17 يونيو، 2009

نحن السوريين الأرمن: لن تجد من لا يعمل بيننا




مالك أبو خير



منذ بداية هجراتها إلى مدينة دمشق استطاعت الجالية الأرمنية تحقيق حضور واضح ضمن نسيجها، وتمكنت من الانصهار ضمن هذا النسيج والتفاعل معه بطريقة لافتة ومميزة، ولدرجة باتت تشكل عنصراً هاماً من الحراك الاقتصادي والاجتماعي لهذه المدينة، وبشكل بلغ درجة عالية من التأثير وعلى مختلف النواحي والمجالات، وبشكل لم يمنع انصهارهم ضمن المجتمع العربي من الحفاظ على هويتهم وتراثهم.

ولعل الصدق والأمانة في التعامل ضمن حياتهم العملية والاجتماعية أكثر ما يميز أبناء هذه الجالية، بحيث تعتبر هذه الميزات من أهم العوامل التي ساعدت لحصولهم على مراتب متقدمة في العديد من المجالات أهمها القطاع الاقتصادي والذي يحدثنا عنه "نيرسيس كوركجيان" صاحب شركة عالم السجاد حيث يقول : من النادر جداً أن تجد رجل من الأرمن من دون عمل، فالعمل بالنسبة لنا هو من الأساسيات الهامة في حياتنا، واعتمادنا الجودة والمصداقية في تعاملاتنا مع زبائننا وعملائنا هو ما جعل السوريون الأرمن من المميزين، وهذه العوامل حولت شركتنا من معمل بسيط في مدينة حلب إلى شركة كبيرة لها فروع في معظم المحافظات السورية.

وهذا النجاح لم يقتصر علينا فقط بل امتد إلى صناعات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال صناع الذهب أو كما يطلق عليهم " ورشات الصياغة" والتي تقوم بصناعة الذهب في مدينة دمشق فإذا أمعنت النظر قليلاً سوف تجد أن أغلب من يدير ويملك هذه الورشات هم من السوريون الأرمن حيث تجد ورشاتهم منتشرة في حلب ومعظم مناطق دمشق من باب توما والقصاع وصولاً إلى جرمانا وغيرها من المناطق، وهم من أكثر الناس قوةً في هذا المجال وطبعاً دون نسيان الصناعات النسيجية والجلدية والأحذية التي تجد وجوداً مميزاً للأرمن بها عن باقي من يتعاملون بنفس هذه الصناعات في دمشق.
وأضاف كوركجيان: أن من لا يلتزم بالعمل والمصداقية والمهنية من السوريين الأرمن، يعتبر شخصاً غير مرغوب به ضمن محيطنا الذي يرفض أي شخصية غير صادقة أو عاطلة بإرادتها عن العمل.

وعن تاريخ وجود الأرمن بدمشق يحدثنا السيد كاركوجيان: وجودنا في مدينة دمشق بدأ منذ بدء رحلات الحجيج التي كانت تأتي من دولة أرمينيا إلى الأراضي المقدسة في فلسطين المحتلة ونتيجة لبعد المسافة اعتمد مقراً دائماً لها في مدينة دمشق يعرف حالياً بكنيسة الأرمن الأرثوذكس الموجودة في الشام القديمة عند منطقة باب شرقي حيث كان الحجاج يرتاحون بها عند وصولهم المدينة، وتطورت هذه الرحلات من مجرد عبور إلى تبادل تجاري بين الأرمن وتجار دمشق، واعتمد هذا التبادل على الحرير والخيوط والصناعات التي لم تكن متوافرة في دمشق آنذاك، وتعمق مع مرور الزمن إلى هجرة لعض من الصناعيين من بلدهم الأم أرمينيا وانتقالهم للإقامة الدائمة في دمشق والاستقرار بها وإنشاء أعمال ازدهرت وتطورت مع مرور الزمن.

أول هجرة للأرمن في القرن السادس:

التواجد التاريخي للجالية الارمنية في سوريا يعود لفترات تاريخية قديمة وضعنا بصورته السيد جارو جوليان أمين السر في مطرانية الأرمن الروم الكاثوليك الموجودة في منطقة باب توما بدمشق حيث يقول: سوريا كانت ممراً للحجاج الأرمن القادمين إلى بيت المقدس في القدس، وقد أدى إعجاب الكثير من الحجاج آنذاك بجمال المدينة وازدهار التجارة بها إلى الانتقال للإقامة والاستقرار بها، وتعود أول هجرة أرمنية إلى سوريا إلى القرن السادس للميلاد، وعندما وصلت دمشق إلى ذروة مجدها في التاريخ القديم، أيام الخلافة الأموية، حيث كان الأمراء الأرمن في زيارات دائمة إلى دمشق عاصمة الأمويين.

ولما كانت مدن سورية مراكز مزدهرة للتجارة العالمية وترتبط مع مدن أرمينيا بطرق تجارية عدة، كانت العلاقات التجارية بين الشعبين العربي والأرمني متطورة، واستمرت بعد سقوط الخلافة العربية أيضا، فازداد عدد الأرمن في سوريا، لينصهروا مع الزمن ضمن هذا النسيج السوري ويصبحوا من العناصر الفعالة به ومن مختلف النواحي والتي لم تقتصر على الناحية الاقتصادية فقط بل امتد إلى نواحي متعددة، أبدؤها في المجال العسكري كاللواء آرام كارامانوكيان ضابط المدفعية الشهير في الجيش السوري، والعميد هرانت مالويان قائد الدرك العام في سورية صاحب الموقف الوطني المشهور برفضه استخدام (الدرك الأرمن) أداةً من قبل سلطات الانتداب الفرنسي في قمع الثورات الوطنية في سورية.

وفي المجال الفني و الثقافي كان ومازال لنا الكثير من الفنانين الذي لهم بصمات هامة على الساحة الفنية كالفنان سلوم حداد والفنانة المتميزة لينا شماميان، والمخرج المسرحي مانويل جيجي وطبعاً دون نسيان المطربة الراحلة ربى الجمال، ومغنية الأوبرا تالار دكرمنجيان والموسيقار فاهيه دمرجيان وغيرهم، الذي لم يقل عن زملائهم في المجال الإعلامي ووجودهم المتميز ضمن ساحاته الكبيرة ومنذ بداياتها في سوريا بدءاً من الإعلامي و الصحفي الحلبي رزق الله حسون والذي يعتبر أول مؤسس لجريدة خاصة عربية في العالم، والمذيع في التلفزيوني السوري مهران يوسف أحد أقدم المذيعين في سوريا، والمخرج الإذاعي المرحوم ميشال قوشقجي وغيرهم).

ومن الجدير بالذكر أن للسوريين الأرمن العديد من النشاطات والفعاليات الخاصة بها، وتمارس تحت إشراف هيئات متخصصة من قبلهم والتي تعنى بشؤون أفراد هذه الجالية كالطلبة الذين خصص لهم عدد من المدارس الابتدائية والإعدادية بحيث تشرف بعض الهيئات على تعليمهم وتأمين السبل المطلوبة لبلوغ أعلى المراتب العليمة قد تصل إلى حد تأمين بعثات علمية للطلبة الجامعيين، فضلاً عن وجود العديد من الجمعيات الخيرية التي تعنى بالأسر الفقيرة وتقديم كافة الاحتياجات المطلوبة من قبلهم.

نشرت على موقع حكاية سورية :