11 ديسمبر، 2008

بعد خروجه من سجون وزارة الشؤون الاجتماعية ...مشروع تنمية المرأة الريفية.. يرسم ابتسامة على شفاه النساء



مالك أبو خير
" آلة البوظة" رغم ضآلة حجمها ... كانت السبب الرئيسي لزرع الابتسامة على وجه "أسماء" التي قلما تعودت شفتاها الابتسام، وكفيلة بتغير حياتها نحو اتجاه أخر مختلف تماماً.. اتجاه اخترق حدود قريتها الريفية المختبئة خلف خطوط الفقر والصمت على كل ما حولها.
قرض صغير وفره لها "مشروع تطوير حكومي للمرأة" كان السبيل للإحساس بقدرتها على فعل شيء مختلف مؤمنة بذاتها وإصرارها ووجودها كامرأة لتحقيق هدفها ولتؤكد في نهاية تجربتها بأن التبعية للغير ليس هو السبيل الوحيد لاستمرارية الحياة.
مشروع... رغم تأخره غير حياة العديد من النساء المنسيات خلف خطوط الفقر، وكان الأمل لإخراجهن من حلقات مغلقة سكنوها لسنين عديدة.. انطلق منذ مدة طويلة ليأسر لفترة أطول ضمن إدراج مكاتب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل المتخصصة بتجميد كل ما يسهم بتقديم الأفضل للمواطن ضمن سياسة تتبعها وزيرته العتيدة "ديالا حاج عارف" للإثبات بأنها الأكثر بيروقراطية بين دوائرنا الحكومية، ليخرج من باب وزارتها تحت العناية المشددة وعلى شفى هاوية للفظ أنفاسه الأخيرة لولا تحويله للتنفيذ بالتعاون بين وزارة الزراعة ممثلة بمديرية التنمية الريفية ووزارة الإدارة المحلية ليثبتوا جدارة عجزت وزيرتنا العتيدة منذ تزعمها لكرسيها الفرعوني عن أثباتها.
الثرى التقت السيدة " رائدة أيوب" مديرة مركز التنمية الريفية التابع لوزارة الزراعة، والتي تعتبر من المساهمين الحقيقيين مع طاقم العمل في المديرية بتحسين الحالة الصحية لهذا المشروع عند وصوله إليهم، ضمن جهد كان السبب الأول في تأمين أكثر من ألف فرصة عمل ودخل حقيقي في مختلف القرى السورية، وكان لنا معها الحوار التالي:
في البداية .. كيف كانت انطلاقة المشروع مع لمحة عامة عنه؟
المشروع أنطلق بناء على توصية من اللجنة الاقتصادية بتخصيص مبلغ 0.25 % من موازنة الحكومة لدعم أنشطة المرأة مع الخطة الخمسية العاشرة، مما ما أدى لتخصيص مبلغ وصل لـ (500) مليون ليرة سورية تم تخصيصها لمشروع تمكين المرأة والحد من الفقر والذي نفذ بالتعاون فيما بيننا و بين وزارة الإدارة المحلية بحيث تم تخصيص المبلغ لصالح المرأة الريفية عبر تقديم القروض للنساء في القرى التي تعاني من الفقر.
القيمة الإجمالية للقرض تصل إلى 100 ألف ليرة سورية لكل مقترضة وقد تصل إلى 150 ألف في حال وجود مشاريع متميزة أو ريادية، وكحد أقصى في الفترة الحالية بالرغم من مطالبة الكثيرين لرفع السقف المخصص والذي سنسعى لرفعه في الفترة القادمة، وهنا لابد من التأكيد على أننا قمنا بإلغاء قيمة الفائدة بحيث وضعنا عمولة وقدرها 3000 ليرة سورية من قيمة القرض إجمالاً وهي بمثابة أجور معاملة المصرف ( كمصاريف إدارية) من تسير المعاملة وتحصيل لقيمة القرض، تجاوباً مع العديد من المواطنين الذين يرفضون فكرة الفائدة في التعامل المادي، وقد سهلنا موضوع الضمانات والتي كانت تعتبر من اكبر المعوقات للحصول على القرض من قبل المتقدمين بحيث اقتصرنا على كفالة تاجر ذو سجل في المصرف أو أثنين موظفين مع إمكانات تقديم الضمانات العينية وفق وتعليمات المصرف وحسب رغبة المستفيدة إن أرادت هي ذلك.
وكيف يتم تحصيل القرض؟
بالنسبة للتحصيل فقد حرصنا على تقديم الفرصة الكافية للمستفيدة من هذا القرض، من خلال ترك الوقت الكافي والمناسب ليثبت المشروع نجاحه وكفاءته، بحيث يكون قادراً على تأمين الأقساط المطلوبة دون تحميل المستفيدة منه العبء بتسديده، فبالنسبة للقرض قصير الأجل فان كامل المبلغ يستحق بعد /12/ شهر وهذا يخص قروض تسمين الحملان وتسمين العجول، وبالنسبة للقروض متوسطة الأجل فإنها تقسط على أربعة أقساط متساوية على أن يتم استحقاق القسط الأول بعد / 300/ من تاريخ الإقراض وباقي الأقساط سنوية والتي يتكفل المصرف بتحصيلها كما ذكرت.
ما هي الأهداف المراد تحقيقها من هذه المشروع؟
الهدف الأول والأساسي من هذا المشروع هو تمكين المرأة من الناحية الاجتماعية والنفسية عبر تمكينها مادياً بحيث تكون صاحبة دخل مستقل وبالتالي صاحبة قرار ولها قدرة مواجهة صعوبات الحياة المختلفة والحاجة للغير وخصوصاً إذا كانت معيلة للأسرة كما في العديد من الحالات التي واجهتنا، بحيث تم تمويل المشاريع الخدمية في مجال الإنتاج الحيواني ( تربية أبقار – أغنام تسمين خراف ... الخ) أو مشاريع الخدمية بكافة أنواعها ( بقالية – حلاقة وتجميل – مطعم صغير) أو مشاريع الحرف اليدوية ( خياطة – تريكو – شك النول) والتي حققت بأغلبها الدخل ليس بالممتاز ولكنه كان كافياً لتأمين احتياجات الأسرة ومطالبها وتخفيف من الم الفقر على العائلة.
وكيف يتم انتقاء المستفيدات من القروض؟ وهل هناك خطة متبعة لهم؟
في البداية تم تعيين القرى التي تعاني من الفقر في كل محافظات القطر، ثم تم انتخاب لجان محلية مكونة من 5 إلى 7 في كل قرية، ثم قمنا بإجراء دورات تدريبية لهم لتعريفهم بدورهم في تنمية المجتمع المحلي والمهام الموكلة لهم في القرية، بإشراف مشرفين و مهندسين تم إيفادهم من الوزارة إلى تلك القرى، ليتم بعدها اختيار النساء الراغبات في الحصول على القروض من كل قرية وإخضاعهم لدورة تدريبية مدتها عشرة أيام تتركز على توعية قدراتها الذاتية والإبداعية والعمل على تمكينها نفسياً واجتماعياً ومن ثم تدريبها على كيفية ادراة المشروع المراد العمل به بعد استلامها القرض، وبعد انتهاء الدورة واستلام القروض من النساء المتدربات، ننتقل إلى المرحلة التالية ألا وهي المتابعة بدءاً من التأكد من صرف المبلغ الذي تم استلامه في المشروع المخطط له عبر لجنة متابعة في كل محافظة ومهندسة من الوزارة تشرف أيضاً على سير المشاريع المنفذة والتأكد من نجاحها من خلال زيارات منتظمة إلى النساء في أماكن عملهن، مع تقديم النصح والإرشاد لهن.
ما عدد القرى التي شملها المشروع وعدد المستفيدات منه؟
تم اختيار القرى الأشد فقراً في سورية، وبناء على إحصائية أجرتها هيئة التخطيط حددت من خلالها بوجود / 105/ قرية تحت خط الفقر في مختلف المحافظات كان أغلبها في مدينة حلب ومنطقة الجزيرة وريف دمشق، والتي قمنا بالتوجه إليها لتقديم القروض للنساء القاطنين بها ليصل في عام 2007 – 2008 إلى 1563 قرض توزع 1322 في مجال الإنتاج الحيواني 187 في مجال الخدمي 40 قرض في مجال الأعمال اليدوية وغيره من القطاعات الأخرى وبمبلغ مالي وصل 147 مليون ليرة سورية وزع على هذه القروض، ونعمل على رفع مستوى هذه القروض في عام 2008 – 2009 ليشمل عدد أكبر من المستفيدين.
ما الأثر الذي تركته هذه القروض على النساء المستفيدات منه؟
برأي هذه القروض غيرت حياة العديد من المستفيدات منها وخلصتهن من التبعية للأخر أو للمجتمع وللزوج أحياناً لكون المرأة في اغلب القرى تعيش ضمن نطاق اجتماعي ومادي محدود.
فسأذكر مثالاً عن أحدى النساء التي كانت تعمل في تنظيف المنازل وغيرها من المهن المتفرقة لتأمين الدخل لأسرتها كونها المعيل الوحيد بعد وفاة الزوج، والتي اشتركت معنا في الدورات التدريبية واستلمت القرض واستغلته في إنشاء (بقالية) ضمن قريتها كانت كافية لتأمين مستلزماتها الحياتية دون الحاجة للغير، فضلاً إلى ارتفاع نسبة الوعي النفسي لديها وفهمها للكثير من مفاهيم الحياة وحقوقها كمرأة كانت مغيبة عنها نظراً للمحدودية الفكرية والاجتماعية التي نشأة بها.
كما أن الاستقلالية المادية التي نشأت للنساء من خلال هذه القروض والتوعية التي حصلوا عليها عبر دورات التوعية التي خضعوا لها، خففت من حجم التبعية للزوج وسلطته القاسية في الكثير من الأحيان لكونه مصدر الدخل الوحيد، وبالتالي المتحكم الأول والأخير بحياة الأسرة ومصيرها مما دفع الكثير من النساء للصمت عن العديد من التجاوزات بحقهن.
المشروع ... بعد أن استعاد عافيته، أثبت جدراته على أرض الواقع وتحديداً في القرى المنسية، واستطاع أن يحل أزمات مالية سكنت منازل تلك القرى لفترة طويلة، جاعلاً من " آلة البوظة وماكينة الخياطة " مصدر ابتسامة على شفاه العديد من النساء الطامحات لإثبات ذواتهن ..
هذه الابتسامة وللأسف .. قد تنزع عما قريب، وخصوصاً بعد تلميحات من وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل العتيدة برغبتها باسترداده لوزارتها لكونها صاحبة الأحقية بتنفيذه ! ..
تلميحات أطلقتها ومن دون سبب مقنع ...و ربما أن ابتسامة " أسماء" لم تكن ناصعة بما يكفي بإقناعها بنجاح هذا المشروع بعيداً عن أيديها.