة لم تعتد يوما على التخاطب بها، لغة أحسستها من خلالها بأنها عبارة عن فراشة جميلة وحساسة وذكية، وتتمتع بجمال يلفت الأنظار ويدخل القلوب دون إنذار مسبق ... بإختصار خاطبت بشخصيتها أشياء لم تعد يوما على المخاطبة بها، واعدت إليها أنوثتها التي بدأت تخسرها كل يوم مجرد دخولها باب منزلها، وكان ذلك واضحا من أثار الكدمات المتراكمة على وجهها كل يوم.
هي في المقابل شعرت أنني الشخص الوحيد الذي بات يتفهما في هذا الكون، وقد تفاعلت معي مباشرةً لكونها لم تكن كثيرة التعاطي مع من حولها فهي رغم بلوغها العشرين من العمر لم تخرج بعد توقفها عن الدراسة في الخامس الابتدائي خارج منزلها سوى بضع أمتار أي إلى جيرانها وأقاربها وبمرافقة الأهل دوماً وتحت ناظرهم، وعندما أشتد الفقر عليهم أكثر من الأول أضطر والدها لجلبها للعمل في المحل حيث أتردد، ليتركها فريسة بين أيدي صاحبه وزبائنه والذي كنت أنا أولهم).
وهنا خرج السؤال عن كيفية استغلال وضع هكذا فتاة دون القدرة على كتمانه .. ليجيب وبكل بساطة بأنه إذا لم يقم هو باقتناص الفرصة سيأتي غيره ويقتنصها، بدأً من صاحب المحل الذي بات معتاداً على أخذ المال منه مقابل الصمت عن خروجها باكراً والتوجه لمنزله في كل مرة.
عدت للمنزل ومئات الأفكار تدور كالإعصار في خاطري، تطرح الأسئلة علي وأجيب بتردد .. أهمها وأكثرها إلحاحاً، من هو المسؤول هنا ومن المخطئ .. الأب وأولاده الذين ورثوا أسلوب تعاملهم اليومي عمن سلفهم أم الأم التي لاحول لها ولا قوة ...أم ذلك الفتى المفتخر بقصره النسائي أم صاحب المحل الذي قبل على نفسه لعب دور القواد ... أم على الفتاة التي انجرت خلف أحاسيسها لترمي بنفسها عارية بين أحضان من أمدها بجرعات عشق أشعرتها بوجودها كأنثى .. أم على واقع لا يرحم بات الضعيف فيه صيداً سهل المنال ..
لكنني وفي النهاية وجدت أننا بتنا نعيش في "زمن التناقضات" حيث الجميع على خطأ والجميع يدعى الصواب بدأً من الفتى الذي اعتبر الفتاة التي وجدت شخصيتها وأنوثتها من خلاله صيداً ثميناً من الغباء تركه للغير .. وصولاً للأهل الوارثين لهكذا أسلوب في التعامل عمن سبقهم منغلقين ضمن مجتمعات محدودة التفكير أساساً، ظالمين عبر أسلوبهم هذا هذه الفتاة التي تحتاج للحوار بدلا من العنف، ولتكون نهايتها في نهاية الأمر إما الهرب إلى المجهول، أو الموت بطعنة سكين أو رصاصة على يد احد ذكور عائلتها ليتكفل القضاء بإعادته لمجتمعه المحدود التفكير والمغلق مرفوع الرأس و"منتصراً" عبر القانون الخاص بجرائم الشرف المتكفل بتأمين البراءة القانونية لكل من شارك بقتلها.

نشرت في مجلة الثرى

الشحن الطائفي عبر الانترنت



مالك أبو خير




شتم للصحابة ... وتعتد على الحرمات، تفسير لآيات قرآنية وفقاً لأمزجة خاصة أو مرجعيات دينية كما يدعي أصحاب هذه الرسائل، مشوهين صورة من رفعوا راية الإسلام وكانوا الأساس في إيصال "رسالة الله السماوية" إلى أرجاء دول العالم.
ففي البداية ... كان أكثر ما يزعجك عند تصفحك للايميل الخاص بك، هو الرسائل الإعلانية التي كانت تأتيك كالسيل لتقنعك بمنتج أمريكي أو ياباني أو حتى ايطالي، ورغم كثرتها كان بإمكانك التخلص منها عبر تحويلها إلى سلة مهملات التي تعالج وتريح رؤيتك من كل ما يزعجك وخاصة أن مضمون هذه الرسائل بات معروفاً .... وواضحاً.
لكن عندما يصبح جوهر هذه الرسائل ملغوماً ... إن لم اقل مدمرة لفكر امة ما زالت تنفض عنها غبار الغزو الفكري الثقافي الذي امتد لعشرات العقود، فهنا تكون "الكارثة فظيعة" والأمل بالتقدم نحو الأفضل بات شبه مستحيل في ظل وجود هكذا عقول تخريبية تنظم كل ما تفعله من تخريب وتخدير لعقل الأخر.
جوهر خلاف هذه الرسائل... عمن له أحقية الخلافة، ومن يستحق أن يكون خليفة المسلمين، وتحديداً بين طرفين متنازعين، الأول يرى الأحقية لأتباع سيدنا علي (كرم الله وجهه) والثاني يرى أن أهل السنة وأصحاب السيد الرسول (ص) هم من استحقوها بالفعل.
فعند تصفحك للايميلك، تجد ما لا يقل عن عشرة رسائل يومياً ومضمونها يكاد يفجر لهيب نيران كره طائفي ومن دون إنذار مسبق فعند قراءتك لها تتمنى لو انك تستطيع الإمساك بمصدر الرسالة أياً كان لتسحقه وتسحق تفكيره الهمجي.
فضلا عن وجود مواقع الكترونية متخصصة في هذا الفكر الهمجي وتجدها تدعوا وتشجع إليه كل من يزورها دون الاعتماد على أي مستندات قانونية أو تاريخية منطقية لما يكتب على صفحاتها.
ثم نجد أن نشاطها لم يقتصر على ذلك فقط ... بل امتد لإشعال حرب الكترونية تمثلت في اختراق مواقع معادية لها "على حد تعبيرها" و السيطرة عليها واحتلالها وكأننا في عصر السيوف والمناجيق معيدة بأذهاننا إلى عصور الظلمات، مع تجاهل أننا أصبحنا بعصر الكلمة هي التي تقتل أكثر من السيف.
فبعد البحث المتواصل في الأوضاع والصراعات القائمة سياسية كانت أم فكرية أم حتى فنية واجتماعية، نجد أن الدين بات وسيلة أيضاً ذو مساحة وحضور قوي على أرض هذا الصراع، وبل بات السبب شبه الرئيسي في شق صفوف داخل الأمة وكيانها ومهدداً حقيقياً عبر زجه بهذا الصراع لوجودها ووحدتها.
سماحة الشيخ أحمد بدر حسون "مفتي الجمهورية العربية السورية" أكد على خطورة هذه قضية مع رؤية أن اقتصارها لم يعد على الانترنت بل على المجتمعات العربية كلل وما حدث من خلافات في الآونة الأخيرة ما بين الشيخ القرضاوي وإخواننا رجال الدين في إيران ووصل بلوغه إلى الأزهر أيضاً ليس سوى امتداد لهذا الفكر التخريبي.
فسماحة الشيخ يرى : " أن المذاهب المتعددة من الناحية الفكرية والعلمية هي نتاج التلاقح الحضاري في مسيرة الأمم، فالمذاهب في الأصل لم تأتِ لتؤطر الدين بأطر المشقة، بل جاءت لتؤطر الدين بأطر يسهل بها على المؤمن مسلماً كان أم مسيحياً أم يهوديا أن يتدين ويعبد الله، وبالتالي فان من يتحدث بحديث الطائفية أو المذهبية متصادما مع أخيه المسلم هو رجل جاهل لم يقرأ المذاهب ولم يعرف قرآنه ولا دينه، وللأسف فانه ومن خلال ما يحدث اليوم في العراق ينذر بالخطر والقلق والخوف على هذه الأمة من الانقسام والضياع نظراً لهشاشة موقف كثير من خطباء المساجد وبعض العلماء في مواجهة الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة.
فأنا ومن وجهة نظري أرى ان الشيعة عددهم في العالم الإسلامي ( مليار ونصف ) لأن كل مسلم يقرأ كتاب الله ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) "الشورى /23 "، يعرف انه موال لال البيت المحمدي، وكل من يقرأ الحديث الذي ورد بأربعين رواية في الصحيحين: ( من كنت مولاه فعليٌ مولاه )، ويقول الإمام عمر بن الخطاب (رض) : ( بخٍ .. بخٍ لك يا أبا الحسن، أصبحت مولى كل مؤمنة ومؤمنة).
كما أقول أن السنة الذين أخذوا جانب التحقيق في اقوال النبي (ص) واستنبطوا منها الأحكام من القرآن الكريم ووجد منها ولاءه لآل البيت (ع)، عددهم في العالم (مليار ونصف)، ومن هنا أقول على كل مسلم أن يكون سنياً في اتباع سنة رسول الله (ص) وعلى كل مسلم أن يكون شيعياً في حبه وولائه لآل البيت (ع)، وانما في صدقية أن يصير الشيعي مسلماً قرآنياً، وأن يصير السني مسلماً نبوياً...
وبالتالي نرى ان هنا تسقط كلمة طائفة الشيعة وطائفة السنة ... إنما يوجد شافعي وحنفي وجعفري واسماعلي واباضي ... الخ، هذه مذاهب فكرية وفقهية، وليست عقائدية دينية، لهذا ما نرجوا أن يتفهم المسلمون أنهم إن جعلوا المذاهب أدياناً يكونوا قد خانوا الدين والديَان"
السيد "عصام داري" رئيس تحرير جريدة تشرين اليومية، يرى: " أن ما يحدث من تحريض عبر الانترنت وغيره لم يأتي من فراغ أو حشد غير منظم وانما اتى عبر شحن منظم ومعروف الأسباب والتوجه، فقبل السؤال عن سبب حدوث ما يحصل نسأل عن المستفيد من كل هذا، فاليوم لا توجد كلمات قادرة على وصف الوضع العربي المحزن والبائس الذي وصلنا إليه .. ولذا لابد من الاعتراف بأن العرب يعشون عصرهم الأسود، والتاريخ سيسجل لهم هذا الانقسام الحاد والتشرذم غير المسبوق، والخصام المستحكم والمتحكم بالنفوس إلى درجة قطع خطوط العودة، ونسف جسور الحوار.
فالعراقيون يقتلون بأيد العراقيين والإرهابيين والأمريكيين والبريطانيين في وقت يتحتم عليهم التنبه إلى مخاطر الاقتتال الأخوي! ومخاطر الاحتلال ومخططاته المعروفة لتقسيم البلاد، وقد رأينا سابقاً تصريحات أحد منظري "المحافظين الجدد" جون بولتون يعترف صراحة أن عراقاً موحداً ليس في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي لبنان يستقوي فريق من السلطة على الأغلبية اللبنانية الحقيقية، بالأمريكي والفرنسي، في وقت يعرب فيه الإسرائيلي عن قلقه على هذا الفريق، وكأن المطلوب شطب الأغلبية لمصلحة فريق لم يخف يوماً ولاءاته للخارج، ولم يخف عداءه للعروبة وللمقاومة ولسوريا"
السيدة "هند عبيدين" باحة وإعلامية ومديرة في مجلة المعارج المتخصصة في الدراسات القرآنية وحوار الأديان أكدت عبر حديثنا معها أن : ( ما يحدث عبر هذه الشبكة الالكترونية مؤخراً ناتج عن الفراغية الفكرية والتي أدت إلى التعلق بالغيبيات والروحانيات الغير ملموسة، فما يعيشه شبابنا اليوم وأبناء جيلنا من فراغ فكري وثقافي أدى ذلك بهم إلى فهم الكثير من الأمور الحياتية بشكل خاطئ، وقد انعكس ذلك على نظرتهم لباقي المفاهيم الحياتية الأخرى كالأمور الدينية والعلمية حتى والتاريخية.
فالشخص المفرغ فكريا من الداخل يسعى دوماً إلى ملئ هذا الفراغ، وبالتالي أصبح عرضة لمجموعات فكرية متشددة أو غير مؤمنة بالدين أيضاً وبالتالي أصبح مشبعاً بأفكارها وقوانينها ومطبقاً لها على أكمل وجه.
فما تقوم به جماعات تدعي حرصها على الدين والدولة أو حتى الحرص على الخلافة ... فأنا أقول لهم أي خلافة هذه أي سلطة تسعون للوصول إليها فيما العراق وفلسطين تحت سلطة محتل ينهش أرضهم يومياً، وأي خلافة في ظل خلاف عربي بات حارقا لكل نبض فكري يعيد للأمة صحوتها مما هي فيه.
فإذا ما أمعنا النظر لوجدنا أننا بصدد أزمتين، الأول هو الاستخدام الخاطئ للتكلوجيا وتسييسها كما غيرها لتصبح لغة تدمير لما تبقى من هذا الواقع العربي الهش أساساً والثانية هي الفهم الخاطئ للتاريخ وتسييسه هو الأخر لمصالح سياسات استعمارية هدف التفريق لصفوف لم تستطع تفريقها عبر الزمن بقوة السلاح.
فمخططات التجزئة التي طرحت على المنطقة لم تتوقف ولن تتوقف ما دامت هناك عقول مريضة ومفرغة تتلقاها وتتبناها تحت أسماء ومعايير مختلفة كالدفاع عن الدين أو أحقية الخلافة وتكفير الفكر الأخر...
فضلا أن عدم تتطور الشريعة ومجاراتها للحاضر والواقع الملموس، اكسبها عدم قدرة على مواجهة مع المتغيرات الحاصلة وبالتالي أصابها التلف والتراجع في التعامل أي موجة فكرية جديدة خاطئة كانت ... أم صحيحة).
وهنا لا يمكنني القول في نهاية هذه المادة، فهكذا مادة خطرة في مضمونها لا يمكن تتوقع نهايتها ما دامت هناك عقول تتجرأ في هذا العصر على شتم وقذف أناس ضحوا بحياتهم من اجل إيصال رسالة [الله تعالى] على الأرض، وبغض النظر عما نشأ من خلافات لا يعلم صدقها أو حقيقة تفاصيلها إلا "الله عز وجل" ومن كان معهم، ولا أخفي التعب في إعداد هذه المادة وانجازها نظراً لحساسيتها وحساسية أفكارها وعدم تقبل الكثيرين من القراء لكثير من أراء كتاب ومفكرين هاجمت من يهاجمون الدين الإسلامي عبر شتمهم للاعمدته الأساسين من الصحابة ودون استثناء أي أحد "طاهر منهم" مع تقصد مني لعدم إظهار آراءهم خوفا من فهمها بشكل خاطئ.
لكن ما يسعني قوله هو أن الله تعالى وهبنا العقل لنفكر به ولنحلل من خلاله الكثير من القضايا والأفكار المطروحة أمامنا، لا أن ننقاد خلف نظريات وروايات دون التفكير بمصداقيتها الحقيقية، وان نسعى دوماً وأبداً لتكون لغة الحوار والمنطق هي من تقودنا لا سياسة الحقد والتبعية اللاعقلية للآخر.


نشرت في مجلة الكردية نيوز

لا عجب تشيخوف ... فالزمن لم يتغير

"مسافر من الدرجة الأولى" قصة قصيرة لأنطوان تشيخوف، حاول من خلالها طرح مفهوم الشهرة، عبر مهندس ومغنية (بائعة هوى).
الاثنان لكل منهما سلوكه في الحياة ... وانجازاته، فالمهندس كان مميزاً بعمله عبرانشاءه العديد من الجسور والأبنية والمرفقات التي كان الدور المهم في بناء البنية التحتية زمن دولة"روسيا القيصرية" ... والتي كانت لينال وسام الاستحقاق القيصري آنذاك فيما المغنية"بائعة الهوى" فانجازاتها معروفة منذ الخليقة وحتى اليوم.
الكاتب تساءل عبر حديث المهندس الطويل في رحلة القطار عن مفهوم الشهرة، وعن السبب أن الشهرة تكون دوماً والترحيب في الأماكن العامة لصديقته المغنية كنتيجة لعملها في الغناء وبيع الهوى لكبار الساسة في الدولة القيصرية، فيما انجازاته التي بناها وفنى حياته في سبيل تحويلها لحقيقة تخدم الشعب والوطن لاتكاد تذكر على ألسن الناس وان ذكرت فهي على مضض وفي أكثر الأحيان لايعرف المجتمع من بناها وعمرها.
المحزن في الامر هو انه وبعد مرور أكثر من 100 عام على كتابة هذه القصة نجد أن التفاصيل والوقائع مازالت نفسها ولم تتغير ولكن في مجتمعاتنا العربية فقط، فالغرب تراه اليوم يكرم كل مبدع مهما كانت نوع إبداعه "هندسي .. علمي ..فني ..." ويلاحق أخباره ويسعى إلى استثمار أفكاره بما يخدم المصلحة العامة ... وتحديدا عبر وسائل الإعلام.
فيما نحن ... مازالت وسائل الإعلام لدينا تلاحق اخبار الفنانات والفنانين، وتراها باهتمام بالغ تبحث عن ا سباب مقتل الفنانة الفلانية، وعن أسباب طلاق الفنان الأخر و.. و... و... ،ناسية أو متناسية البحث الحقيقي عن أسباب اختفاء العشرات من العلماء العراقيين ضمن ظروف غامضة ... مختفياً معهم الكثير من الدراسات العلمية التي كانت ذا فائدة كبيرة للعالم بأسره وليس للامة العربية فقط.
ونسيت أيضاً ملاحقة أخبار كبار العقول العربية التي هاجرت "سبحان الله" أيضا تحت ظروف غامضة نحو الخارج .. ثم اختفت أخبارهم ان لن نقل انقطعت...
واقتصر عملها على نقل أخبار الموت اليومي في الدول العربية المحتلة وخلافات ساستها العقيمة ... وملاحقة أخبار النجوم والبحث في مشاكلهم وأسباب انفصالهم .. ومتى وقعوا في الحب ومع من ... وما أسباب تأخر صدور البوم فلان ، وغياب أبو عصام عن باب الحارة، .. ومن المسبب في تغييبه عن المسلسل ... ومن ومن ...
أمور كثيرة تدعوا الى الحزن ... لما وصل اليه حال ومفهوم المتابعة الاعلامية لدينا، وحزن أكبر على فقدانه المصداقية الحقيقية والمطلوبة في معالجة الكثير من الامور مع السعي خلف مواضيع وأمور لا تقدم ولاتأخر في حال المواطن العربي المتراجع باستمرار....
لا عجب تشيخوف ... فالزمن لم يتغير .. ولن يتغير ... مادامت عقولنا معجونة بالصمت.

مالك أبو خير

الـــدين لنا أم عــــلينا

يقال أن الله موجود في كل مكان، وتحديداً في قلوب من أمنوا به وامنوا بوجوده، ويقال أيضاً أن الله ليس بحاجة إلى واسطة ولا يمتلك عدة طرق أو لنقل مفارق للوصول إليه ... طريق واحد يمكنك من خلاله بلوغه ألا وهو طريق القلب والإيمان به في كل لحظة من عمرك.

هذا ما يقال .. وهذا ما تعلمناه، عبر سنوات حياتنا في مدراسنا التعليمية أو الدينية أو من خلال الأسرة والمجتمع، أي أن صورة الوصول إلى الله تعالى سهلة لاتحتاج إلى الكثير من التعقيدات والالتفافية للتواصل مع من خلقنا وكان سبب وجودنا.

والدين كان ومازال هو صلة الوصل بيننا وبين الخالق "عز وجل" في مجال التعليمات والقيم التي أرادنا السير عليها لبلوغ الحياة الأفضل، أي أن ما ذكر في الكتب السماوية كانت عبارة عن تعليمات يريد بها الخالق عز وجل إرشادنا نحو الأفضل، لكونه خالق هذا الكون وصانعه.

لكن الدين بات ومع مرور الأيام لمجرد وسيلة لفرض الهيمنة على المجتمعات... هيمنة يستخدمها الغير للسيطرة على زمام الأمور ( سياسية أو فكرية .. الخ)، ووسيلة لكتم الأنفس بدلاً من صعودها ونزولها بشكل طبيعي، وبات وسيلة لكتم أو منع أي شيء مناهض لسياسة جماعة معينة أو معارضٍ لتفكيرهم وأسلوب سيرهم.

فاليوم نجد أن أبراجاً تدمر بساكنيها، وأناساً يهجرون من أراضيهم تحت اسم الوطن الموعود ودينهم المختار، وهناك من يجلدون ويقتلون تحت اسم الشريعة ومخالفتها، في حين اختفت النساء خلف عباءاتهم ساكنين جحوراً فكرية وعقلية صنعها المجتمع والأفراد تحت عناوين مختلفة منها الأخلاق التي قال الدين عنها وفسروها وفق أهوائهم.

لكن السؤال الذي يكمن هنا ... أين سلطة العقل من كل هذا؟

فالعقل هنا نراه مغيباً تماماً، وبات متبوعاً لسلطات بشرية تسير ما أنزل من الله وفق أهوائها، وتحلل ما تشاء وتكفر من تشاء باسم الله والدين وبات هناك أشخاص يطبقون شريعة الله على الأفراد تحت أسماء مختلفة كـ ( سلطة الأمر بالمعروف – تنظيمات الإسلامية – وولاية الفقيه) وغيرها التي حكرت اسم الله وتعليماته وفق أهوائها وتشريعاتها.

فهذا العقل الذي وهبنا الله إياه لنفكر به ونحتار ما هو صحيح وما هو خاطئ وأعطانا الفرصة لنخطئ كي نتعلم من أخطائنا ولغفر لنا ما قمنا به لا أن يعاقبنا البشر أمثالنا بالعصا والرجم والقتل بمختلف الطرق لكوننا أخطئنا أو خالفنا التعاليم السماوية التي انزلها الله بكتبه السماوية المختلفة، فضلاً أن الله عندما أراد أن يهدي البشر أرسل لهم الرسل ليهديهم وليوجههم نحو الطريق الحق ألا وهو طريق التوحيد أي انه اتبع معهم طريق المنطق ولغة التخاطب مع العقل وترك لهم في النهاية حرية الخيار ووعدهم بالأحسن إذا اهتدوا وبالسيئ إذا كفروا وكانوا ظلاماً لأنفسهم وللآخرين ... أي انه لم يأتي بعصا يقتل ويجلد ويذبح ويدهس من يخالفه بشكل همجي كما تقوم بعض الجماعات من متخلف الأديان والمذاهب...

أي أنني هنا أريد أن أصل لنتيجة مفادها ... أن الله ميزنا عن باقي مخلوقاته بالعقل ... وطلب منا فهم رسائله والتواصل معه عبر هذه الميزة التي ميزنها بها ... لا أن نقول بإلغائها من خلال التبعية للأخر وفرض مايرده علينا وإبعادنا عن طريق الله الحق ألا وهو طريق التوحيد...

مالك أبو خير