07 ديسمبر، 2008

نظرة ... مختلفة للواقع

مالك أبو خير



عندما تنظر للواقع المؤسف المنتشر حولك، وتتمعن في كل تفاصيله المزعجة، حيث الفروق بات شاسعة بين مطالب الجسد ... وواجبات الروح، تعلم أننا بتنا في زمن قل به الأيمان بالذات الشخصية وذات الله على الأرض. واقع مؤلم في جميع فصوله ... بدأً من الجري لاهثين خلف رغيف الخبز ولقمة العيش، وانقياد أعمى خلف شهوات الذات دون النظر لما نسببه من ألم لأنفسنا قبل الغير، مغلقين أعيننا عن كل الرسائل اليومية التي تأتي عقولنا وأرواحنا لتجنب ما نقوم به، مقنعين أنفسنا أننا على صواب بعبارات وجمل كثر استخدامها كـ "الوجود للأقوى" و " الضعيف لا وجود له " و " ويحب أن افعل هذا لاستمر" ... وغيرها من التعابير الجسدية التي ترحل مع رحيله. فخلال عملي كصحفي، ابحث يومياً عن الخبر، وادقق بتفصيلاته وأسباب وجوده، وأحلل توابعه ونتائجه، وصلت لنتيجة مفادها ... ألا وهي أن أغلب الناس الذين يسيرون في الطرقات باتوا فاقدين لمعنى وجودهم، فاقدين لأرواحهم التي تسكنهم، متحولين لمجرد كتل لحمية بشرية تسير خلف تقاليد وتعليمات، يصدرها من هو بالأصل فاقد لجوهر التوحيد الحق و مبدأ التحرر من مطالب الجسد وأطماع الأنا القاتلة. واقع بكل أسف و " أقولها مجدداً" مؤلم، غيبت عنه الكثير من المفاهيم التي كانت السبيل لخلاصه مما هو فيه وكأن هناك أيد تعي قوة هذه المفاهيم وعظمتها الحقيقية في تقديم الخلاص للروح والنفس من أطماع الجسد، فسعوا جاهدين إلى طمسها وتحريف معانيها تحت أطر وقوانين مختلفة ( دينية – اجتماعية – سياسية – فكرية) ليشكلوا منها حلقة مانعين الجميع من الخروج عن حدودها، وقاتلين كل من يتخطاها تحت مسميات عديدة ( كالفكر و الإلحاد و الخروج عن سياسة وخط ومعايير الجماعة والعمالة للغير) فارضين داخلها قوانينهم وبقسوة ودونما رحمة لكل من يخالفها. ليظلموا عبر هذه القوانين جميع ساكنين هذه الحلقة القاتلة، فمثلاً ... إذا أمعنا النظر لحاضر جيل الشباب اليوم، وبعد إجراء دراسة فعلية لواقعهم الفكري والروحي .. وحتى النفسي، نجد أنهم باتوا في أزمة حقيقية ومؤلمة ... دوامة من الضياع بين الماضي والحاضر وجهل بالمستقبل، دوامة بين القيم والمفاهيم التقليدية ( من احترام للأخر وتطبيق للقيم الدينية والاجتماعية لتي ورثوها خلف مقاعد دراستهم ونصائح الأهل والمجتمع) وبين واقع مادي بحت لا يرحم مطلقاً ومتطلبات جسدية وتصاعد للأنا فوق متطلبات أنا الجميع ... فيما روح الجماعة تحولت إلى أنا الجماعة أو طاعة الجماعة إلى (أنا) واحدة تفرض ما ترغبه عليهم و تسيرهم خلف قوانينها المستمدة من قانون الغاب الاجتماعي أو لهدف تره في نظرها من أسباب وجودها. ففي الماضي كان الأفراد يعانون مما يسمونه اليوم الجهل العلمي أو عدم التقدم بشكل ملاصق لتطور الحضارة والمجتمع الآخر، لكنهم في نفس الوقت كان يمتلكون الكثير من المعايير والمعتقدات الفكرية والروحية التي كانت بمثابة الخلاص مما هم فيه، أما اليوم فهذا التطور أو لنقل ادعائهم بتحقيق التلاصق بتطور الفكر الآخر رافق خسرانهم للكثير من المعايير التي تطهر الروح من تبعيتها للجسد مقابل التفاعل والتجانس بهذا التطور ... هذا التطور المصنوع أساساً بأسلوب معزول تماماً عن أي قيم روحية طاهرة، وإنما مصنوع من قيم مادية بحته ... الاستمرارية فيه لمن جعل المادة بكافة أنواعها هدفه الأساسي. تطور جلب لنا الويلات ... ودمر النفس وتفاصيل وأسباب وجود الروح، تطور جعل أبناء الوطن يهربون من صواريخ مازالت تتطور في قدرتها على إصابتهم ضمن جحورهم، دون يطورا صانعوها الوسائل لعلاج ما فعلوه بهم، وباتوا مشردين في كل المناطق ... ممتهنين بيع الجسد لتأمين الخبز، وتعطف الآخر عليهم للبقاء، والهروب نحو المجهول، فيما الآخرون يرمون بنظرياتهم فوق اكتاف شعوبهم، مؤكدين أنها التطور والخلاص مما يجري، ليسحبوا بشعوبهم نحو هاوية أخرى، أشد انزلاق وأشد تخلف وانزلاقية، ليحصروا عقولهم ضمن حفر حفروها خصيصاً لهم، ليغمسوا رؤوسهم بها وللأبد طالبين منهم عدم التفكير بأي شيء غير سماع ما يقولونه ... لأنهم تكفلوا بالتفكير عنهم وتسيرهم نحو الطريق الأنسب.... نحو طريق الله الموعود " بنظرهم". نظرة أعلم عندما "تقرأ كلماتي" ستجد أنها تحمل من التشاؤمية والقسوة ما يكفي، لكنني و"بحق" لم أتكلم سوى القليل وما كتبته ليس سوى سطور قليلة ... بالمقارنة مع آلاف الصفحات من التراجع والتكلس لأفكارنا ولقيمنا وروحنا .... وخلاصنا. كلمات لم أكتبها لكوني شيخ أو عالم بدين التوحيد أو . . . وإنما كلمات خرجت من قلم صحفي ... وروح موحدةٍ ...تحبوا في كون التوحيد للخالق "عز وجل".




هناك تعليق واحد:

  1. شكراً اخي مالك على هذه الرؤية الجديدة
    والتي نتمنى ان يفهم الاخر المعنى الحقيقي لها

    فهد بركات

    ردحذف