مالك أبو خير
يبدو أن سوء التغطية وانقطاع شبكات التواصل لم يقتصر على هواتف الخليوي لدينا في سورية، وإنما شمل هذا عدداً كبيراً من المرافق الحكومية كان الإعلام السوري أهم المتضررين منه.
في البداية كانت التجربة المريرة مع الإعلام الحكومي وانتشار سوء التغطية ضمن قطاعاته نتيجة لوجود مجموعات يمكن إطلاق العديد من التسميات عليها بدءاً من الشللية والتي تطورت عبر الزمن متحولةً إلى مافيا منظمة منعت دخول أي تطور ضمنه يفوق مستواهم الصحفي أو تطورهم مستواهم العقلي وصولاً إلى نشر فكر إعلامي متحجر ينبئ بكساد ضمن العقول الشابة الصاعدة للعمل حديثاً ضمن هذا القطاع العاجز عن فهم تركيبة علم الصحافة والإعلام، وتحجر هذا الإعلام وانحساره ضمن عقليات لا تعرف سوى طريق التراجع بصورة الإعلام، كانت من أهم الأسباب في بقاء الكوادر الإعلامية الجديدة تجلس مقاعد الانتظار، تنظر إلى ملعب الحياة الإعلامية بحسرة كبيرة لكون المدرب ما زال غير قادر على اخذ قرار نزولها ومشاركتها ساحة الملعب الإعلامي إلا بقرار يأتي من مالكي هذا الفريق وصاحبي الامتياز بحصصه وأرباحه.
ولكن عندما بدأ الإعلام الخاص يدخل ساحة هذا الملعب استبشر الإعلاميون السوريون وتحديداً جيل الشباب خيراً، لكونهم سيخرجون من مقاعدهم الاحتياطية نحو فرق جديدة يصنعها هذا الإعلام القادم عبر أموال خصصت كما قال أصحابها لخدمة الإعلام وبناء صروح إعلامية سورية تنافس ما هو موجود على الساحة العربية والعالمية...!، وبالفعل توجه الإعلاميون لطرق أبواب هذه الفرق الصاعدة، لكن المفاجأة الأولى التي صدموا بها، أن من فتح لهم الأبواب هو نفسه من قام بإغلاقها بوجههم ضمن القطاع الحكومي، وليعود هذه المرة بإغلاقها مجدداً معلناً عدم انضمام أي احد لفريقه الجديد المدعوم بمال خاص إلا من كانوا أوفياء له ضمن قطاعه الأم وهو القطاع الحكومي.
سوء التغطية هنا كان واضحاً منذ البداية، فمن كان مديراً لجهة ما في القطاع الحكومي، بات اليوم مديراً أيضاً لكن ضمن قطاع خاص يدعي الحيادية واختيار كوادره على أساس الخبرات والكفاءات المتوفرة من جيل الشباب، ليتم اختصار هذه الكفاءات بمجموعة من شخصيات تم انتقائها بعناية وبمعايير مختلفة أهمها من يملك القدرة العالية من التملق وجلب العدد الأكبر من اتصالات أصحاب النفوذ، الأمر الذي جعلنا نعود لدوامة الجلوس على مقاعد الفرق الاحتياطية من جديد ولكن هذه المرة بعد انقطاع الأمل الأخير بوجود فرص حقيقة تحمينا من وحش لطالما سكن قلوبنا ... ألا وهو البطالة وانتظار الفرج.
فرص عمل ... الكترونية:
عند بداية ظهور الإعلام الكتروني في سوريا ونشوء مؤسسات تعمل في مجال النشر الالكتروني، سعت هذه المؤسسات إلى استقطاب الكوادر الشبابية للعمل ضمن مجالها، لكونها على علم بحجم البطالة المنتشر بين صفوفهم وبالتالي فرضت عليهم شروطها ومن جميع النواحي بدءاً من مجال الأسلوب العام للموقع الكتروني وصولاً إلى الدخل المادي المخصص لهم والذي لا يتجاوز في أفضل المواقع 10 آلاف ليرة سورية، لتأخذ هذه المواقع مقابل هذا المبلغ جهدهم وكل ما يكمن أن تحتويه عقولهم، وباسلوب أشبه بالعمل التطوعي دون نسيان حالة التذمر الدائمة من أصحاب هذه المواقع وطلبهم المزيد رغم كل ما يقدم لهم، ولأكون صريحاً أكثر فأننا في سورية يمكننا أن نستثني القليل من هذه المواقع والتي لا تتبع كغيرها أسلوب "سوق الهال" في عملها وتعاملها مع موظفيها، والتي انعدم منها أسلوب العمل المهني الصحفي الحقيقي واتجهت نحو نقل والفضائح والجرائم وما قال هذا وما قال ذاك، دون العمل على بناء بنية صحفية حقيقية أو مدرسة حقيقية في مجال الصحافة والإعلام.
فعند دخولك لدى الكثير من أصحاب المواقع الكترونية لدينا في سورية والتي يوحي لك منظرها الخارجي بأنك على أبواب مؤسسة صحفية عالية المستوى، تفاجأ عند لقائك بمديرها أو رئيس التحرير لديها بأنك أمام شخصين لا ثالث لهما، أما انك أمام تاجر من "سوق الهال" بدمشق أو انك أمام قائد لفرقة انتحارية في أي لحظة يطلق رصاص الموت ويرديك قتيلاً، وبالتالي يصبح الصحفي إما منافقاً لتاجره الكريم أو صامتاً مخصياً خوفاً من رصاصة طائشة تنسف رأسه.
وبالرغم مما تدعيه هذه المواقع من توفيرها لفرص عمل لجيل الشباب، إلا أنها كانت سبباً في شل حركة التطور الحقيقي في الإعلام لدينا بالمقارنة مع العدد من الدول المجاورة لنا أو دول الغرب المتطورة في كل شيء وليس في الصحافة فقط، الأمر الذي جعل النفاق والتملق السبب الأهم في استمرار أي صحفي فيما المهنية وأسلوب الصياغة ونوعية المواد المطروحة هي أخر ما يتم تقييم الصحفي به.
الصحف المطبوعة ... ( قص ولصق):
هل جرب احد ولو مرة واحدة أن يدخل إلى إحدى مقرات الصحف أو المجلات المطبوعة في سوريا، وتوجيه سؤال إلى احد الموجودين عما يعمل وما يفعل وما هي شهاداته العلمية وما هي خبرته الصحفية.
الجواب طبعاً في حال أن قام احدهم بهذه الخطوة، أن النسبة الكبيرة من الموجودين لا ينتمون لعالم الصحافة من قريب أو من بعيد، وبالمقابل تجد أن نوعية المواد المطروحة ضمن صفحاتها لا تمت للإعلام بصلة بقدر ما تمت إلى سياسة ( شيل وحمل ).
فالصحف أو المجلات التي تتبع سياسة صحفية ذات معايير إعلامية حقيقية تكاد تعد على أصابع اليد، أما غيرها فهي مجموعة من غاسلي الأموال وتجار الظهور السريع ومن دون معرفة أسباب غناهم المترف قرروا فتح مجلات فنية أو اجتماعية ليتم توظيف كل حسناواتهم خلف مكاتبها.
وهنا نجد أن سوء التغطية متواجد وبقوة كبيرة، مع إمكانية ملاحظة على صفحات هذه المجلات من حيث النصوص المطروحة أو طريقة التصميم والإخراج الصحفي، دون نسيان سياسة ( القص واللصق ) صاحبة الفضل والأخير في انتشار المقالات ضمن صفحاتهم.
الفضائيات الخاصة السورية ... في ذمة الله:
قد يطول الشرح إذا ما أردنا الحديث عن الإعلام المرئي ومراحل المحنة الحقيقية التي مرت بها الفضائيات الخاصة في سوريا، والتي شهدت منذ بداياتها حالة من التغيب القسري نتجت من ظروف وقرارات حكومية أو من خلال إدارة القناة نفسها، وليكون سوء التغطية وصفها الوحيد بامتياز كبير، فقناة شام التي علق عليها الإعلاميون أمالهم علها تكون بداية لانطلاقة إعلام يخرج من القوالب التي حشر بها لسنوات عديدة، ليكون جواز السفر والهجرة نحو مصر الشقيقة نهاية أشرفت جهات مختصة على إيقافها وترتيب هجرتها ...ومن دون عودة.
وعندما ظهرت قناة الدنيا اعتمد القائمون عليها نهج خط سياسي، مع إهمال واضح منهم للبرامج والتي تعتبر الأساس في نشاط الصحفيين وعملهم، الأمر الذي جعل نشرات الأخبار السياسية والبرامج السياسية تحتل القسم الأكبر من عمل القناة فيما أسندت البرامج لمجموعة يمكن إطلاق وصف الهواة عليهم أكثر مما يمكن إطلاق لقب محترفين، وبالتالي كانت البرامج المنوعة الموجودة في بداية انطلاقتها لا تمت لنبض الشارع السوري لا من قريب أو من بعيد، دون نسيان ضعف كوادر المعدين ومقدمي البرامج الذين كان النقد اللاذع في المرصاد لهم عند نهاية كل حلقة من برامجهم.
وهذا يعود طبعاً لاعتماد القائمين على الخطط البرامجية آنذاك سياسة الانتقاء القائم على المعارف وتقديم الفائدة الشخصية على حساب العمل، واختيار من كانوا غير صالحين في تقديم تلك البرامج أو إعدادها.
وفي الأثناء التي كانت قناة الدنيا قد دخلت مرحلة تغير في طاقمها الإداري واستبداله بإدارة تمثلت بصعود شخصية غيرت موازين القوى داخل القناة وسرحت كل من كان له علاقة بالطاقم القديم من قريب أو بعيد، كانت قناة المشرق تعيش مرحلة بداية لامعة ومميزة، تمثلت عبر مجموعة من البرامج التي اشرف مدير القناة محمد عبد الرحيم على إعدادها وإطلاقها معتمداً بإخراجها وتقديمها على مجموعة من الكوادر الشابة التي كانت بشهادة الجميع سبباً في تقديم القناة بصورة محببة إلى قلوب المشاهدين، لتفتح بذلك القناة فرصة للعمل أمام كل الكوادر الشابة التي يمكنها أن تقول شيئاً على ملعب الساحة الإعلامية، ومع مرور الأيام وبقدر ما كانت تتصاعد شعبيتها ضمن الساحة السورية والعربية كانت التقارير التي تشكك في انتمائها وولائها لوطنها الأم تزداد وضوحاً على صفحات المواقع الالكترونية التي كانت تنتظر أي مكان لوضع اتهامات تختلف حدتها بين عدم الوضوح أو اعتماد هوية ملتبسة من قبل ادراة القناة.
وعند طرد عدنان عبد الرزاق المدير الإقليمي السابق لها في سوريا زادت تلك المواقع الكترونية من حدة هجومها على ادراة القناة معلنة عن اقتراب موعد إغلاق مكتبها في دمشق وكأن استمرارية نجاح القناة سيتوقف بعد رحليه ... ! ( بحسب ما عبرت تلك المواقع) رغم انه استلم منصبه بها بعد فترة طويلة من إنشائها، لكن ما كان يعتبر مجرد إشاعات تحول مع مرور الأيام إلى حقيقية واقعة .... ومؤلمة تمثلت بإغلاق مكتبها بدمشق وتوقيع عدد من العاملين به على تعهدات بعدم العمل بها مرة أخرى، ليترك مصير استمرار مكتبها ضمن وطنها الأم سورية مرهوناً بالأيام القادمة وما قد ستحمله من مفاجآت.
سوء التغطية .... ووفقاً لكل ما ذكرت كان الحاكم والمسيطرة الأول على مختلف قطاعات الإعلام ضمن سوريا، والسبب الأكبر في هجرة اغلب الكوادر الإعلامية الشابة التي طال جلوسها مقاعد الانتظار نحو الخارج للعمل وإثبات ذاتهم وقدراتهم المدفونة أسفل تلك المقاعد وليكون قرار عودتهم في حكم الميت أو المنتحر في ظل أجواء يعمها السواد والضبابية وانتشار أصحاب العقول المتحجرة التي طالما أغلقت الأبواب في وجوههم.
مادة خاصة ومنشورة حصراً بالمدونة