31 أغسطس، 2009

المساكنة أو الزواج العرفي....واقع لابد الاعتراف به

مالك أبو خير
لم يخطر يوماً في ذهن القاطنين في البناء الواقع في إحدى مدن ريف دمشق أن زواج "منير" و "سلمى" كان عبارة عن مساكنة دون زواج شرعي، فتصرفاتهم وعلاقاتهم الجيدة مع أهل هذا البناء وتبادلهم الزيارات معهم كأي زوجين لم يوحي أو يولد الشك لأحد بغير ذلك، فهم كانوا معروفين بحسن سلوكهم وتعاملهم مع محيطهم والجوار، ولم تكشف هذه العلاقة على حقيقتها إلا عند اكتشاف والد سلمى لها ليأتي إلى منزلها مع عدد من الأقرباء محدثاً معركة دامية مع شريكها في السكن أو زوجها "منير" كما كان معروفاً للجميع، قصة واقعية حدثت وكادت نهايتها أن تكون مأساوية بحق الفتاة لولا تدخل أهل الخير وحلها بزواج الاثنين نظامياً.
المساكنة أو الزواج العرفي وبالرغم من عدم تقبل المجتمع ورفضه له جملة وتفصيلاً، إلا أنه بات حقيقة واقعة وموجودة بين صفوف شبابنا ومنتشرة بشكل ملحوظ، ولدرجة أن البعض بات يجاهر بها علناً ومن دون خجل لكونها من وجهة نظره الحل الوحيد للعيش مع من يحب متأملاً بتحولها مع مرور الأيام إلى ارتباط حقيقي، في حين يراها البعض مجالا لخوض الحياة الزوجية وممارسة العلاقة الجنسية ومن دون أي رابط يقيده وبالتالي الانفكاك منها عند أول خلاف أو عدم اتفاق.
"نهاد بصمجي" في السنة الرابعة كلية علم اجتماع تجد في مثل هذا النوع من الزواج أو الارتباط (ضرباً من الجنون) لكونه لا يحمل أي ضمان منطقي للفتاة التي تعيش هذه الحياة التي لا يمكن اعتبارها زوجية ولأسباب عديدة أهمها أنها في أي لحظة تصبح في الشارع ومن دون أي قدرة على تحصيل حقوقها، هذا بالإضافة للضرر النفسي والجسدي اللذين يلحقان بها.
في حين لم تجد "سارة. م" مانعاً من هذا الارتباط بشرط أن يتوفر الوعي اللازم للطرفين حيث تقول: ( هناك الكثير من العوائق الموجودة ضمن مجتمعنا التي تمنع الزواج كالاختلاف في المذهب أو الدين أو عدم موافقة الأهل على الزواج ولأسباب يمكن اعتبارها هنا اجتماعية، وبرأيي إذا توفر الوعي الكامل لدى الطرفين فإن هذا الارتباط قد يتحول إلى ارتباط حقيقي نتيجة لتمتن العلاقة بين الطرفين وبالتالي نجاحها في النهاية، فنحن دوماً نحكم على مثل هذه العلاقات بالفشل كوننا ما زلنا نرى الحياة وفق منطقنا الشرقي).

القانون ... وعدم المعارضة:

د. كندة شماط محامية وناشطة في مجال حقوق المرأة تجد من الزواج العرفي أو المساكنة من أهم العوامل التي تساعد على تهديم وهضم حقوق الفتاة بالكامل، فالرجل هنا قادر على التخلي عن زوجته أو صديقته في حال المساكنة ومن دون أن تستطيع مطالبته بأي مطلب من مطالبها أو تطبيق أي بند من البنود التي يمكن تطبيقها في حال الزواج النظامي، وبالتالي باتت الفتاة معرضة للطرد والحرمان من كافة الحقوق المنصوص عليها في القانون ومن دون أي مساءلة من قبل الجهات القضائية والمختصة.
وعن وجود مادة في القانون تعاقب أو تمنع حالة المساكنة تجيب د " شماط " : ( لا يوجد في القانون السوري أي مادة تمنع أو تعاقب المساكنة بين اثنين دون زواج شرعي، ولا يمكن اعتبارها تحت جرم الزنا إلا إذا تم الإبلاغ عنها للسلطات المختصة والتي تقوم باستدعاء الطرفين ودفعهما – كما يحدث غالباً – إلى إجراء عقد زواج نظامي).

ارتباط دون نهاية محددة:

أغلب التجارب التي أجرينا لقاءات معها ترى أنها أخذت القرار الذي يناسب المرحلة الراهنة وبانتظار أن تسنح الفرصة المناسبة ليتحول ارتباطهم أو زواجهم العرفي نحو العلن، فمنهم من يراها مجرد مرحلة عبور نحو الزواج في حين يراها البعض – ذكوراً وإناثاً – مجرد مرحلة عابرة من حياتهم وبعد ذلك يتجه كل منهما نحو حياته الخاصة.
مازن وهبة طالبان جامعيان، والحب على مقاعد الدراسة هو ما جمعهما في حين كانت العوائق التي منعت استمرار هذه العلاقة كثيرة أهمها اختلاف المذهب الديني، الأمر الذي دفعهما للفراق في العديد من المرات لكن الحب هو ما يعود ويمنعهما من الفراق مجدداً، ولتفادي الفراق قررا العيش ضمن نظام المساكنة حيث استأجرا منزلاً في إحدى مدن ريف دمشق مقنعين الجيران القاطنين في البناء أنهم في بداية زواجهما وقد انتقلا للتو للعيش في مسكنهم الجديد.
في البداية كنت مقتنعة بالفكرة تقول هبة : ( ففراقي عن مازن يعتبر ضرباً من المستحيل بالنسبة لي، لكن دوماً تكون الظروف أقوى من أي شيء، وخصوصاً بعد تخرجنا من الجامعة ووصولنا إلى مرحلة تعتبر حاسمة ألا وهي أن نكمل الطريق رغم معارضة الأهل من كلا الجانبين أو الفراق وبدء حياة جديدة لكل منا).
في النهاية لابد من الاعتراف بوجود هكذا نظام غربي بات منتشراً ومعتمداً من قبل الكثيرين من شبابنا، دون نسيان أن هذا النظام قد يكون في أغلب الأحيان مدمراً للكثير من الفتيات وسبباً في تشكيل أزمة نفسية قد تمتد لسنوات عديدة للتخلص منها لكونه لا يعتمد على أي معايير تحفظ حقوقها أمام القانون والمجتمع.
نشرت في موقع حكاية سورية

28 أغسطس، 2009

سوء التغطية ضمن ... إعلامنا السوري.


مالك أبو خير



يبدو أن سوء التغطية وانقطاع شبكات التواصل لم يقتصر على هواتف الخليوي لدينا في سورية، وإنما شمل هذا عدداً كبيراً من المرافق الحكومية كان الإعلام السوري أهم المتضررين منه.
في البداية كانت التجربة المريرة مع الإعلام الحكومي وانتشار سوء التغطية ضمن قطاعاته نتيجة لوجود مجموعات يمكن إطلاق العديد من التسميات عليها بدءاً من الشللية والتي تطورت عبر الزمن متحولةً إلى مافيا منظمة منعت دخول أي تطور ضمنه يفوق مستواهم الصحفي أو تطورهم مستواهم العقلي وصولاً إلى نشر فكر إعلامي متحجر ينبئ بكساد ضمن العقول الشابة الصاعدة للعمل حديثاً ضمن هذا القطاع العاجز عن فهم تركيبة علم الصحافة والإعلام، وتحجر هذا الإعلام وانحساره ضمن عقليات لا تعرف سوى طريق التراجع بصورة الإعلام، كانت من أهم الأسباب في بقاء الكوادر الإعلامية الجديدة تجلس مقاعد الانتظار، تنظر إلى ملعب الحياة الإعلامية بحسرة كبيرة لكون المدرب ما زال غير قادر على اخذ قرار نزولها ومشاركتها ساحة الملعب الإعلامي إلا بقرار يأتي من مالكي هذا الفريق وصاحبي الامتياز بحصصه وأرباحه.
ولكن عندما بدأ الإعلام الخاص يدخل ساحة هذا الملعب استبشر الإعلاميون السوريون وتحديداً جيل الشباب خيراً، لكونهم سيخرجون من مقاعدهم الاحتياطية نحو فرق جديدة يصنعها هذا الإعلام القادم عبر أموال خصصت كما قال أصحابها لخدمة الإعلام وبناء صروح إعلامية سورية تنافس ما هو موجود على الساحة العربية والعالمية...!، وبالفعل توجه الإعلاميون لطرق أبواب هذه الفرق الصاعدة، لكن المفاجأة الأولى التي صدموا بها، أن من فتح لهم الأبواب هو نفسه من قام بإغلاقها بوجههم ضمن القطاع الحكومي، وليعود هذه المرة بإغلاقها مجدداً معلناً عدم انضمام أي احد لفريقه الجديد المدعوم بمال خاص إلا من كانوا أوفياء له ضمن قطاعه الأم وهو القطاع الحكومي.
سوء التغطية هنا كان واضحاً منذ البداية، فمن كان مديراً لجهة ما في القطاع الحكومي، بات اليوم مديراً أيضاً لكن ضمن قطاع خاص يدعي الحيادية واختيار كوادره على أساس الخبرات والكفاءات المتوفرة من جيل الشباب، ليتم اختصار هذه الكفاءات بمجموعة من شخصيات تم انتقائها بعناية وبمعايير مختلفة أهمها من يملك القدرة العالية من التملق وجلب العدد الأكبر من اتصالات أصحاب النفوذ، الأمر الذي جعلنا نعود لدوامة الجلوس على مقاعد الفرق الاحتياطية من جديد ولكن هذه المرة بعد انقطاع الأمل الأخير بوجود فرص حقيقة تحمينا من وحش لطالما سكن قلوبنا ... ألا وهو البطالة وانتظار الفرج.

فرص عمل ... الكترونية:



عند بداية ظهور الإعلام الكتروني في سوريا ونشوء مؤسسات تعمل في مجال النشر الالكتروني، سعت هذه المؤسسات إلى استقطاب الكوادر الشبابية للعمل ضمن مجالها، لكونها على علم بحجم البطالة المنتشر بين صفوفهم وبالتالي فرضت عليهم شروطها ومن جميع النواحي بدءاً من مجال الأسلوب العام للموقع الكتروني وصولاً إلى الدخل المادي المخصص لهم والذي لا يتجاوز في أفضل المواقع 10 آلاف ليرة سورية، لتأخذ هذه المواقع مقابل هذا المبلغ جهدهم وكل ما يكمن أن تحتويه عقولهم، وباسلوب أشبه بالعمل التطوعي دون نسيان حالة التذمر الدائمة من أصحاب هذه المواقع وطلبهم المزيد رغم كل ما يقدم لهم، ولأكون صريحاً أكثر فأننا في سورية يمكننا أن نستثني القليل من هذه المواقع والتي لا تتبع كغيرها أسلوب "سوق الهال" في عملها وتعاملها مع موظفيها، والتي انعدم منها أسلوب العمل المهني الصحفي الحقيقي واتجهت نحو نقل والفضائح والجرائم وما قال هذا وما قال ذاك، دون العمل على بناء بنية صحفية حقيقية أو مدرسة حقيقية في مجال الصحافة والإعلام.
فعند دخولك لدى الكثير من أصحاب المواقع الكترونية لدينا في سورية والتي يوحي لك منظرها الخارجي بأنك على أبواب مؤسسة صحفية عالية المستوى، تفاجأ عند لقائك بمديرها أو رئيس التحرير لديها بأنك أمام شخصين لا ثالث لهما، أما انك أمام تاجر من "سوق الهال" بدمشق أو انك أمام قائد لفرقة انتحارية في أي لحظة يطلق رصاص الموت ويرديك قتيلاً، وبالتالي يصبح الصحفي إما منافقاً لتاجره الكريم أو صامتاً مخصياً خوفاً من رصاصة طائشة تنسف رأسه.
وبالرغم مما تدعيه هذه المواقع من توفيرها لفرص عمل لجيل الشباب، إلا أنها كانت سبباً في شل حركة التطور الحقيقي في الإعلام لدينا بالمقارنة مع العدد من الدول المجاورة لنا أو دول الغرب المتطورة في كل شيء وليس في الصحافة فقط، الأمر الذي جعل النفاق والتملق السبب الأهم في استمرار أي صحفي فيما المهنية وأسلوب الصياغة ونوعية المواد المطروحة هي أخر ما يتم تقييم الصحفي به.

الصحف المطبوعة ... ( قص ولصق):



هل جرب احد ولو مرة واحدة أن يدخل إلى إحدى مقرات الصحف أو المجلات المطبوعة في سوريا، وتوجيه سؤال إلى احد الموجودين عما يعمل وما يفعل وما هي شهاداته العلمية وما هي خبرته الصحفية.
الجواب طبعاً في حال أن قام احدهم بهذه الخطوة، أن النسبة الكبيرة من الموجودين لا ينتمون لعالم الصحافة من قريب أو من بعيد، وبالمقابل تجد أن نوعية المواد المطروحة ضمن صفحاتها لا تمت للإعلام بصلة بقدر ما تمت إلى سياسة ( شيل وحمل ).
فالصحف أو المجلات التي تتبع سياسة صحفية ذات معايير إعلامية حقيقية تكاد تعد على أصابع اليد، أما غيرها فهي مجموعة من غاسلي الأموال وتجار الظهور السريع ومن دون معرفة أسباب غناهم المترف قرروا فتح مجلات فنية أو اجتماعية ليتم توظيف كل حسناواتهم خلف مكاتبها.
وهنا نجد أن سوء التغطية متواجد وبقوة كبيرة، مع إمكانية ملاحظة على صفحات هذه المجلات من حيث النصوص المطروحة أو طريقة التصميم والإخراج الصحفي، دون نسيان سياسة ( القص واللصق ) صاحبة الفضل والأخير في انتشار المقالات ضمن صفحاتهم.

الفضائيات الخاصة السورية ... في ذمة الله:



قد يطول الشرح إذا ما أردنا الحديث عن الإعلام المرئي ومراحل المحنة الحقيقية التي مرت بها الفضائيات الخاصة في سوريا، والتي شهدت منذ بداياتها حالة من التغيب القسري نتجت من ظروف وقرارات حكومية أو من خلال إدارة القناة نفسها، وليكون سوء التغطية وصفها الوحيد بامتياز كبير، فقناة شام التي علق عليها الإعلاميون أمالهم علها تكون بداية لانطلاقة إعلام يخرج من القوالب التي حشر بها لسنوات عديدة، ليكون جواز السفر والهجرة نحو مصر الشقيقة نهاية أشرفت جهات مختصة على إيقافها وترتيب هجرتها ...ومن دون عودة.
وعندما ظهرت قناة الدنيا اعتمد القائمون عليها نهج خط سياسي، مع إهمال واضح منهم للبرامج والتي تعتبر الأساس في نشاط الصحفيين وعملهم، الأمر الذي جعل نشرات الأخبار السياسية والبرامج السياسية تحتل القسم الأكبر من عمل القناة فيما أسندت البرامج لمجموعة يمكن إطلاق وصف الهواة عليهم أكثر مما يمكن إطلاق لقب محترفين، وبالتالي كانت البرامج المنوعة الموجودة في بداية انطلاقتها لا تمت لنبض الشارع السوري لا من قريب أو من بعيد، دون نسيان ضعف كوادر المعدين ومقدمي البرامج الذين كان النقد اللاذع في المرصاد لهم عند نهاية كل حلقة من برامجهم.
وهذا يعود طبعاً لاعتماد القائمين على الخطط البرامجية آنذاك سياسة الانتقاء القائم على المعارف وتقديم الفائدة الشخصية على حساب العمل، واختيار من كانوا غير صالحين في تقديم تلك البرامج أو إعدادها.
وفي الأثناء التي كانت قناة الدنيا قد دخلت مرحلة تغير في طاقمها الإداري واستبداله بإدارة تمثلت بصعود شخصية غيرت موازين القوى داخل القناة وسرحت كل من كان له علاقة بالطاقم القديم من قريب أو بعيد، كانت قناة المشرق تعيش مرحلة بداية لامعة ومميزة، تمثلت عبر مجموعة من البرامج التي اشرف مدير القناة محمد عبد الرحيم على إعدادها وإطلاقها معتمداً بإخراجها وتقديمها على مجموعة من الكوادر الشابة التي كانت بشهادة الجميع سبباً في تقديم القناة بصورة محببة إلى قلوب المشاهدين، لتفتح بذلك القناة فرصة للعمل أمام كل الكوادر الشابة التي يمكنها أن تقول شيئاً على ملعب الساحة الإعلامية، ومع مرور الأيام وبقدر ما كانت تتصاعد شعبيتها ضمن الساحة السورية والعربية كانت التقارير التي تشكك في انتمائها وولائها لوطنها الأم تزداد وضوحاً على صفحات المواقع الالكترونية التي كانت تنتظر أي مكان لوضع اتهامات تختلف حدتها بين عدم الوضوح أو اعتماد هوية ملتبسة من قبل ادراة القناة.
وعند طرد عدنان عبد الرزاق المدير الإقليمي السابق لها في سوريا زادت تلك المواقع الكترونية من حدة هجومها على ادراة القناة معلنة عن اقتراب موعد إغلاق مكتبها في دمشق وكأن استمرارية نجاح القناة سيتوقف بعد رحليه ... ! ( بحسب ما عبرت تلك المواقع) رغم انه استلم منصبه بها بعد فترة طويلة من إنشائها، لكن ما كان يعتبر مجرد إشاعات تحول مع مرور الأيام إلى حقيقية واقعة .... ومؤلمة تمثلت بإغلاق مكتبها بدمشق وتوقيع عدد من العاملين به على تعهدات بعدم العمل بها مرة أخرى، ليترك مصير استمرار مكتبها ضمن وطنها الأم سورية مرهوناً بالأيام القادمة وما قد ستحمله من مفاجآت.
سوء التغطية .... ووفقاً لكل ما ذكرت كان الحاكم والمسيطرة الأول على مختلف قطاعات الإعلام ضمن سوريا، والسبب الأكبر في هجرة اغلب الكوادر الإعلامية الشابة التي طال جلوسها مقاعد الانتظار نحو الخارج للعمل وإثبات ذاتهم وقدراتهم المدفونة أسفل تلك المقاعد وليكون قرار عودتهم في حكم الميت أو المنتحر في ظل أجواء يعمها السواد والضبابية وانتشار أصحاب العقول المتحجرة التي طالما أغلقت الأبواب في وجوههم.




مادة خاصة ومنشورة حصراً بالمدونة

المساكنة أو الزواج العرفي .... واقع لابد من الاعتراف به

مالك أبو خير


لم يخطر يوماً في ذهن القاطنين في البناء الواقع في إحدى مدن ريف دمشق أن " منير " وزوجته " سلمى " كان زواجهما عبارة عن مساكنة دون زواج شرعي، فتصرفاتهم وعلاقاتهم الجيدة مع أهل هذا البناء وتبادلهم الزيارات معهم كأي زوجين لم يوحي أو يولد الشك لأحد بغير ذلك، فهم كانوا معروفين بحسن سلوكهم وتعاملهم مع محيطهم والجوار،ولم تكشف هذه العلاقة على حقيقتها إلا عندما اكتشاف والد سلمى لها ليأتي إلى منزلها مع عدد من الأقرباء محدثاً معركة دامية مع شريكها في السكن أو زوجها " منير " كما كان معروفاً للجميع، قصة واقعية حدثت وكادت نهايتها أن تكون مأساوية بحق الفتاة لولا تدخل أهل الخير وحلها بزواج الاثنين نظامياً.


المساكنة أو الزواج العرفي وبالرغم من عدم تقبل المجتمع ورفضه له جملة وتفصيلاً، إلا انه بات حقيقة واقعة وموجودة بين صفوف شبابنا ومنتشرة بشكل وملحوظ، ولدرجة أن البعض بات يجاهر بها علناً ومن دون خجل لكونها من وجهة نظره الحل الوحيد للعيش مع من يحب متأملاً بتحولها مع مرور الأيام إلى ارتباط حقيقي، في حين يراها البعض مجالا لخوض الحياة الزوجية وممارسة العلاقة الجنسية ومن دون أي رابط يقيده وبالتالي الانفكاك منها عند أو خلاف أو عدم اتفاق.


" نهاد بصمجي " في السنة الرابعة كلية علم اجتماع تجد في مثل هذا النوع من الزواج أو الارتباط (ضرباً من الجنون) لكونه لا يحمل أي ضمان منطقي للفتاة التي تعيش هذه الحياة التي لا يمكن اعتبارها زوجية ولأسباب عديدة أهمها أنها في أي لحظة تصبح في الشارع ومن دون أي قدرة على تحصيل حقوقها، هذا بالإضافة للضرر النفسي والجسدي اللذان يلحقان بها.
في حين لم تجد " سارة. م " مانعاً من هذا الارتباط بشرط أن يتوفر الوعي اللازم للطرفين حيث تقول: ( هناك الكثير من العوائق الموجودة ضمن مجتمعنا التي تمنع الزواج كالاختلاف في المذهب أو الدين أو عدم موافقة الأهل على الزواج ولأسباب يمكن اعتبارها هنا اجتماعية، وبرأي إذا توفر الوعي الكامل لدى الطرفين فإن هذا الارتباط قد يتحول إلى ارتباط حقيقي نتيجة لتمتن العلاقة بين الطرفين وبالتالي نجاحها في النهاية، فنحن دوما ً نحكم على مثل هكذا علاقات بالفشل كوننا ما زلنا نرى الحياة وفق منطقنا الشرقي).

القانون ... وعدم المعارضة:

"د. كندة شماط" محامية وناشطة في مجال حقوق المرأة تجد من الزواج العرفي أو المساكنة من أهم العوامل التي تساعد على تهديم وهضم حقوق الفتاة بالكامل، فالرجل هنا قادر عن التخلي عن زوجته أو صديقته في حال المساكنة ومن دون أن تستطيع مطالبته بأي مطلب من مطالبها أو تطبيق أي بند من البنود التي يمكن تطبيقها في حال الزواج النظامي، وبالتالي باتت الفتاة معرضة للطرد والحرمان من كافة الحقوق المنصوص عليها في القانون ومن دون أي مسألة من القبل الجهات القضائية والمختصة.
وعن وجود مادة في القانون تعاقب أو تمنع حالة المساكنة تجيب د " شماط " : ( لا يوجد في القانون السوري أي مادة تمنع أو تعاقب المساكنة بين اثنين دون زواج شرعي، ولا يمكن اعتبارها تحت جرم الزنا إلا تم الإبلاغ عنها للسلطات المختصة والتي تقوم باستدعاء الطرفين ودفعهما ( كما يحدث غالباً ) إلى إجراء عقد زواج نظامي).

ارتباط دون نهاية محددة:


اغلب التجارب التي أجرينا لقاءات معها ترى أنها أخذت القرار الذي يناسب المرحلة الراهنة وبانتظار أن تسنح الفرصة المناسبة ليتحول ارتباطهم أو زواجهم العرفي نحو العلن، فمنهم من يراها مجرد مرحلة عبور نحو الزواج في حين يراها البعض " ذكور وإناث " مجرد مرحلة عابرة من حياتهم وبعد ذلك يتجه كل منهما نحو حياته الخاصة.


" مازن و هبة " طالبان جامعيان، والحب على قاعد الدراسة هو ما جمعهما في حين كانت العوائق التي منعت استمرار هذه العلاقة كثيرة أهمها اختلاف المذهب الديني، الأمر الذي دفعهما للفراق في العديد من المرات لكن الحب هو ما يعود ويمنعهما من الفراق مجدداً، ولتفادي عدم الفراق قررا العيش ضمن نظام المساكنة حيث استأجرا منزلا ً في إحدى مدن ريف دمشق مقنعين الجيران القاطنين في البناء أنهم في بداية زواجهما وقد انتقلا للتو للعيش في مسكنهم الجديد.
في البداية كنت مقتنعة بالفكرة تقول هبة : ( ففراقي عن مازن يعتبر ضرب من المستحيل بالنسبة لي، لكن دوماً تكون الظروف أقوى من أي شيء، وخصوصاً بعد تخرجنا من الجامعة ووصولنا إلى مرحلة تعتبر حاسمة ألا وهي أن نكمل الطريق رغم معارضة الأهل من كلا الجانبين أو الفراق وبدء حياة جديدة لكل منا).

في النهاية لابد من الاعتراف بوجود هكذا نظام غربي بات منتشراً ومعتمداً من قبل الكثيرين من شبابنا، دون نسيان أن هذا النظام قد يكون في اغلب الأحيان مدمراً للكثير من الفتيات وسبباً في تشكيل أزمة نفسية قد تمتد لسنوات عديدة للتخلص منها لكونه لا يعتمد على أي معايير تحفظ حقوقها أمام القانون والمجتمع.

المرصد الوطني لرعاية الشباب ....هل هو مهيأ لتشخيص إصابات أنفلونزا الخنازير؟؟

مالك أبو خير


عند إعلان وزارة الصحة عن أول إصابة بمرض انفلونزا الخنازير في سورية، كانت ردود الفعل متباينة بين التصديق والتشكيك بأنها حقا الإصابة الأولى. ومع استمرار الإعلان عن اكتشاف المزيد من الحالات وتجاوزها عتبة العشرين حالة وما ترافق معه من خشية ارتفاع العدد إلى أكثر بذلك مع اقتراب موسم الشتاء الذي تزداد فيه قوة انتشار هذا المرض والأنواع الأخرى من الأنفلونزا يصبح التحرك من أجل اتخاذ إجراءات وقائية واحترازية أكثر ضرورة وسط استنفار عالمي لتطويق المرض والحد من انتشاره الذي قد يكون سريعاً في المناطق النائية والمكتظة.

وعلى ذلك اعتمدت وزارة الصحة في سورية عدداً من المراكز الصحية التابعة لها في المحافظات وحددت رقم هاتفي يتم الاتصال به في حال الشك بوجود المرض لدى احد المواطنين.
المرصد الوطني لرعاية الشباب كان احد المراكز التي تم اعتمادها من قبل الوزارة لفحص الحالات التي يشك بإصابتها بهذا المرض، حيث خصصت ضمنه غرفتين لاستقبال المرضى ولفحص الحالات التي يشك بأنها قد تكون مصابة، فالمرصد في الأساس خصص لمعالجة حالات الإدمان ويعاني من الكثير من المشاكل في مجال الطاقم الإداري والطبي من حيث عدم قدرة استيعاب كافة الحالات المحولة إليهم. مما يجعل من مهمة فحص المصابين بأنفلونزا الخنازير مهمة خطيرة وعبئاً يفوق قدرة المركز على تحمله وليس على المركز فحسب وإنما على الحالات المصابة أيضاً.

حالات دون وقاية أو متابعة:

مصادر خاصة من داخل المركز تحدثت عن وجود إهمال كبير في متابعة أو معالجة الحالات التي تأتي إلى المركز بطلب التأكد من خلوها من عدوى الأنفلونزا، والسبب هو عدم الجدية في التعاطي معها من قبل العاملين بالإضافة لعدم وجود نظام صحي عام يمنع من انتشار المرض واتساع رقعته بين المواطنين.
تؤكد السيدة التي فضلت عدم ذكر اسمها: النظام الصحي المتبع لدينا في غاية السوء وعملنا يقتصر عندما يأتي مواطن ما ويطلب فحص طبي لشكه بإصابته بالمرض بأخذ مسحة له فقط ومع أخذ رقم هاتفه وعنوانه، ولا نقوم بالاتصال به إلا عندما تكون المسحة " ايجابية " أي انه مصاب بالعدوى حيث نقوم بالاتصال به ونطلب منه مراجعتنا لتحويله نحو إحدى المراكز المختصة للعلاج، وهنا تكمن الخطورة لكونه ومن الواجب أن يتم عزل الشخص الذي يأتي إلينا لشكه بوجود هذا المرض ولا يتم تركه إلا عندما نتأكد من خلوه من هذا المرض، لا أن يتم اخذ المسحة ومن ثم الاتصال به عند التأكد من الإصابة لكون اليوم أو اليومين الفاصلين بين ظهور نتيجة المسحة كفيلة بنقل ونشر العدوى للكثيرين من حوله، ففي إحدى الأيام راجعتنا سيدة تقطن في إحدى المناطق النائية بريف دمشق وطلبت إجراء فحص لها نتيجة لتأزم حالتها وبعد يوم من أخذ المسحة اتصلنا بها نظراً لكون نتيجتها إيجابية وعند قدومها إلى المركز تبين أنها نقلت العدوى إلى زوجها وأطفالها الأربعة وزميلتها في العمل واثنين من أقاربها بالإضافة إلى جارتها، فلو أننا قمنا بالحجر عليها لحين التأكد من الإصابة لمنعنا العدوى من الانتشار إلى اغلب تلك الإصابات، فضلاً إلى أن القليل من المواطنين من يأتون للمراجعة في حال إصابتهم لخوفهم من تعرضهم للعزل وهناك من يعتقد أن إصابته بمثابة الفضيحة وخسران لمركزه الاجتماعي، وهنا تكمن مشكلة جهل اجتماعي اكبر لابد من العمل على تجاوزها والتخلص منها.

لا استعداد لموسم الشتاء:

من المعروف أن أجسادنا تتعرض خلال فصل الشتاء لحوالي 80 نوع من الأنفلونزا البعض منها قادر على رفع حرارة الجسم والتسبب بإعراض شبيه بأعراض أنفلونزا الخنازير وعند سؤالنا للمصدر عن إجراءات المركز أو وزارة الصحة لما سيحدث خلال موسم الشتاء يجيب: ( لاشي من الممكن حالياً أن تقوم به الوزارة تجاه ما سيحدث في فصل الشتاء رغم معرفتها تماماً أن هذا الوباء سيعاود نشاطه بشكل أقوى بكثير من فصل الصيف وسيكون انتشار وسرعة العدوى به أقوى بكثير وقد ترتفع نسب الإصابة إلى أعلى مما هي عليه الآن، وقد يستغرب البعض عندما أقول ذلك، لان الأمر مرمي بالكامل على " لطف الله عز وجل بنا" واللقاح الخاص بالمرض لا يعطى إلا عن طريق وزارة الصحة حصراً بحيث إذا أراد مواطن من الساحل السوري أو ريف حلب مثلاً أخذ هذا اللقاح فعليه تحمل عناء السفر إلى دمشق لأخذه بدلا من أن تقوم الوزارة بتعميمه على مركزها في المحافظات بل حتى العمل على توجيه المواطنين بضرورة أخذه خوفاً من انتشاره بشكل كبير خلال فترة الشتاء).

على ما يبدو أن الإهمال الذي ضرب اغلب مرافقنا الحكومية وكان مخفياً وغير واضح للعيان سيكون واضحاً خلال موسم الشتاء عندما يكون سبباً في زيادة عدد الإصابات بهذا الوباء الذي وضعت له العديد من دول العالم النامية منها والمتقدمة حلولاً وخططاً لمواجهته، في حين أننا ما زلنا ننتظر قدوم " رحمة إلهية " لشفاء من قد يصابون به والذين باتت أعدادهم في ازدياد مضطرد يخشى البعض أنه يفوق ما تصرح به وزارتنا العتيدة.

نشرت في مجلة الثرى الكترونية.

مشفى السويداء... يداوي الناس وهو عليل


جديع دواره – سيريانيوز


"ما قيمة مشفى عام اذا لم يكن قادرا على إجراء اختبار بسيط للمريض سنعرف على أساسه ان كان يحتاج إلى عمل جراحي ام لا.."، هذا ما يقوله الطبيب الجراح نادر ابو الخير وذلك بسياق حديثة عن النواقص العديدة التي يعاني منها مشفى زيد الشريطي(مشفى عام) الذي تعتمد عليه محافظة السويداء بأكملها.
نقص الأجهزة وصل إلى أكثر 48 جهاز طبي (أشعة وتنظير) و36 جهاز للمخابر وفقا لكتب من مديرية الصحة بالسويداء تطلب من الوزارة تزويدها بتلك الأجهزة لضرورتها الملحة دون جدوى.
اما الأجهزة الموجودة فهي قديمة وتتعطل بشكل متكرر، جهاز الطبقي المحوري الوحيد بالمشفى تعطل اخر مرة لمدة 8 أشهر متواصلة، وجرى إصلاحه منذ ايام، وهناك أجهزة أساسية غير موجودة لا بالمشفى ولا بكل المراكز الصحية في المحافظة مثل جهاز الرنين المغناطيسي وتفتيت الحصى وغيرهما.
كأنه لا يكفي المشفى عدم قدرته على تطوير أدواته وأجهزته بسبب ضعف مخصصاته المالية، ليواجه نوعا اخر من المشاكل، حيث كشفت مصادر مسؤولة بالمشفى قيام الإدارة السابقة بشراء مستلزمات الطبية(الشاش) وأدوية بأسعار مضاعفة، كما كشفت عن قضية إصلاح المصاعد، التي كادت ان تؤدي إلى خسائر بعشرات الملايين.
الانتظار أو الانتحار..
المريضة (عفاف.د) راجعت احد الأطباء – من العاملين بالمشفى- بعيادته الخاصة اكثر من مرة وحولها للمشفى لإجراء عملية المرارة، انتظرت كما تقول منذ شهر نيسان لغاية الاول من أب الحالي (4 اشهر) وتمكنت أخيرا من الحصول على دور، والمبرر ان جهاز التنظير الجراحي معطل.
الطبيب الجراح نادر ابو الخير يصف حالة الاجهزة قائلا "توقفت العمليات شهرين في الجراحة التنظيرية، بسبب عطل وصلة الغاز في جهاز التنظير..! وتعطل كبل الكاميرا وأرسلوه للصيانة منذ سنه ولم يتم إصلاحه..! ولا يوجد جهاز شوارد إسعافي في العناية المشددة.. وهناك أداة جراحه اسمها "الهوك"، لم يعد ممكنا العمل بها ويمكن لها ان تؤذي، ونضطر إلى استخدام بدائل...".
يتابع الجراح ابو الخير" هذه أمور ليست غالية الثمن، فهي موجودة حتى بالمشافي الخاصة الصغيرة، حتى (الاملاز) لا نجده احيانا، وهو كاشف مخبري نحدد على أساسه اذا كان المريض يحتاج إلى عمل جراحي ام لا".
المريضة عفاف لم يكن أمامها خيارا اخر غير الانتظار، فماذا عن الحالات التي لا ينفع معها الانتظار، اين ذهبت وماذا فعلت..؟ .
يقول شاب يسكن في إحدى قرى المحافظة (رفض الكشف عن اسمه) "أصيبت والدتي بجلطة دماغية في 16/1/2009 وطلب الطبيب صورة طبقي محوري، والأمر لا يحتمل التأجيل، اتصلنا بمشفى السويداء وكان الرد بأن الجهاز معطل، وبحثنا في مدينة السويداء فلم نجد جهاز طبقي محوري، لا خاص ولا عام، قمنا بإسعافها ليلا من السويداء إلى مشفى خاص بدمشق، رغم خطورة نقلها..".
أجهزة قديمة ومعطلة
في جولة لسيريانيوز على المشفى، اشتكى معظم رؤساء الأقسام من تعطل أجهزة بسبب قدمها، رئيس قسم الأشعة علاء زيتوني يقول "جهاز الطبقي المحور تم إصلاحه بعد تعطل دام 8 أشهر، الآن نستقبل نحو 25 مريض يوميا، والدور فقط ليومين ثلاثة، كنا نرسلهم إلى مشفى صلخد (30 كليو متر)".
لكن زيتوني يكشف بأن "جهاز تصوير "ضليل وبسيط" معطل منذ أربع سنوات، ويوجد جهازين غيره لكنهما يتعطلان أيضا، والدور يصل إلى 10 أيام للحصول على صورة، آما حالات استسقاء الكلوي فإننا نمشيه فوراً.."
والأجهزة التي يحتاجها قسم الأشعة بحسب زيتوني" جهاز تصوير صدر وعمود رقبة، لدينا جهاز لكن عمره أكثر من 30 عاما وعليه ضغط، البارحة تعطل واليوم تم إصلاحه، ونحتاج إلى جهازين تصوير نقال للعظمية والحواضن، كي نستطيع تصوير المرضى في أقسامهم ، طلبناهما من الوزارة منذ سنه ولم نتلق جواباً، ونحتاج إلى جهاز رنين مغناطيسي، حيث انه لا يوجد بكل محتفظة السويداء مثل هكذا جهاز".
أجهزة غير موجودة
في قسم العناية الاسعافية الذي يستقبل بين 60 -70 مريض شهريا يؤكد رئيس الممرضين مهران الدبس" نحن بحاجة ماسة إلى جهاز نقال لتصوير الصدر، الآن نأخذ المرضى إلى قسم الاشعة مما يعرضهم للخطر، ويعرضنا إلى الاشعة، لأننا نبقى قربهم أثناء التصوير لتأمين التنفس الاصطناعي لهم".
ويكشف عن وجود "جهاز معطل منذ 4-5 سنوات"، وينوه إلى ان أسرة المرضى قديمة وتقنياتها وحركاتها لا تناسب حالات العناية المشددة، ولا يوجد لدينا جهاز "مونيتير" مركزي، ونحتاج إلى مضخات تسريب ادوية، حيث لا يوجد بالمشفى سوى جهازين..".
أما قسم العناية القلبية الذي يتسع لـ42 مريض، فإن جهاز اختبار الجهد معطل منذ 6 اشهر بسبب كثرة الاستخدام وهو الجهاز الوحيد بالمشفى بحسب رئيس الممرضين بالقسم حسان الخطيب الذي أضاف" نحتاج إلى وحدة مراقبة "مونيتير" ونحتاج إلى منافس فلا يوجد لدينا سوى واحدة وهي لم تدخل العمل لانه لا يوجد مَنْ يعمل عليها، ونحتاج إلى 8 مضخات..!".
في قسم العمليات العامة حيث يتم إجراء بين 25 إلى 30 عمل جراحي يوميا، فان بعض طاولات العمليات قديمة والأضواء التي تكشف" ساحة العملية" لا تعمل بالشكل المطلوب وفقا لرئيسة الممرضين بالقسم فريال نصرالدين التي أضافت" هذا ليس قسم عمليات كل شخص يستطيع ان يدخل متى يريد وبالطريقة التي يريد، انا لا استطيع ان اقف شرطي، حتى الاطباء يدخلون بلباسهم المدني.." وفعلا لاحظنا وجود "كادر طبي" حول مريض في غرفة العمليات يرتدون في أقدامهم أحذيتهم العادية دون اي واقٍ، وتنتشر على الارض شراشف ملوثة، ويلاحظ وجود بقايا شاش وأوساخ حول سلة المهملات في ممر القسم.
اما في قسم الكلية فانه لايوجد سوى 10 اجهزة غسل كلي، كل جهاز يغسل لنحو 4_5 مرضى باليوم، ورغم الضغط فان رئيسة القسم خلود بحصاص تعتبر بان العدد كافٍ (مع العلم انه لا يوجد بالمحافظة اي مشفى اخر تخصصي بالكلى)، لكنها تلفت إلى "عدم وجود معقم لتعقيم الأدوات الجراحية، نضطر إلى التعقيم بالأقسام الأخرى، مما يعرض الأدوات للسقوط اثناء النقل.."
وتمنت بحصاص" وجود ابر حديثة لمرضى الغسيل، بحث تغني عن فتح وريدين كما يتم الان"، واشارت إلى نقص ببعض الادوية (وان الفا) و(فينومنير)، وتحدثت زميلتها وعد قريشه في قسم الاطفال عن عدم وجود دواء (روسيف) مما يضطرهم إلى استخدام بديل، لكن حتى البديل غير موجود الان.
مراسلات بلا جواب
في كتاب( مرفق1) موجه من مديرية الصحة بالسويداء إلى وزير الصحة برقم 4181 تاريخ 9/6 /2009 تطلب المديرية تأمين نحو 48 جهاز لكل من مشفى السويداء ومشفى صلخد(يبعد عن السويداء نحو 30 كيلو متر) منها أجهزة تنظير جراحي وهضمية وتخطيط وايكو دوبلر قلبية وغيرها، ولغاية الان لم يتم تأمين اي من الأجهزة المذكورة.
وفي كتاب (مرفق 2) بتاريخ 2/4/2009 موجه من مدير المشفى د.مقلد إلى عضو القيادة القطرية من محافظة السويداء د. بسام جانبيه، يطلب اليه التنسيق مع الجهات المعنية لتوفير الاجهزة، دون نتيجة تذكر.
وفي اكثر من كتاب (مرفق 3) موجه من رئيس قسم المخبر في المشفى إلى مديرية مخابر الصحة العامة بدمشق يطلب" الرجاء بالسرعة القصوى تأمين".. نحو 36 جهاز لتغطية احتياجات المراكز الصحية والمشافي بالمحافظة.
ضيق وقلة نظافة
تصف رئيسة قسم التوليد سناء عماشة حالة القسم المصمم أساسا كمستودع" غير قابل للخدمة الانسانية (خنقه) المكيفات لا تعمل، لا تهوية ولا شبابيك والجميع يعاني من ضيق تنفس، المحافظ في جولته قال انه لا يصلح للاستخدام الانساني.."
اما قسم الاطفال (مؤلف من ثلاث غرف) اوضحت رئيسة القسم وعد قريشة "نضع بكل غرفة ثمانية أطفال بدلا من ستة، وفي الشتاء يصبح الضغط اكبر فنوزع المرضى على الأقسام الأخرى..".
قسم الأشعة يستخدم كمدخل للمشفى، وهو لم يرمم منذ عام 1958 وفقا لزيتوني الذي يصفه بأنه ضيق "جدا جدا واذا وقع حادث فإننا نضرب بعضنا البعض".
اما قسم العناية الاسعافية فهو غرفة واحدة عرضها لا يتجاوز ستة امتار، واشتكت الممرضات انهن يتقاسمن نفس الغرفة مع المرضى، ويأكلن فيها ولا يوجد مكان مخصص ليبدلن ثيابهن، (يقتطعن حيز صغير من الغرفة بشرشف) ولا يوجد اي عزل لا بين المرضى ولا بينهم وبين المرضى، ويستخدمن نفس الحمام الذي يجري تفريغ مفرزات اجهزة المرضى فيه ، مما يشكل خطر على حياتهن كما تقول الممرضة مرفت منذر.
وقسم الكلية يستخدم كممر بين كتلتي البناء، مما يجعل من الصعب ضبط النظافة وفقا لرئيسة القسم، وقسم العمليات له مدخلين مما يجعل من الصعب إحكام الدخول اليه.
اثناء جولتنا شاهدنا اكثر من قطة في قسم الأطفال، وبحسب الممرضة قريشه يوجد خمس قطط، وفي قسم الاشعة لم ينكر رئيس القسم وجود جرادين (يتم مكافحتها بمواد قاتله) وفي الممر بين كتلتي البناء شاهدنا بيض مكسور في الأرض، وبقايا شاش..واشتكت شقيقة المريضة عفاف من الغبار المتطاير اثناء قص الرخام أمام غرفة العمليات مباشرة حيث كانت تنتظر شقيقتها..
مدير المشفى د.عدنان مقلد اهتم بكل الملاحظات التي وثقناها في جولتنا وأوضح بأن "البناء بالأساس تركيبته غلط، يوجد 16 مدخل للمشفى ولا يوجد سور، واتت عملية الترميم مع الاستمرار باستقبال المرضى لتزيد الأمر تعقيداً.."
توزيع الكوادر الطبية..
يوجود 4700 موظف لدى مديرية صحة السويداء، ويوجد 90 مركز طبي ومشفى السويداء ومشفى صلخد، وفقط يوجد 12 قرية لا يوجد بها مركز طبي.
رغم هذا فان رئيسة المرضين في قسم الكلية خلود بحصاص تشتكي من عدم وجود " طبيب مقيم ليساعدنا في الحالات الاسعافيه، نحن نتصرف وفق معرفتنا كممرضين، ويوجد نقص في عدد الممرضين..".
ورئيس قسم العناية القلبية حسان الخطيب يقول" الكادر الطبي لدينا غير كاف، يوجد طبيب واحد وهو يغطي اكثر من قسم وحين يطلبونه إلى الإسعاف يترك مرضانا ويذهب مما يشكل خطر على حياتهم.."
من المعروف وفقا لمدير المشفى د. مقلد بان الاطباء بعد الجولة الصباحية اي الساعة العاشرة ونصف صباحا أو الحادية عشر بأحسن الاحوال يغادرون المشفى إلى عياداتهم الخاصة، "كل الجهات تعلم هذا" على الرغم من انهم موظفين لدى وزارة الصحة اي ان دوامهم الرسمي ينتهي في الثالثة والنصف بعد الظهر، واذا احتاج المشفى لطبيب يطلبه على الهاتف، ومبررهم بحسب مقلد هو تدني الرواتب.
اما الأطباء المقيمين ايضا عددهم غير كاف، وتراجع من 120 طبيب عام 1995 إلى نحو 55 طبيب بكل المراكز الطبية بالمحافظة، ويعتقد د.مقلد بان احد الاسباب هو السماح للطبيب المقيم بالسفر إلى السعودية (وفق اتفاق خاص)، بحيث يستطيع ضم الإقامة هناك إلى خدمته هنا، وفرق الرواتب جعل كثيرين منهم يفضلون السفر وإنهاء سنوات الإقامة هناك.
اما عن الممرضين وباقي العناصر، فانه من المعروف وفقا لمدير المشفى بان توزيعهم على المراكز الصحية في قرى المحافظة، لا يتم وفق الحاجة، حيث نجد ان هناك 125 موظف في مركز قرية (الثعلة) و115 موظف في مركز (القريا)، وكذلك باقي المراكز.
وبحسب مصدر مطلع فان بعضهم يجلب معه كرسي من بيته ليجلس عليها، لان المركز لا يتسع لهم، وهم يقتسمون الدوام، كل موظف يداوم يوم واحد بالأسبوع.. مدير المشفى ينقل عن وزير الصحة السابق قوله بانه عجز عن نقل ممرض من مركز في إحدى القرى إلى المشفى، حيث لم يبق شخص الا وتدخل من اجل عدم نقله، والحل برأي المدير " فليمنحونا القرار ونحن نتصرف.."
سوء إدارة أم أكثر..؟
رغم كل المشاكل التي يعاني منها المشفى، لم يكن ممكنا تجاهل حديث مدير الصحة د. امين بدرية ومدير المشفى د. مقلد عن المصعدين اللذين قررت لجنة فنية تنسيقهما، ليكتشف موظف بان إصلاحهما ممكنا، وعن شراء الأدوية بأسعار مرتفعة.
المصعدين وفقا للرواية تعطلا بعد تركيبهما بأشهر،(تقدر قيمتهما الان بنحو 30 مليون) واستمر تعطلهما نحو 7 سنوات، وحين تقرر إصلاحهما، ضمن عملية الترميم الجارية بالمشفى، تم استدعاء المتعهد (بسام السبع) المتعاقد مع الوزارة وهو من قام بتركيبهما بموجب عقد مع وزارة الصحة، لم يقبل السبع بحسب مدير الصحة اقل من 50 الف فقط اجرة الكشف عليهما، وبعد الكشف خلص إلى انه يجب تحويلهما إلى نصف الي بدلا من الالي، وبان هذا التحويل سيكلف نحو مليونين ليرة..
تشكلت لجنة لدارسة الامر ( الانشاءات العسكرية والدراسات) وخلصت إلى انه من الأفضل تنسيق المصعدين وشراء مصعدين جديدين، وتم التعاقد فعلا مع الإنشاءات على نزع المصعدين وتركيب آخرين محلهما بقيمة 4 مليون.
لكن موظف الصيانة في المشفى (مأمون ابو عمار) ألح على مدير الصحة كي يعرض على احد معارفه وهو مهندس مختص بالمصاعد، وذلك قبل توقيع العقد مع الإنشاءات باسبوع، وفعلا اتى المهندس، ولاحظ بان المصعدين يعودان إلى شركة (كوني) وليس لشركة(سبيم) التي اشترى المتعهد منها المصعدين، وزود الصحة بأرقام هواتف الشركة، فتم الاتصال بها، وأرسلت الشركة لجنة وكشفت على المصعدين، وحددت بان عطلهما بسيط، ويمكن إصلاحهما خلال ايام، وتم التعاقد بمبلغ 375 الف، وعاد المصعدان إلى العمل..".
اما عن الشاش يكشف مدير المشفى د.مقلد، "لقد غيرنا طريقة الشراء من الطريقة المباشرة إلى طريقة العقود، حيث كانت الادارة السابقة تعتمد الطريقة المباشرة في 80% من عمليات الشراء، نحن قلبنا المعادلة، فمثلا كانوا يشترون شاش سنويا بقيمة 12 مليون، دفعة وراء اخرى، كل دفعه تكفي لأسبوع أو اسبوعين فقط، والأسعار مرتفعة بحجة انهم يشترون من قطاع الدولة (فارمكس)، نحن استطعنا ان نشتري نفس الكمية بـ3 مليون..! وعاملنا فارمكس كما غيرها من الشركات".
ويكشف د.مقلد" كانوا يشترون السيرنك الواحد بقيمة 4 ليرات، ونحن الان 1.80 قرش، استطعنا توفير 5 مليون بالسيرنكات فقط.. هم كانو يشترون احد الادوية بـ110 ل.س بطريقة الشراء المباشر، ونحن نشتريه الان بـ27 ل.س..."
ترميم وانتقادات..
في كل قسم بمشفى السويداء الذي يتسع لـ400 مريض تسمع قصة مختلفة عن الأخرى والجامع بينها نقص التجهيزات الطبية وعدم تحديث القديم منها وضيق الاماكن، ونقص الكادر الطبي وعدم التزام الأطباء بدوامهم، ومع كل هذا فان مئات المرضى خاصة من ذوي الدخل المحدود يقصدون المشفى ويتم تلبية حاجتهم وفق الامانيات الموجودة.
يشهد المشفى (تم بناؤه ايام الوحدة 1958)عملية ترميم بقيمة 400 مليون ليرة، توقفت لزمن، ثم استؤنفت من قبل الإنشاءات عام 2004 ومازالت مستمرة ويتوقع لها ان تنتهي مع نهاية العام بحسب مدير المشفى.
على الرغم من أهمية هذا المشروع الترميمي المكلف، الذي يعتني بالبناء كبناء دون المحتويات، فان بعض المهتمين بينهم مدير المشفى ومعاونه يعتقدون انه كان من الأفضل ازلة البناء بالكامل وإقامة اخر بدلاً منه، لان "المشفى بالأساس تصميمه خطأ بخطأ والترميم الحالي لن يحل المشكلة".

22 أغسطس، 2009

سامر المصري وباب الحارة ... من الخنجر إلى " الشنتيانه"


مالك أبو خير


لم يتوقع أي أحد من متابعي مسلسل باب الحارة عبر سلسلة أجزائه الفانتازية ذات النسيج الخيالي بامتياز، أن يتم تغييب عكيد الحارة " أبو شهاب " قائد الثورة الكبرى في دمشق وحاراتها العتيقة، وان تكون نهايته الاختفاء وبشكل لا يحمل أي نوع من المنطقية لسير العمل الدرامي والتي يمكن أن نسميها هروباً من مشاركته لزملائه الممثلون في مقاومة "الكومبارس الغاصبين" الذين أرادوا احتلال حارات الشام واغتصاب المدينة التمثلية الواقعة على ارض مطار دمشق الدولي، والسبب على ما يبدو أن مخرج المسلسل و مهندس هذه الثورة " بسام الملا " لم يرق له أن يأخذ " عكيد الحارة" حجماً أكبر من الحجم الموضوع له على نص المسلسل، فقد أراده أن يكون منفذاً لتعليمات التي توضع له من قبله ومن قبل الكاتب، حيث وعد الأخير المشاهدين بأن يتحفهم بجزء رابع مغاير تماماً عن الأجزاء السابقة والتي لعبت به أحاديث النساء و " قلقلاتهم " الدور الفعال في سير أحداث المسلسل الدرامية، وواعداً بتحويلهم من دور الصامتات الراكعات لرجالهن إلى دور المقاومات الحاميات لهذا الوطن من الاحتلال الفرنسي الغاصب.

وباختفاء " أبو شهاب " كانت نهاية سامر المصري الشامية على شاشاتنا خلال شهر رمضان الكريم، الأمر الذي سبب له أزمة نفسيةً على ما يبدو لكونه في هذا الشهر الكريم لن يكون حامي الأرض وكرامة هذا الوطن، لتكون ردة فعله على الطعنة الغادرة في الظهر والتي جعلته يبدو " بمظهر الهارب من ارض المعركة" بالبحث السريع عن خيارات أخرى يكون بها المنقذ لشرف الأمة وبالفعل توجه نحو حارة أخرى ومخرج وكومبارس آخرين وضعهم أمامه وبدأ الاقتتال معهم في سبيل تحقيق النصر الإلهي مسمياً عمله الجديد " بالشام العدية "، تلك الشام التي باتت الآن على أبواب عراك حضاري جديد تتفاعل من خلاله مع كل الحضارات الأخرى وتأخذ وتعطي في ظل هذا التطور في شتى مجالات الحياة ولربما كانت الثقافة الفرنسية والايطالية والبريطانية التي تغنى أبطال ومهندسو هذه المسلسلات الفانتازية في محاربتها ومقارعتها، ولكن عندما يخرجون من مواقع التصوير البطولية التي سالت عليها دماء الممثلين مع الكومبارس تراهم يركبون سيارات ولبسوا من أقمشة كان من حاربوهم في مواقع التصوير وانتصروا عليهم هم من صنعوها ونسجوها.
وهنا لابد من الوقوف " دقيقة صمت" ولكن ليست على أرواح من استشهدوا في مواقع التصوير، وإنما على عقول أشخاص لطالما اعتبرناهم صناع الدراما التي نأمل أن نغزوا من خلالها من لم نستطع مقاومتهم ومحاربة أفكارهم التخريبية عبر افلاهم التي جعلت عقول الكثيرين من أجيالنا ترى العنف والجنس الأساس الأول في الحياة ولعلهم هم أنفسهم من يقاتلهم إبطالنا الشجعان ضمن مواقع التصوير وينتصرون عليهم تمثيلياً في حين يهزمون وهم وأبناء جيلهم في كل لحظة من لحظات هذه الحياة، والجميل بالأمر أنه وبدلا من العمل عبر الدراما على ترسيخ ونقل التاريخ الحقيقي وجدنا بالفانتازيا والتي تعتبر ضرباً من الخيال البحت التي أشرف الكاتب والمخرج على جعلها حقيقة واقعة في عقول الكثيرين، فنحن وخلال هذه الأجزاء لم نرى ذكراً لإبراهيم هنانو مثلاً والذي يعتبر المهندس الفكري لثورة المنطقة الوسطى والداعي الأهم لوجود حياة سياسية حرة ومستقلة في البلاد ولا لرجال جبال العرب وسلطان الأطرش الذين بدوا وكأنهم كانوا في فترة الثورة يلعبون النرد وسهرات الورق حتى الصباح، ولم يذكر المفكرون السياسيون الذين ساهموا في هندسة الحياة السياسية في سورية ونقل للعرب وللمشاهدين في جميع دول العالم أن أبو شهاب قائد الثورة وبسام الملا مهندسها وصانعها، وعند السؤال عن سبب هذا .... يكون الجواب أنها فانتازيا تاريخية لا أكثر ولا أقل، لتنحصر الثورة التي انطلقت أثناء الاحتلال الفرنسي ضمن حارة أبو شهاب ومساندة حارة أبو النار لها.


من الخنجر ... إلى " الشنتيانة" :


بات من الملاحظ ما بدأت تورثه هكذا نوع من الفانتازيا لجيل ما زال ينمو ضمن مدارسنا وشوارعنا، فبعد عرض الأجزاء من مسلسل باب الحارة والمسلسلات الشبيهة له انتشرت ضمن جيوب أطفالنا وجيل المراهقين لدينا مجموعة مشابهة من السكاكين والأسلحة البيضاء التي كانت تستخدم ضمن هذه المسلسلات كنوع من التقليد والتشبيه بما يشاهدونه، ولم يقتصر هذا الانتشار على حملها فقط بل تعدى إلى استخدامها في الكثير من الأحيان كما حصل في المدارس التابعة لريف دمشق ومدينة السويداء وريف حلب والساحل السوري وغيرها من المناطق التي كتبت الصحف السورية حوادث طعن حدثت ضمن مدارسها وبين طلاب لم يتجاوزوا الخامسة عشر من العمر، مما أدى إلى إصابات وعاهات لدى البعض كما حدث في إحدى مدارس ريف دمشق في حين تم إيداع البعض الآخر سجن الإحداث، وكل هذا بسبب أن البعض من صناع الدراما لدينا يريد أن يظهر بطولاته الفانتازية وقدرته على ركوب الخيل ومحاربة الكومبارس، ودونما أي سؤال عما قد تسببه بطولاته من ترسيخ لمبدأ عنفي يحتل بسهولة كبيرة عقول المراهقين وتفكيرهم.
والأجمل بالأمر أن بطلنا سامر المصري اطل علينا ضمن إعلان تلفزيوني على إحدى الفضائيات معلنا بداية ثورة جديدة سيقوم بشنها عبر إحدى مسلسلاته ومؤكداً خلال هذا الإعلان انه ابرع من استخدم " الشنتيانة " في الشام وضواحيها مبشراً بولادة سلاح جديد من الممكن استخدامه للمراهقين والأطفال ضمن مدارسهم وشوارعهم، ومن الممكن أن يعطينا عدد من الدروس في تقنيات استخدامه وتطبيقاته الخاصة به، ولعله بدأ بتعليم هذه التطبيقات ومباشرة من خلال المشاهد الأولى من المسلسل عبر قتاله مع أكثر من 50 كومبارساً وهزيمتهم من خلال هذه الشنتيانة " اللاهية " التي استطاعت تحقيق نصر فعال رغم تسلح الكومبارس الفرنسيين بأسلحة ومعدات متطورة.
فألا يكفينا ما سيقدمه مسلسل باب الحارة هذا العام من أساليب قتالية جديدة سنجد أيضاً بطلنا العتيد يعلمنا فنون أخرى من أنواع القتال والمعارك الوهمية التي لا تفيد المشاهد بشيء لا من قريب أو من بعيد، سوى أننا سنرى سلاحاً جديداً بين أيدي أطفالنا وضمن مدارسنا وسنشهد عددا متزايدا من الأطفال في سجن الأحداث وعددا متزايداً من الجرحى قد ينال الأساتذة نصيباً جيداً منه.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ... هل نحن بحاجة لمثل هذه الجرعات الدرامية الفانتازية؟ وما هي الفائدة التي تعود بها علينا؟ ...... الجواب كلا فنحن بحاجة لجرعة من الدراما التي تغذي نفوسنا وتطرح قضايانا وتساهم في وضع الحلول، فمسلسل " ليس سراباً " برأي وبرأي الكثيرين كان انتصاراً حقيقياً لفنانين حقيقيين بدأً من الكاتب والممثلين وحتى المخرج يجب أن نقف لهم وقفة احترام لطرحهم لقضية لا بد من طرحها وبقوة ضمن مجتمع بدأ يتفاعل مع نفسه ومع الغير بقوة كبيرة، ومسلسل ندى الأيام أو فسحة سماوية اللذان طرحا مفاهيم وقضايا عن المرأة ومعاناتها ضمن مجتمعنا وطالبا بحقوقها هم من نحن بحاجة إليهم لا أن نجعل نسائنا كالنساء الأفغانيات والتي قدمهم باب الحارة عبر أجزائه بصورة مشابهة تماماً، فنحن نريد من الدراما السورية أن تطرح واقعنا وتحاول أن تقدم حلولاً مناسبة لا أن ننتقل من حمل الخنجر والتباهي به ضمن مسلسلنا العتيد إلى حمل " الشنتيانة " كما بشرنا بطلنا المغوار وبالتالي نساهم في خلق مشكلة جديدة بدلا من حل المشاكل الاجتماعية المتراكمة ضمن صفوف مجتمعاتنا.


نشرت على موقع كلنا شركاء

18 أغسطس، 2009

الخراب يعم مدينة جرمانا .... ولا رقيب ولا مجيب


مالك ابو خير


عند زيارتك لمدينة جرمانا التابعة لمحافظة ريف دمشق، ونظرك إلى ما وصل إليه وضع شوارعها تشعر انك ترى مكاناً انتهت به للتو معركة عنيفة بين جيشين متقاتلين واستمرت فترة طويلة من الزمن، فالشوارع يمكنك أن تطلق عليها أي اسم تريد إلا أن تسميها "شارع مخصص لسير السيارات" فيما الأرصفة انمحت واختفت كلياً جراء الاقتتال العنيف الذي كان دائراً بين القوتين المسلحتين اللتان كانتا تتقاتلان على ارض هذه المدينة.
وهذا الكلام ليس من الباب المزاح أو ( تلطيف الجو ) لكون الأجواء أساساً لا تنبئ بحصول تحسن ملحوظ على طرقات وشوارع هذه المدنية التي أنهك سكانها من وضع فاق التصورات وقطع جميع خطوط التحمل او السكوت عنه، فلا المواطن بات قادراً على الصمت أمام موجة الحفريات التي لا تنتهي لا بالصيف ولا بالشتاء، ولا البلدية او الجهات المختصة المسؤولة عن عمليات الحفر هذه تتوقف او يصاب العاملون بها بنوع من ( الإحساس بالمسؤولية ) تجاه المواطنين القاطنين في هذه المدينة المكتظة بالسكان.


فإذا ما قام احدنا بجولة تشمل طرقات مدينة جرمانا تجد أن جميعها محفور ومنذ أسابيع طويلة إن لم اقل منذ شهور قيد الإصلاح والإنشاء، وعند سؤالك عن السبب لا تجد الجواب الذي يخفف من حدة غضبك على ما يجري، ففي إحدى الطرقات وتحديداً الطريق الذي يصل بين منطقتي "الخضر والحمصي " نجد ان هذا الطريق تعرض للحفر أربع مرات متتالية وفي كل مرة تقوم الجهة التي قامت بحفره بتزفيته وجعله جاهزاً للخدمة تأتي جهة أخرى وتقوم بحفره وتخريب كل شيء من جديد وبفارق لا يتعدى الأربعة أيام بين التزفيت والحفر، وكأن الناس والمقيمون في هذه المدينة لا وجود لهم ولا إحساس بمعاناتهم جراء ما يتعرضون له من صعوبات نتيجة لهذه الحفريات المتتالية ومن دون أي مسؤولية.



الطريق العام ... في ذمة الله:


ليس من باب المبالغة عندما نقرأ الفاتحة على روح الطريق العام الذي يتصل به اغلب الطرق الفرعية في المدينة، لكونه بالفعل قد بات ضمن أعداد الموتى وقد حضر جنازته كل مقيم وزائر لهذه المدينة المهملة، فالطريق وبدأ من مدخل المدينة (عند معمل الزيت ) وحتى نهاية الخط تملئه الحفر ومن مختلف المقاسات الصغيرة أو الكبيرة القادرة على ابتلاع أفراد و التسبب بضرر بالغ للسيارات العابرة فوقه.


" أبو منير " سائق سرفيس على خط ( جرمانا برامكة) يؤكد أن نصف التصليحات التي يقوم بها على سيارته سببها الرئيسي الحفريات المنتشرة على طول الطريق وبشكل عشوائي وغير منظم، فضلا إلى العمق الكبير الذي يتمتع البعض من هذه الحفر، ودون وضع أي إشارة توضح بوجودها، الأمر الذي يشكل خطر حقيقياً على سلامة الركاب والمسايرات العابرة على طول الطريق.


فالطريق والذي يعتبر العصب الرئيسي للمدينة بأكملها بات خارج الخدمة كلياً ولأسباب عديدة أولها الحفر كما ذكرنا وثانيها ضيق مساحته والتي لا تتسع سوى لمرور سيارة واحدة في الوقت التي تدخل المدينة حوالي 4000 سيارة يومياً تعبر جميعها هذا الطريق الأمر الذي يشكل ازدحاماً مرورياً خانقاً، يتزامن مع صمت رجال المرور الذين يدققون على ( حزام الأمان و وغيرها من مسببات المخالفات ) مهملين حالة الفوضى العارمة التي تشكل حركة الطريق من بدايته وحتى نهايته وبشكل يضر بمصلحة أصحاب السيارات والمواطنين.


جبال المهملات ... ترتفع عالياً:


في وسط الزحام المنتشر ضمن المدينة الشيء الوحيد الذي يمكنك رؤيته بسهولة هو جبال القمامة المنتشرة وبكثرة ضمن أرجاء المدينة وبشكل بات بالإمكان اعتبارها " أهرامات فرعون " المنتصبة حتى الأبد، الأمر الذي يجعها مكاناً هاماً للأمراض وبيئة مناسبة لنمو وتكاثر الحشرات الضارة، وعند سؤالك لرئيس البلدية الوقور عن سبب وجودها الدائم تراه يؤكد لنا وبكل ثقة ان بلدية جرمانا تخصص الملايين مع متابعة دقيقة في سبيل القضاء والتخلص من شتى أنواع القمامة والأوساخ المنتشرة ضمنها.


فأي ملايين وأي نظافة تتحدث عنها البلدية ... وأي متابعة ونحن نرى هذه الجبال أو الأهرامات دائمة دون أي زوال، معرضة أرواح الآلاف القاطنين المدينة لخطر انتشار الأوبئة، ودونما أي مسؤولية لما يواجهه العالم من أخطار وأمراض تعتبر المهملات السبب الرئيسي لانتشارها ونموها، ففي منطقة " كرم صمادي " وحتى منطقة " كشكول " أكوام القمامة بلغت القمم وعمال النظافة لا يأتون لإزالتها الا بعد مرور يوم أو يومين على وجودها، بحيث أن مشهد الأطفال وهم يلعبون حولها بات امرأً عادياً لكنه يصبح غير عادي عندما نجدهم ينقلون إلى المشافي الواحد تلو الآخر.


حفريات وأمنيات ... مستعصية:


" فادي عزام " يقطن في منطقة الحمصي ... أمنيته الوحيد في هذه الحياة أن يعيش لليوم الذي يرى به الطريق المقابل لمنزله معبد وخالٍ من المطبات والحفر، لكون هذا الطريق حفر منذ أكثر من أربع سنوات ومازال دون أي تعبيد حتى هذه اللحظة، وعند مراجعته لبلدية المدينة تكون الإجابة بأن إنهائه سيكون عما قريب، وعما قريب هذه بلغت السنة الرابعة وقد تبلغ الخامسة والسادسة، ولعل أمنية "فادي " هي أمنية اغلب القاطنين في مدينة جرمانا، لكنها قد لا تتحقق في ظل وجود أشخاص كالقائمين والمعنيين في هذه المدينة، الذين اعتمدوا سياسة المماطلة والمراوغة مع مراجعيهم، وعدم احترام ابسط معايير الحياة والقيم الإنسانية.


ولعلنا أيضاً قد ننعي المدنية بأكملها قريباً، وخصوصاً مع الارتفاع الملحوظ في نسبة السكان بها والانتشار العشوائي والغير المنظم للمباني السكنية والتي ارتفعت نسبة المخالفات بها إلى أقصى حد، دون نسيان الملايين التي ترمى في جيوب من كانت جيوبهم بوسع الكون، فيما الفواتير ترفع إلى الجهات العليا مؤكدة صرف هذه الملايين على عمليات إصلاح الطرقات والنظافة الواضحين تماماً ضمن شراع المدينة، والذين استطاعوا أن يجعلوا " وبجدارة " شعار المواطن السوري في هذه المدينة وغيرها ( لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ) كجملة يقولها الفرد بعد أي مصيبة لا يستطيع أن يجد الحل المناسب لها.


نشرت على موقع كلنا شركاء

16 أغسطس، 2009

ورشة عمل للمنظمات غير الحكومية ..... حول كتابة التقرير الموازية عن حقوق الطفل

مالك أبو خير
عندما نتحدث عن الطفولة فإننا نتحدث عن عالم واسع لا بد من النظر والتمعن به جيداً، وهذا التمعن يجب أن ينتج عنه حقوق وواجبات من الأجدر المطالبة بها والعمل على تحقيقيها، وهذا التحقيق يجب أن يأخذ دوره الفعال على ارض الواقع من خلال معطيات ملموسة وواضحة يستفيد بها كل طفل ينتمي إلى حدود هذا الوطن، وتكون نتيجته التخلص من الكثير من السلبيات التي تعانيها طفولتنا، لا أن يكون هذا العمل من خلال شعارات وأقوال رنانة لا تأخذ طريقها إلى التنفيذ على الأرض.
وفي سبيل تحويل الأقوال إلى أفعال وتوجيه النقد لكل ما هو غير وصحيح أو غير مطبق على ارض الواقع في ما يخص أمور الطفولة في سوريا، انتهت في 12 من شهر آب الحالي ورشة العمل للمنظمات الغير حكومية والتي عقدت في كنيسة الصليب بدمشق تحت إشراف هيئة شؤون الأسرة ومنظمة اليونيسف وذلك بهدف مناقشة التقرير الصادر عن الحكومة السورية والموجه إلى منظمة اليونيسف بشأن تطبيق اتفاقية حقوق الطفل من قبل عدد من الجمعيات الأهلية الغير حكومية والوسائل الإعلامية، وتهدف هذه الورشة إلى تدريب الجمعيات المشاركة على كتابة الموازي عبر كشف الأخطاء أو المعلومات التي لا تحتوي الصحة في التقرير الحكومي والعمل صياغة تقريرها النهائي وتقديمه إلى منظمة اليونيسف، ومن الجمعيات المشاركة في هذه الورشة كانت جمعية نقطة حليب وجمعية حماية الأسرة و جمعية مورد وجمعية المبرة النسائية وجمعية حماية الطفل و جمعية حقوق الطفل الخيرية وغيرها من الجمعيات بالإضافة إلى مشاركة وسائل إعلامية تمثلت في موقع نساء سورية ومجلة الثرى.

وقد استمرت الورشة لمدة خمسة أيام تحت إشراف مدرب مختص من منظمة اليونيسف الدكتور محمد محمود المصري الذي حدد خلالها للمشاركين أهداف عمل الورشة وطرق نجاح العاملين بها من خلال عرض تفصيلي لاتفاقية حقوق الطفل والخلفية التاريخية له، مع شرح نقاط الضعف والقوة في هذه الاتفاقية مع رصد حقوق الطفل في سورية وأسلوب هذا الرصد، كما شرح المبادئ التي تقوم عليها عملية التشبيك وتنظيم الشبكات التي تساعد في كتابة هذا التقرير مستعرضاً بعد ذلك التقرير الحكومي بهدف وضع نقاط أولية للعمل بها من قبل الجمعيات المشاركة.

وقد كانت الملاحظات والنقاط التي وضعها المشاركون حول هذا التقرير الحكومي كثيرة، أهمها عدم صحة العديد من المعلومات الواردة ضمنه، ولدرجة اعتبره البعض مجرد عريضة طويلة من الإنشاء والكلام الفصيح الذي لا يحتوي اغلبه على أي تطبيق حقيقي وملموس على ارض الواقع في سورية، ومن النقاط التي ناقشها المشاركون كانت مثلاً كانت المواد التي تتعلق بالرعاية الصحية للأطفال والتي لم تلقى التطبيق الحقيقي كما هو ذكور بالتقرير كإنشاء مراكز للعناية بتغذية الطفل المبكر والتي سماها التقرير " عيادات الطفل السليم " والتي أكد اغلب المشاركين عدم وجودها في سوريا بالإضافة إلى المادة التي أكدت أهمية حق الطفل في عدم التميز والتي أكد التقرير بأن آراء الطفل تؤخذ في القضاء وهذا ما أكد المشاركون أيضاً على عدم صحته وغيرها من المواد التي تتعلق بالوصاية والتبني والتي وضعت إلى جانبها أسئلة تعجب واستفهام من قبل الجميع.

وحول مدى قدرة المشاركين في تقديم تقريرهم الموازي إلى منظمة اليونيسف أكد الدكتور محمد محمود المصري خبير التدريب الإقليمي المرشح من قبل اليونيسف والذي اشرف طوال أيامها على تدريب المشاركين وتزويدهم بالخبرات في تصريح للثرى بأنها تعتمد بالكامل على مدى جدية وإصرار الموجودين على تقديم ما لديهم وما هم يريدونه من خلال نقد كل ما ذكر في التقرير الحكومي والذي في النهاية يحقق مطالبهم ومطالب الأطفال السوريين بشكل عام معرباً تفاؤله بما وصل إليه المشاركون عبر هذه الورشة حيث يقول: ( إن التشكيلة الموجودة هي عبارة عن تشكيلة من تشكيلات المجتمع الأهلي ولكونها جديدة لا يمكننا الحكم على مباشرة إلا من خلال استعراض النقاط والمبادئ الأساسية التي انطلقوا منها في كتابة تقريرهم، وهذا ما نسعى نحن في هذه الورشة عبر تدريبنا لهم وتقديم الدعم والخبرة المتوفرة بين أيدينا في الوصول اليه، لكنني ومن خلال متابعتي للنقاشات الدائرة بين الجمعيات المشاركة والنقاط التي وضعوا أيدهم عليها للانطلاقة نحو صياغة تقريرهم النهائي فأنني أرى ان هذه الورشة ستستطيع ان تقدم ما جديد ومميز، فضلا الى اننا نطمح بزيادة عدد الجمعيات المشاركة في هذه الورشة واتساع نطاق عملها لتشمل اغلب المدن السورية مما يساعد على تقديم الصورة الصحيحة في التقرير الموازي ونقد الأخطاء الواردة في التقرير الحكومي بشكل منطقي وفعال يسهم في تقدم ورفع مستوى الرعاية في الطفولة في سورية).

وعن أهمية تمكين المجتمع الأهلي في سورية يجيب الدكتور " المصري " قائلاً: ( لابد من تمكين دور المجتمع الأهلي في سورية لكونها برأي ليست محطة وصول بل هي وسيلة سفر دائمة وبحاجة إلى تعميق في المفاهيم الحقوقية وتفعيل ما يمكن فعله من قبل الجمعيات عبر تفعيل دور الدفاع عن حقوق الطفل واكتساب المهارات في انجاز التقرير البديل والذي تم تجاوز قسم منه خلال هذه الورشة عبر محاولة كتابة مسودة ستستعمل من خلال اللجنة المتابعة التي انبثقت عبر هذه الورشة في سبل انجازه وإعطائه صورته النهائية).

ولحين كتابة التقرير البديل أو ما يسمى "بالتقرير الموازي للتقرير الحكومي" والذي يعترضه العديد من الصعوبات أهمها عدم توفر الإحصائيات وعدم تعاون العديد من الجهات الحكومية مع اللجنة المنبثقة من هذه الورشة، لا يبقى أن نقول سوى أن ما يفعل من اجل الطفولة وبحسب ما يسمع او يرى في العين المجردة ما زال يحتاج مسيرة طويلة من قبل الحكومة مع العمل على تفعيل العديد من القرارات التي تساهم في التخلص من السلبيات المنتشرة في عالم طفولتنا كموضوع التسرب المدرسي الذي نشاهده يتزايد رغم وجود قرارات حكومية تمنعه وتعاقب المتسبب به والذي حول العديد من الأطفال نحو مهن خطرة ومؤذية تساهم في انحرافهم وتشويه مستقبلهم.
نشرت في مجلة الثرى الكترونية.

07 أغسطس، 2009

" متمردة " ... بقبول اجتماعي

مالك أبو خير


من الجميل أن يكون المرء في هذا الزمن ... متمرداً، ضمن محاولة منه لنفض الغبار عن عيون مجتمع اعتاد أغلبه النظر والسير للخلف دوماً، فالتمرد هنا يكون عبر الخروج عن طريق يتراجع الكثيرون من خلاله نحو الماضي معتقدين أنهم بذلك يحافظون على توازنهم، بينما هم في الحقيقية يصطدمون بجدران من اليأس خالقين حالة من الرعب في نفوس من يتبعوهم، وإذا ما تساءلت بنفسك عن حقيقية هذه الجدران ... ستجد بعد البحث المطول انك تصطدم بها دون أن تلاحظ، وانك تساعد على بقائها وتدعيم بنائها بالرغم من أنك تعارضها وتعرف تماماً كم من الأشخاص قتلوا وذبحوا على مشارفها.

عندما رأيتها ... عرفت كم الجدران استطاعت تجاوزها، وبالمقابل شعرت بحجم الهزيمة التي تعيش بداخلها، فقرارها بالرحيل عن ذويها للإقامة في دمشق لم يأتي من فراغ، وإنما أتى من اعتقاد بأن جدران منزلها باتت قبراً لا بد لجسدها المتعفن بذكريات لا تطاق بالخروج منه نحو عالم أخر يدعى ... الحياة.
لكن الخارج من القبر دوماً يصطدم بما فاته من الحياة، وكأنه طفل ولد لتوه، يعارك أيامها أحيانا وينحني أمامها أحيانا أخرى، فالخبير في الحياة هو الذي يكون على علم دوماً بأن المتغير وحده هو الذي يدوم والثابت مهما كان قوياً لابد له من الزوال يوماً ما.

قدومها لدمشق كان في البداية حلماً كحلم أي عاشق لأزقتها القديمة وطرقاتها التي نام العشاق خلف عتمتها وصحوا على ترانيم كنائسها وأذان مساجدها، لكن عندما يخرج إلى شوارعها ويغرق في بحور دخانها وازدحام طرقاتها فإنه يعلم تماماً أن نهايته إن لم يكن واعياً في أي اتجاه سيوجه أقدامه، سيكون الدهس تحت عجلات الشهوة لركاب الريح والسرعة.
اختارت التأني في كل ما تفعل وما تتصرف، رغم أنها معروفة بتمردها على كل شيء، حتى على شكلها الأنثوي الذي كان سبباً لتحولها في نظر الكثيرين من المارين وركاب سيارات الشهوة الجامحة لمجرد أرنب يحلو تناول لحمه مع كأس من الخمر الممزوج بدماء من بنى لهم موائد طعامهم وسرائرهم الحريرية الناعمة والتي اعتادوا جلب الأرانب إليها.
ولكونها مجرد أرنب في عيون مشاهديها قررت الاختباء ضمن حجر تخرج منه بين الحينة والأخرى باحثةً لنفسها عن عمل يناسب طموحاتها ويلبي أفكارها، ولعل حبها للكتابة هو من جعل الصحف والمجلات مقصدها الوحيد، لتجد بعد الكثير من المحاولات صحيفة تجلس على احد مكاتبها لتكتب على صفحاتها حكايتها مع الأمس والحاضر بعناوين وأسماء اختلقتها واخترعتها ... لكون كل ما تكتب في النهاية هو قصتها وماضيها وحاضرها الذي تراه.

كتبت عن عشقها لحب تغفوا بين أحضانه، والذي بات مراداً من الصعب تحقيقه مع ازدياد عدد الراكبين لسيارات الشهوة الجامحة، وتحدثت عن أملها بمستقبل يصبح به جسد المرأة من أخر اهتمامات الرجل، ونقلت هموم فتيات تاهت أقدامهن وركبن سيارات الشهوة وجلسن عقب ذلك على حافة الطرقات يشحذون ثمن الرغيف لهم ولمن في بطونهم، فتمردها كان في كل كلمة جرئية تكتبها يدفعها لكتابة المزيد والمزيد ... دون تردد، بالمقابل كما كانت تكتب قررت أن تعيش ولو ضمن حجرها الصغير، فحولت هذا التمرد لسلوك اجتماعي أقنعت به جميع من حولها أنها أنثى لكن بقلب رجل حديدي لا يعرف الرحمة مع من يحاول افتراسه، حاورت جيرانها وأقنعتهم بأن الحرية تأتي من الداخل والسوء هو الذي يأتي من الخارج ونقبل به ونطيعه، ووضحت لهم بأن الخطيئة نحن من نذهب إليها بينما الأمل يأتي من داخلنا ولكننا دوماً نحن من نتجاهله ونبكي عليه بأن واحد.

لكن من يعتقدون أنهم من سلالة فرعون والحاكمين باسم الله على الأرض لم يرق لهم هذا التمرد، لكونه يساعد على وقف زحف الراكبين ضمن سيارات الشهوة ويساعد على نشر فكر الوعي بالذات وقدراتها، وبالتالي كشف عملهم بأنهم مجرد غطاء شرعي لركاب الشهوة، فهم من يحكمون بموت القابعات على جنبات الطريق، وهم من يطهرون الأرض من تبعات وأفعال ركاب الشهوة، فما كان منهم في البداية إلا أنهم اعتبروها تخل بأمن الناس وتزعزع استقرار الكون ومجرى أحداثه من خلال هذا التمرد الذي لاقى قبولاً اجتماعياً منقطع النظير، فمصلح الكون بنظرهم بات مخرباً ومخرب الكون بنظرهم أمر طبيعي لابد من وجوده لتكون كلمتهم هي الفاعلة والحاكمة بين من يدعون انه شعبهم المخلص لهم ولسلالتهم حتى الأبد.

في البداية أرسلوا لها من يكفروها، ويتهموها بنشر فكر التفرقة والنعرات المباعدة لأبناء البلد الواحد عن بعضهم البعض، ثم بدءوا برمي العصيان في كل مكان يمكن لفكرها التمردي أن يلقى الجواب المناسب، مهددين كل أتباعها بأنهم باتوا مصدراً ومرتعاً مهماً لتلقي الاتهامات بتكون خلايا أطلقوا عليها خلايا التخريب ونشر الفتن.
الأمر الذي زاد من حنينها لقبرها ولجدران منزلها، مع ندم كبير منها على أنها لم تكن يوماً ممن ركبن سيارات الشهوة وغفت على أقدام سائقيها، وحملت ضمن أحشائها العدوى التي حملها غيرها من بنات جيلها، فقد تكون هذه العدوى سبباً في نيل رضا فرعون وسلالته، وبالتالي مصدر رزقها الدائم لكون فقط المصابين بهذه العدوى هم من يتلقون الدعم والإمداد ... والرحمة.

اليوم ... هي كغيرها تسكن جنبات الطرقات وعتمتها، لكنها ليست هي من اختارت ركوب سيارات الشهوة، بل اختارها القدر لتدهس عمداً وتأخذ العدوى وترمى بعد ذلك ... منتظرة عودتها لقبرها ... ولتدفع هي وحدها ثمن تمردها .... صاحب القبول الاجتماعي.
كلما انحنينا اتسعت مساحة الأرض وتاه نظرنا
وكلما ارتفعت قاماتنا ... رأينا الكون صغيراً كحبة رمل
مالك أبو خير

حكاية مرض ... ورحلة بين المشافي دون علاج




مالك أبو خير
إضافة صورة



كثيرة هي الأمراض التي باتت تعيش ضمن أجوائنا وأجسادنا، منها ما يكون مرورها مرور الكرام، ومنها ما يكون وجودها سبباً في تغيير حياة أشخاص وفي بعض الأحيان سبباً في نهايتهم، ومرض السل من أكثر الأمراض انتشاراً ضمن مجمعاتنا العربية، وتحديداً في المناطق التي تنعدم بها النظافة وسبل الحماية من الأوبئة والأمراض، ومن الطبيعي أن تقوم الجهات المختصة بعلاج المصابين بهذا المرض، بالإضافة إلى تطبيق نوع من الحجر الصحي عليهم لكونه من السهل جداً انتقاله عبر الكثير من الوسائل أهمها التنفس.
وهذا يعتبر التصرف الصحيح الذي يجب تطبيقه من قبل الجهات المختصة في علاج هذه الأمراض بدءاً من وزارة الصحة وصولاً إلى المراكز الصحية التابعة لها، لكن ما يحدث على ارض الواقع نجده مختلف تماماً لما يجب تطبيقه، بل نجده يأخذ مناحي أخرى تعتبر خطرة على أرواح المرضى والأشخاص المحيطين بهم.
"وليد فياض" أحد المصابين بهذا المرض أثناء عمله في إحدى ورشات تصنيع الأحذية بمدينة حلب، الأمر الذي اضطره لترك عمله والتوجه نحو المركز الصحي المختص بعلاج مرضى السل بالمدينة، ليدخل فترة من العلاج استمرت حوالي الستة أشهر متواصلة تراجعت بها حالته الصحية بدلاً من أن تتحسن، لكون طرق العلاج وأساليبه المستخدمة من قبل هذا المركز تضاعف من حجم الإصابة أكثر مما تحسنها " على حد قوله"، ووصلت حالته الصحية لمرحلة حرجة اضطرت المركز لتحويله إلى مشفى ابن النفيس بدمشق، وذلك تحت حجة انه لم يستجيب للمرحلة الأولى من العلاج ويجب عليه الانتقال إلى المرحلة الثانية والتي لا تتوفر لديهم وينحصر علاجها في المشفى المذكور حصراً.
وعن فترة العلاج الثانية يقول " فياض": ( في الفترة التي بدأت العلاج الثاني، كانت الكوادر الطبية في مشفى ابن النفيس قد أنهت مرحلة التدريب على هذه المرحلة لكونه برنامج حديث تم استيراده من الخارج عبر منظمة الصحة العالمية ولم يكن القائمون عليه على علم كافي بتطبيقه، الأمر الذي جعلنا نبدو وكأننا فئران تجارب، حيث استخدام مجموعة من الأدوية علينا ومن دون أي خبرة في استخدامها اذكر منها " كابرويسيس – سيكلوسيرين ... وغيرها " والتي قد تسبب نوع من المضاعفات الخطرة بحق المرضى كما حدث معي ومع العديد من زملائي، حيث بدأت تظهر لدينا العديد من المضاعفات كالضيق الشديد في التنفس و ضعف في الجملة العصبية و مشاكل في الكبد و الكلية وضعف في السمع و مشاكل في القلب وغيرها من المضاعفات التي لا تعد ولا تحصى.
وعندما واجهنا المسؤولين عن العلاج، أكدوا لنا عدم قدرتهم على معالجة هذه المضاعفات، واعتبروها طبيعية ونتيجة منطقية لتفاعل الأدوية مع الجسم، وطلبوا منا التوجه إلى مشفى الحارث بحمص لكونه المشفى الوحيد حالياً في سورية المسؤول عن علاج الحالات المتطورة من هذا المرض.

علاج دون حجر صحي:



ويتابع " فياض " عن فترة علاجه في المشفى قائلاً: ( اغلب المعالجين في مشفى الحارث بحمص يتم معالجتهم دون تطبيق أي نوع من الحجر الصحي عليهم، فضلاً لكون المشفى يعالج العديد من الأمراض في آن واحد، فالمشفى بالإضافة إلى معالجته لمرضى السل يعالج مرضى الأمراض النفسية والعقلية ومعالجة الإدمان ومرضى السرطان و مرضى العيون ومرض السحايا والمصابين بالايدز، كما يستقبل الإسعافات الخارجية وبشكل لا يتم عزل أي نوع من الإصابات عن بعضها البعض، فنحن كمرضى سل نقطن في الطابق الأخير من المشفى، ونتحرك بحرية في كافة الطوابق الأخرى ونلتقي مع باقي الأقسام الأخرى وأحيانا دون كمامات الأمر الذي يمكننا من نشر الإصابة إلى الآخرين.
وعند مطالبتنا بما نحتاجه من أدوية وتجهيزات يجاوبنا القائمون عن المشفى بعدم قدرتهم على تلبيتها لكون المشفى في طور الإعداد والتأسيس ولا تتوفر فيه حالياً كافة المستلزمات المطلوبة للعلاج، الأمر الذي زاد من نسبة الأعراض الجانبية لدي وتفاقمها ليتم على أثرها إسعافي من حمص إلى مشفى المواساة بدمشق ليستقبلني مدة أربعة أيام فقط لا غير طالباً مني الرحيل والعودة إلى المشفى تحسباً من نقل العدوى لباقي المرضى في المشفى.

مضاعفات ... ووفيات:



المضاعفات التي سببتها الأدوية التي تم أخذها من قبل المصابين سببت العديد من حالات الوفيات بين صفوفهم فضلاً إلى تصريحات من بعض المتواجدين بمشفى الحارث أكدت وجود إهمال وعدم تعاون من قبل الطاقم الطبي المتوفر، بالتزامن مع نقص الإمكانيات والمعدات المطلوبة للعلاج، ومن أسماء الوفيات التي وردت لنا " محمد رحيم من حلب – عبد الفتاح من الرقة – وداد من محافظة حلب ".
وختاماً لا يمكننا نقد الإهمال والاستهتار فقط، لكونهما واضحين وضوح العلن وأمام أعين الجميع وبصمت كبير، لكننا نوجه كما وجه اغلب المرضى في المشفى المذكور بضرورة التدخل السريع لحل الأزمة الصحية التي تحدث لمرضى السل داخل المشفى وخارجه مع وضع حل منطقي وحقيقي لهم.

نشرت في موقع حكاية سورية على الرابط:


04 أغسطس، 2009





خليها نظيفة مثل الفل
لاننا نؤمن بانفسنا ونؤمن بمواطنتنا ونؤمن ببلدنا ..
لاننا نريد ان تكون دائما ناصعة البياض كالفل الابيض والياسمين الدمشقي الذي يزين تراثنا وذاكرتنا
ولاننا ندرك تماما ان كل الظواهر السلبية التي تؤرقنا وتسيء الى مظهر البلد وحضارته العريقة .. قابلة للزوال بمجهودنا ومحبتنا و ارادتنا
تلك الظواهر الاجتماعية والسلوكية التي يمكن ان نساهم بازالتها عبر المبادرات الفردية والجماعية خلقت فكرة الحملة الاهلية للحفاظ على نظافة البلد..
والمفارقات عجيبة والمواقف تتكرر..
مواطننا ذاته الذي يلتزم بقوانين النظافة والحفاظ على نظافة الشوارع والمدن خارج البلد .. يعود الى وطنه ويرمي كل ذلك خلف ظهره ما ان تطأ قدمه ارض الوطن..
المفارقات التي تبدأ برمي منديل متسخ لعابر في الطريق ولا تنتهي عند رمي كيس مليء بالقاذورات من السيارة او الشرفة بكل فجاجة ..
سلوكيات بشعة لا تشبه مواطننا الذي يسكن في بيوت نظيفة تفوح منها اجمل الروائح وتتزين بالورود واجمل المفروشات..
مواطننا الذي لا يبخل أبدا على نظافة بيته الصغير ويبخل بشكل غير مفهوم على بيته الكبير..!
يبخل ببذل مجهود بسيط فقط لا يكلفه سوى بضع خطوات نحو حاوية القمامة..
رسالتنا إليكم ان نعمل معا من اجل نظافة البلد..
خليها نضيفه متل الفل.. لأنو كمان ورا الباب الك..!
المواقع الداعمة للحملة:
موقع يارا صبري

تلفزيون المشرق

مدونة مالك أبو خير

كلنا شركاء

بوابة اجيال الالكترونية

حكاية سورية

الموقع السوري للاستشارات والدراسات القانونية

حكاية سورية

مدونة الياسمين الدمشقي

الابجدية الجديدة

موقع اثارنا

السويداء نت

جمعية اصدقاء السلمية

موقع دمشق القديمة

شبابنا

مقهى صباح ومسا

مجلة الثرى

زهر سورية

شام بوست

03 أغسطس، 2009

من أجل أطفالنا.... خليها نظيفة مثل الفل



مالك أبو خير



هل فكر أحد منا يوماً بالوقوف ولو دقيقة إلى جانب مستشفى أمراض الأطفال الواقع بجانب مشفى المواساة بدمشق، وأن يسأل عما يعانيه الأطفال الموجودين من أمراض وآلام يحتاج علاجها للكثير من الوقت والمال، ثم يصعد إلى احد الأطباء المناوبين ويسألهم عن نوعية الأمراض وأسبابها ولمجرد السؤال فقط ليس أكثر.
سؤال غريب بعض الشيء ... لكن النتيجة التي سيكتشفها سائل هذا السؤال ستكون من الغرابة والدهشة له ما يكفي، نتيجة يمكن اختصارها بأن معظم الأمراض التي يعاني منها هؤلاء الأطفال تعود إلى انتشار سكنهم ضمن مناطق تكثرها الأوساخ والمهملات المرمية بشكل عشوائي وغير منظم والتي تعتبر ذات فعالية وقدرة عالية على نقل أي نوع من الأمراض والأوبئة لأجسادهم الطرية الناعمة.
نعم ... فالأوساخ التي نجد مرمية على جنبات الطرقات والتي قد لا تلفت انتباهنا أو نمر بجانبها مرور الكرام هي صاحبة الشأن الأكبر بوجود العشرات من الأهالي المعذبين أمام مستشفيات الأطفال في سورية وجميع أنحاء العالم، وهي صاحبة الفضل في صعود أرواحهم مبكراً السماء والتي تعاني هي الأخرى من تلوث ملحوظ نشعر بمدى قذارته مع كل نسمة هواء نتنفسه.
لكن ماذا لو وجه لك اتهام بأنك من أهم الأسباب التي تؤدي زيادة أعداد الوفيات بين صفوف الأطفال لدينا، وماذا لو اتهمك احدهم بأنك السبب بموت طفله بعد معاناته الطويلة مع إحدى الأمراض القاتلة، اتهام قاسي بعض الشيء لكنه يحمل شيئاً من الحقيقة أيضاً، فمجرد أن نتذكر حجم الأوساخ والمهملات التي قوم برميها يومياً بشكل غير منظم وخارج الأماكن المخصصة لها، فهذا سيكون كافياً لإثبات حجم المشاركة التي نقوم بها بحق هؤلاء الأطفال.
فإذا ما قام احدنا بجولة ضمن مدينة دمشق وإحيائها وأزقتها، فانه يجد من الغريب أن يمر بأي جزء منها دون أن يرى الأوساخ موجودة على جانبي طرقاتها، وهذا طبعاً بالرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها العاملون في مجال النظافة الذين يشكرون على عملهم الدءوب والمستمر دون توقف، ولكن يبدو أن جهودهم تذهب أدراج الرياح مجرد خروجهم من المناطق التي قاموا بتنظيفها، لكون السكان والمارين كفيلون بإعادة الوضع لما كان عليه قبل قدومهم وبوقت زمني قصير جداً، ناشرين بقايا مهملات منازلهم وما تحتويه أيديهم من بقايا الوجبات السريعة على جوانب الطرقات دون أي إدراك بحجم الوباء الذين يساعدون على انتشاره، ودونما أي إدراك بأن أطفالهم هم المتضرر الأكبر من وجودها ضمن شوارعهم وأمام منازلهم في الكثير من الأحيان.
" ياسر المحمودي " عامل نظافة التقيت به أثناء عمله في منطقة الشعلان، وعند سؤالي له عن الصعوبات التي تواجهه خلال عمله أجابني بشيء من الألم : ( من تجدهم جالسون على جوانب الطرقات يأكلون الوجبات السريعة هم أهم الصعوبات التي أواجهها، فإمكانك النظر إلى الجزء الذي قمت بتنظيفه من الشارع وترى جحم الأوساخ التي قام الموجودون برميها دون أي أحساس بالمسؤولية ولدرجة اشعر أنني لم أقم بتنظيفه أصلاً، وهذا الشارع خصوصاً تتناوب ثلاثة ورديات من عمال النظافة عليه يومياً تتكون الوردية الواحدة من أربعة إلى خمسة عمال للنظافة، ومع ذلك تملئه الأوساخ والمهملات طوال النهار والليل، وعند مشاهدتك للحاويات المخصصة للمهملات المنتشرة على جوانب الطريق تجدها فارغة، الأمر الذي يشعرنا كم نحن غير مؤمنين بنظافة حقيقية لنا ولبلدنا).
بعد انتهاء حديثي مع عامل النظافة اتجهت نحو مجموعة من الشبان الموجودين في نفس الشارع كانوا لتوهم قد رموا ما تحتويه أيديهم من أوساخ تعود لوجبة سريعة قاموا بتناولها، سألتهم عن سبب رميها على الأرض رغم أن الحاوية المخصصة لرمي المهملات لا تبعد عنهم سوى مترين لا أكثر، لأجد سيلاً من السخرية وعدم المبالاة بسؤالي هو الجواب الأوحد الذي تلقيته ولتكون كلمتهم الأخيرة لي ..." اذهب أنت والتقطها وارميها حيث تشاء" ... وبالفعل هذا ما فعلته لإدراكي الكامل أنني بذلك اخفف من حجم الأطفال الموجودين أمام غرف العناية المشددة وضمن ممرات المستشفيات الضيقة.
أطفالنا هم أساس مستقبلنا ... هكذا يقولون، وهذا ما يجب أن نقوله نحن أيضاً ونشارك في تطبيقه فعلاً وليس قولاً فقط، ولعل ابسط مشاركة نقوم بها تكمن في الامتناع عن رمي الأوساخ والمهملات في غير أماكنها مع توجيه اللوم دون خجل لكل من يرمي عشوائياً لمهملاته لكون عديم المسؤولية بواقع المدينة وحجم الأمراض المنتشرة من حولنا لا خجل من توبيخه وتوجيه اللوم إليه.

فرقة( متر ... بـ مترين )


مالك أبو خير- مجلة الثرى الكترونية
26-7-2009
عندما نتحدث عن الإهمال والاستهتار الذي ضرب مرافقنا ومؤسساتنا الحكومية منذ عقدين أو أكثر من الزمن وحتى الآن، فإننا نتحدث عن هشيم حقيقي انتشر في كافة مناحي الحياة، يحتاج للكثير من المجلدات لتدوينه وكتابة كافة النتائج السلبية التي ألحقها بالناس والمجتمع.

ولعل القطاع الثقافي والفني كان من أهم المتضررين من هذا السرطان المتغلل والمدعوم من جهات لطالما تغنت بثقافة البلد وتاريخيه الحضاري، معتمدةً على سياسية ( أنا ... ولا أحد غيري ... يفهم) طاحنةً عبر هذه السياسة كل براعم الأمل بجيل جديد يطمح لتقديم نفسه والتعبير عن موهبته، جاعلةً من النسيان والإهمال مصير محتم طالما بقيت تجربته محصورةً ضمن سلطة هذا القطاع وجبروته.
" فرقة متر ... بمترين " لم تختار لنفسها هذا الاسم، بل كانت الجهات الحكومية وتحديداً الجهات المسؤولة عن القطاع الثقافي والفني في محافظة السويداء هي صاحبة الفضل في إطلاق هذا الاسم فيما تكفلت عبر مقالتي هذه إلى نشره وتعميمه ... ليس من باب أي شيء وإنما من باب تقديم الشكر على ظرافة أو (هضامة) هذه الجهات وسعيها الدائم لنشر الفكاهة على أفواه المواطنين.
باختصار شديد ... هذه الفرقة مكونة من أكثر من عشرين ممثلاً وممثلة لا يتجاوز أعمارهم الخامسة والعشرين من العمر، اختاروا طريق المسرح وسيلة للتعبير عن ذاتهم وأنفسهم، وكانت بداية انطلاقتهم عبر مؤسسة شبيبة الثورة بمدينة السويداء التي كانت بداية مشوارهم والراعي الرسمي لإبداعهم المسرحي، ومدينة السويداء تعاني أساساً من إهمال في العديد من المجالات، والمجال الفني والثقافي مقتصر على عدد من النشاطات والفعاليات التي تقوم على جهود فردية لا أكثر أو اقل، وبالتالي حتم على هذه الفرقة الاندماج مع الوضع القائم، وتقبل كافة الظروف العقبات التي كانت توضع بطريقهم مرة تلو الأخرى.
"رفعت الهادي" كاتب ومخرج مسرحي وهو يعتبر المشرف الرئيسي على عمل هذه الفرقة وعند سؤالي له عن سبب إطلاق هذا الاسم على الفرقة يجيب: ( قد يعتبر البعض هذا الاسم انه نوع من الفكاهة لكنه في الحقيقة نابع عن معاناة حقيقية تعيشها أعضاء هذه الفرقة كل يوم، فالفرقة تنتمي إلى فرع الشبيبة في مدينة السويداء، وقد تم تأسيسها لتقديم العروض المسرحية وتشجيع المواهب الشابة، لكن وللأسف لم يوفروا لنا أي نوع من الدعم أو الإمكانيات المطلوبة، بالإضافة إلى أنهم وبدلا ً من تغطية لنقص المطلوب قاموا بسحب كافة الإمكانيات المتوفرة بين أيدينا، فالمسرح الذي كنا نتدرب به تم تحويله للفعاليات والمهرجانات التي تقام بين الحين والأخر في المحافظة، الأمر الذي اضطرنا للاستعانة بمسرح التربية وهو المسرح الوحيد المتبقي في المحافظة، لنتفاجأ بعد فترة بطلب مديرية التربية منا عدم الاقتراب منه لكونه سيتحول لمقر لفرز وتصحيح الأوراق الامتحانية في أوقات الامتحانات الثانوية، وفي باقي السنة سيخصص للخطب والمؤتمرات الحزبية والنشاطات المختلفة.
الأمر الذي جعل الشارع مقصدنا الوحيد لنتدرب به، لولا أن فرع الشبيبة قدم لنا غرفة لا تتجاوز " المتر بمترين " لنتدرب بها واضعينا تحت سياسة الأمر الواقع، مع ملاحظة بسيطة أن الفرع بدأ الآن يطالبنا بهذه الغرفة لتحولها كمخزن للافتات والشعارات الحزبية).
" عمر أبو سعد " كاتب وممثل من أعضاء الفرقة يجد أن ما تقوم به الفرقة هو معجزة حقيقة بالمقارنة مع الظروف الموفرة لهم من قبل المعنيين في المحافظة حيث يقول: ( يمكننا أن نختصر جميع ما يتم دعمنا به بكلمة " لا شيء" فالعمل المسرحي الواحد في باقي المحافظات لا يقل الدعم المالي المخصص له عن المائة وخمسون ألف ليرة سورية وهذا في أسوأ الأحوال، أما نحن هنا فأكبر مبلغ نحصل عليه لقاء أي عرض مسرحي لا يتجاوز ثلاثة وعشرون ألف ليرة سورية، وبها يجب أن نغطي مصاريف الديكور والملابس وأجور الممثلين الذين لم يتقاضون ليرة واحدة عن أعمالهم منذ أكثر من خمس سنوات، كما يشمل هذا المبلغ أيضا مصاريف التنقل والإقامة للفرقة كاملة بين المحافظات السورية في عرض العمل في خارج المحافظة، وهنا أود أن أقول أنهم لو قالوا لنا مجاهرةً بعدم رغبتهم بوجود أي إبداع أو مواهب ناشئة في هذه المحافظة لكان أفضل من الإهمال الذي يمارس بحقنا وبحق العاملين على خشبة المسرح بمدية السويداء، فانا وبدلاً من أن أومن دخلاً مادياً من خلف الكتابات المسرحية والعمل كممثل في المسرح ، اضطر للعمل كعامل في البناء أو ( كعتال ) في سوق الهال من اجل تأمين مصروف عائلتي والاستمرار في المسرح).
مهما تحدثنا ... ومهما قلنا، فلن تستطيع مقالة صحفية واحدة ولا حتى مئة غيرها شرح تفاصيل الإهمال والاستهتار الذي يمارس من قبل الجهات المعنية في المحافظة بحق العاملين في المجال الفني، وبشكل جاعلين من الهجرة و الاغتراب الخيار الوحيد أمام الخبرات والمواهب الشابة، لتثبت ما لم تستطع إثباته على خشبات المسارح ضمن بلدهم الأم، وهنا لابد من التنويه لنقطة هامة جداً قد تكون صدمة لقارئي هذه المادة إلا وهي أن هذه الفرقة وبالرغم من سوء الأوضاع التي تعمل بها، إلا أنها استطاعت انجاز أكثر من سبعة عشر عمل مسرحي وقد تم عرض قسما منهم في مهرجان الجبل الكبير الذي انطلقت فعاليته يوم الخميس الماضي (23- 7 -2009)، وبالتالي فإننا لابد من توجيه شكر كبير للجهات القائمة في المحافظة على ما قامت به في سبيل انجاز هذه الإعمال عبر دعمها لهذه الفنون والمواهب من خلال خطبها ومؤتمراتها الصاخبة في سبيل الله والوطن.