27 أبريل، 2009

نساء في مواجهة ظروف عمل قاسية

مالك أبو خير
منذ دخولك لمطار دمشق الدولي تلمحها على الفور ضمن كوة لا تتجاوز المتر المربع الواحد، تقف باستعداد، وعلى وجهها الطفولي ترتسم ابتسامة ُزرعت عنوة. تستقبل القادمين وتودع الراحلين بفنجان شاي أو رشفة قهوة تقدمها لهم من وراء ذلك الركن الذي بات أقرب ما يكون إلى حجرة اعتقال طوال ساعات العمل التي تبدأ منذ الحادية عشرة مساءا وحتى السابعة صباحاً!!." رانيا" فتاة تدرس اللغة العربية في جامعة دمشق، أجبرتها ظروفها الصعبة على هذا العمل إلى جانب دراستها، فكانت هذه الكوة هي المدخل الوحيد الذي عبرت منه نحو سوق العمل ولم تستطع التخلص منها بعد سلسلة طويلة من المحاولات الفاشلة للحصول على عمل.تقول رانيا بينما تنهمك بإعداد فنجان قهوة لزبون: مضى شهرين حتى اليوم وأنا أعمل في الفترة الليلية. أبيع خلالها المشروبات الساخنة للمسافرين. الحيز الذي أعمل فيه كما ترونه ضيق للغاية ولا يتيح لي التحرك بحرية. وهذا بناء على تعليمات متعهد الاستراحة الذي قرر منع وضع أي كرسي كي نجلس عليه أثناء العمل ضماناً لعدم النوم أثناء ساعات العمل، الأمر الذي يجعلنا في غاية الإرهاق عند نهاية الدوام من كل يوم.وعن الإزعاجات التي تتعرض لها تقول: مع اعتيادنا على طبيعة العمل تصبح الإزعاجات أقل لكنها لا تنتهي، في البداية لم نكن نعرف كيفية التصرف الأفضل مع الزبائن على اختلاف أنواعهن فكنا نتعرض للتحرشات الكلامية المؤذية، دون أن نتمكن من الرد لأن طبيعة عملنا والتعاليم التي لدينا تتطلب منا الابتسام لكل الزبائن وعدم الرد عليهم في اغلب الحالات التي نتعرض لها. واليوم لا تزال هذه التحرشات موجودة ولكننا بتنا أكثر قدرة على تفاديها بفعل الخبرة ووحده في الحالات التي لا تطاق يمكن لنا طلب الأمن للتدخل. لكن هذا لا يعفينا من عقوبة الحسم أو حتى الفصل من العمل فيما لو وردت أي شكوى علينا. حالة "رانيا" تعتبر من الحالات التي قمنا بتقصيها عن وضع نساء العاملات ضمن ظروف قاسية قد تكون في اغلب الأحيان خارج نطاق التحمل أو السيطرة من قبلهم، وبمردود مالي قد لا يكون في الغالب مناسباً لظرف العمل الذي يعملن به، وطبعاً دون نسيان المضايقات التي يتعرضن لها وبصمت كبير من قبلهم حفاظاً على هذا المردود من الضياع. " متيلدا" خريجة اقتصاد تعمل في قسم الاستقبال في احد فنادق دمشق المعروفة، ضمن شروط قد لا تختلف كثيراً عن "رانيا" لكن بمردود مالي أفضل، لكنه في المقابل ليس مناسباً لساعات العمل الطويلة والمنهكة، حيث أن قوانين الفندق فرضت عليها شروطاً كانت في غاية الصعوبة بالنسبة لها بداً من الوقوف طوال أوقات الدوام التي تستمر لثماني ساعات متواصلة، وعدم الرد على الزبائن في حال تعرضهن لتحرش كلامي إلا في حالات قصوى جداً يتم بها مراجعة الأمن الذي يكتفي برجاء الزبون واسترضائه على حساب العاملين. ففي احد المرات تقول متيلدا:" طلب مني احد الزبائن القادم من دولة عربية شقيقة موعداً بعد انتهاء عملي وبعد رفضي المتكرر لمحاولاته، وتهديدي له بالشكوى إلى إدارة الفندق عن تصرفاته التي وصلت لحد لا يطاق، فوجئت بعقوبة مالية صدرت بحقي من الإدارة بحجة عدم التعامل اللبق مع الزبائن على خلفية شكوى قدمها هذا الزبون لمديري المباشر. الأمر الذي كان كافياً لدفعي نحو ترك العمل في حال توفر بديل مناسب أخر.الحالات السابقة باتت وللأسف من المسلمات المفروضة ضمن نطاق عمل الكثير من الشركات الخاصة، لكون القوانين الداخلية لهذه الشركات تقف إلى جانب الزبون مصدر رزقها الوحيد، مع تجاهل كامل لحقوق العملين الذين يفصلون على ابسط سبب أو خلاف يقع بينهم وبين الإدارة ودون نسيان حقوقهم المهدورة في اغلب الأحيان من الناحية المادية أو المعنوية. " أم ياسر" أم لثلاثة أولاد تكفلت برعايتهم المادية بعد الحكم بالسجن على زوجها لسنوات، حيث عملت في إحدى معامل تعليب الحبوب الموجودة في بلدة عقربا التابعة لريف دمشق، ضمن ظروف صحية قد تنذر بالأسوأ لها إن استمرت على هذا النحو الذي تسير عليه، نظراً لتعرضها الدائم للغبار الناجم أثناء عملية التنظيف و التعليب مما اثر بشكل سلبي على الجهاز التنفسي لها وللأغلب العاملات في هذا المعمل.وعند سؤالي لها عن سبب عدم استعمال كمامات صحية تجيب:" طلبنا من صاحب العمل كثيراً هذا الأمر لكن دون جدوى، لكونها تعتبر من المصاريف التي لا معنى لها بالنسبة إليه، وقد طلب منا استبدال مناديل عادية بدلاً منها، ولكنها لم تكن كافيةً لمنع وصول الغبار الناجم عمليات التنظيف إلينا، الأمر الذي جعل اغلب العاملين يعانون من صعوبات في التنفس وسعال دائم.وطبعاً "أم ياسر" وجميع العاملين لم يكونوا مسجلين ضمن لوائح التأمين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فضلا إلى اغلب العاملات في المعامل المجاورة في تلك المنطقة، الأمر الذي يضع الكثير من الأسئلة عن وضع العاملات التي لم تشملهن قائمة التأمين الوزارية، مما يجعلهن عرضةً للكثير من المخاطر الصحية والنفسية ودون أي تعويض من أي جهة تذكر في حال تعرضهن لأي مكروه قد يحدث.أسئلة كثيرة من الممكن طرحها حول هذا الموضوع ... وإجابات قليلة قد نتلقاها من قبل المعنيين، في حين يبقى الصمت ورؤية الأحداث دون تقديم أي معالجة تذكر الحل الوحيد والأبدي الذي تعودنا عليه من قبل الجهات الحكومية صاحبة القرار الفصل في تحسين أوضاع هؤلاء العاملين المسحوقين تحت رحمة الشركات الخاصة التي ترى بالربح الهدف الأول والأخير بالنسبة إليهم.

22 أبريل، 2009

موسيقى من بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين


في غاليري مصطفى علي


لوحات موسيقية... من مختلف المقامات الشرقية تناغمت ضمن سهرة أقيمت في غاليري مصطفى على بدمشق بحضور مجموعة من الطلاب السويسريين الذين أتوا إلى سورية من أجل التعرف عليها عبر رحلة شملت العديد من النشاطات التي تمتد لأسبوعين يتجولون بها على مختلف الفعاليات الروحية والاجتماعية والثقافية."مونيكا" رئيسة المجموعة وصاحبة الفكرة في الإعداد للرحلة وجدت أنها وعبر تنظيم هذه الرحلة استطاعت التعريف عن ثقافة جديدة بالنسبة إليهم، وخصوصاً فسورية تحتوي الكثير من الفعاليات والأماكن التي تستحق زيارتها. حيث تقول: " كنت دائمة المتابعة لسوريا عبر وسائل الإعلام التي لم تنقل لنا سوى القليل عنها، لكنني استطعت عبر العديد من المراجع من التفاجئ بوجود فعاليات وثقافات فاجأتني ولا أنكر أنها أذهلتني... وخصوصاً بعد إقامتي بها لفترة جيدة كانت كافية لتعلم اللغة العربية والتعرف عنها عن قرب، الأمر الذي دفعني لتنظيم رحلة شملت العديد من الطلاب ومن مختلف الاختصاصات الجامعية للقدوم إلى سوريا وزيارة العديد من الأماكن الدينية والأثرية والقافية، كان مرسم مصطفى علي أولها، حيث نلتقي اليوم مع العديد من العازفين الشباب الذين سيقدمون مجموعة من اللوحات الموسيقية ومن مختلف الألوان كالتركية والكردية والعربية مع التركيز أيضا على أغاني التراث الخاصة ببعض المحافظات السورية ( كالدمشقية والحلبية) فضلا إلى أننا أقمنا جلسة حوار مع هؤلاء العازفين تحدثوا لنا عن تاريخ هذه الموسيقا ونشأتها وتطورها".
-كيف وجدت التفاعل مع هذا النوع من الموسيقا لديهم؟
هذا النوع من الموسيقا يعتبر جديد بالنسبة لهؤلاء الطلاب الذين لم يعرفوا عن سورية سوى القليل، ولا أنكر وجود إعجاب واهتمام كبير من قبلهم، والدليل على ذلك أن جلسة الحوار مع العازفين امتدت فترة طويلة من الأسئلة والنقاشات معهم من قبلهم وقد ابدوا إعجابهم العميق بما سمعوه ومن لوحات موسيقية مختلفة.
-ما هي مجموعة النشاطات الأخرى التي تنوي المجموعة زيارتها في سورية؟
البرنامج لدينا مليء بالفعاليات التي ننوي زيارتها، هذه السهرة الموسيقية أولها ومن ثم سنتوجه لجامع النور بدمشق حيث سنلتقي مع مجموعة من الطلبة الدارسين في هذا المجمع الإسلامي وسنعقد معهم جلسة حوار عن الدين والثقافة الإسلامية ومدى تفاعلها مع غيرها من الأديان والقافات الأخرى، وهذا يعود على طلب جميع الطلاب الذين أتوا معي، لكونهم راغبين بالتعرف عن قرب عن هذه الثقافة التي سمعوا الكثير من الأقاويل عنها، ومن ثم سنتوجه إلى زيارة العديد من المعالم التاريخية والأثرية الموجودة الأخرى والتفاعل أيضا مع القائمين عليها.
النحات "مهيار علي" احد الشباب المنظمين لهذه الأمسية، يرى أن هذه الأمسية هي نتيجة طبيعية للتفاعل الحاصل مع الطلاب القادمين إلى سوريا حيث يقول:" فـ مونيكا في البداية كانت احد الطلاب الذين أتوا إلى سوريا بهدف دراسة اللغة العربية، ومن خلال النشاطات التي قمنا بها سوياً وتفاعلها الكبير مع الموجود لدينا دفعها إلى تنظيم هذه الرحلة لتعريف زملائها بما شاهدته ورأته عبر إقامتها في سوريا، ونحن بدورنا في هذه الأمسية استطعنا تقديم جزء جيد عن تاريخ الثقافات الموسيقية في المنطقة بطريقة تفاعل معها جميع الطلاب الذين ابدوا إعجابهم بهكذا نوع لم يألفوه من قبل".
الفنان "صلاح حمو" مدير فرقة السمور للموسيقا للغناء في بلاد الشام والرافدين تحدث عن تجربته في هذه الأمسية والتي لاحظ خلال وجود نهم كبير من قبل الطلاب لمعرفة تاريخ ونشأت الموسيقا العربية والشرقية، حيث أن أسئلتهم وملاحظاتهم لم تتوقف من بداية جلسة التعارف معهم، فضلاً الى طلبهم لمراجع ووثائق بغرض إجراء دراسات عنها بهدف التعريف بها ضمن بلادهم عند عودتهم.
وهذا تفاعل متوقع برأيي يقول صلاح:" فاللوحات التي قمنا بعزفها وشرح نشأتها لهم كان لها الصدى الكبير على المستوى العربي والعالمي، لكن الذي شجعنا تمديد فترة الحوار والنقاش معهم هو تفاعلهم ورغبتهم في الإطلاع على ما يعتبر جديد ومتميز بالنسبة إليهم".
زيارة بهدف الدراسة كانت سبباً في تنظيم رحلة هي الأولى لهذه المجموعة الطلابية إلى سوريا، وسيكون لها تكرار من قبل مجموعات أخرى ستشرف مونيكا على تنظيمها إلى سوريا بعد التفاعل الكبير الذي وجدته من قبلهم، والذي قد ينتج عن نشوء فكر جديد وأخر مختلف عما هو متعارف لديهم عن هكذا حضارة تستحق عناء السفر لأجلها.

عاهرة .... وأفتخر



ولما الخجل ... ما دام العهر صفة الجميع


مالك أبو خير

بإشارة واحدة من أصبعك ... تأتيك مسرعةً لتكون الخاتم الذي تفعل به ما تريد، رامية بجسدها على الفراش الذي تختاره ودون تردد ... مادمت ستقدم لها عند الصباح ما يكفي مصروف أسرتها ويطعمهم ما نسوا طعمه منذ زمن. تراها تنتقل بين الزبائن، تتلقى الكلمات النابية من هذا، واللمسات من ذاك دون أن ترد بكلمة واحدة أو تظهر أي انزعاج، تضع الفحم على النرجيلة و تقوم "بتظبيتها" ... تداعب هذا وتغامز ذاك، تجمع الأوراق التي دونت عليها أرقام هواتف الموجودين وتكتب لهم رقمها ... تراها أمامك في كل مكان من هذا المطعم المعروف.
في البداية ... سألت صديقي عن سبب الحركة الدائمة لهذه الفتاة وبهذه الطريقة غير اللائقة لكوننا في مكان عام يطل على الشارع ومكشوف على المارة لكون واجهته زجاجية بالكامل، وبالتالي فكل من في الداخل مشاهد بشكل واضح فضلاً أننا وسط منطقة سكنية، والسكان سيلاحظون بشكل واضح كل ما يجري داخلاً ... فأجبني ببرود مطلق: إنها مجرد نادلة تقوم بالخدمة على الزبائن بدءاً من النرجيلة والمشروبات ... حتى الذهاب معك لفراش النوم وليست وحدها بل هناك ثلاثة غيرها ومن نفس الصنف ... الذي تريد!
وضع أثار فضولي ... دفعني للتقرب اليها ومعرفة تفاصيل هذه الفتاة، والأسباب التي دفعتها للعمل في هكذا ظروف قذرة، فطلبت من صديقي مساعدتي في اقناعها باجراء حديث معي كونه على معرفة بها.
عندما جلست إلى طاولتنا قام صديقي بطرح الموضوع مباشرةً عليها ودون مقدمات مغرياً إياها بدفع ضعفي المبلغ الذي تتقاضها بذهابها مع أي زبون في المقهى.
صمتت قليلاً .. نظرت إلي بوجه مختلف عن الوجه المخصص للزبائن، ثم قالت : " أتستطيع أن تنشر كل ما أقوله... وبدون أن تحذف كلمة واحدة، وأقول بها ما اريد" مجيباً على الفور بالموافقة لتجيبني " أنا غداً بانتظارك ولا أريد مالاً وخذ لي صورة وانشرها في مقالتك أذا أردت".



في اليوم التالي توجهت الى المكان المتفق عليه، كانت تنتظرني مع مجموعة من الاوراق التي ارادت من خلالها اثبات ما تقوله ( شهادة من بيت اليتيم.. عقد زواج المتعة ... الخ) ... والتي دونت عبرهم قصتها أو كما سمتها "رحلتها في عالم الدعارة "...

رحلة بدأت منذ طفولتها ... حيث انطلقت بوادرها في بيت اليتيم في بغداد الذي رميت به بعد طلاق والديها وارتباط كل منها بزواج آخر، وانقطاعهما عن زيارتها نهائياً لمدة ثلاثة سنوات تعرضت خلالهما للتحرش الجنسي من عدد من العاملين والمشرفين الرجال لتعود بعدها لمنزل أبيها وزوجته التي لم تحتمل بقائها أكثر من اربعة أشهر فأقنعت والدها بضرورة تزويجها رغم أنها لم تتجاوز سن العاشرة، رامياً بها بين أحضان زوج تجاوز الخمسين من العمر، ليقوم بعملية اغتصاب شرعي استمرت ثلاثة أشهر عانت منها آلام جسدية ونفسية دفعتها للهروب لمنزل والدتها القاطنة في احد ضواحي بغداد، والتي كانت قد انفصلت مؤخراً عن زوجها الثاني تاركاً لها طفلين دون أي مردود مادي يذكر لتبدأ سلسة أخرى من المعاناة المادية، متوجهةً للعمل في الشارع مقابل المال ثم الذهاب مع أي زبون يوفره لها عصابة المنطقة التي كانت تعمل بها ليتم القبض عليها بتهمة الدعارة وهي لم تتجاوز الثالثة عشرة من العمر لتتشارك في زنزانة واحدة مع خمس راقصات كانوا أكادميين بتعليمها فنون الرقص وتكفلوا بعد تخريجها بتأمين عمل مناسب في أحد الملاهي الليلية، لتستمر في ذلك أكثر من اربع سنوات متتالية ...



وبعد سقوط النظام العراقي السابق سيطرت ميلشيا تدعى "جيش المهدي" على منطقتها كانت مسؤولة عن تأمين الحماية للساكنين ليقوم عدد من العناصر باختظافها واعتقالها في أحد المستودعات بمدينة النجف لمدة اسبوعين متتالين نالت خلالهما من الضرب والإغتصاب المتواصل ما يكفي ليضعوها في نهاية المطاف امام خيار واحد ألا وهو ان تختار واحداً من خمسة عشر شخصاً يعرضون عليها لتتزوج به تحت اسم " زواج المتعة " فاختارت أحدهم كحل افضل من الموت تحت وطأة الضرب والاغتصاب لتنتقل للعيش معه دون ان تجرؤ على الهروب منه لكون ذلك سيكون نتيجته قتل والدتها وطفليها... منتظرة اللحظة التي سيرمي بها هذا خارجاً ... وفعلاً وبعد مرور عشرة أشهر طردها تحت جنح الليل ليكون ذلك جواز سفر الحرية بالنسبة اليها لتقوم بالهروب في اول وسيلة نقل الى الحدود السورية لتكون مع بزوغ الفجر في العاصمة دمشق.



في دمشق بدأت رحلة من نوع أخر ... تنقل بين عمل وآخر وانتقال من منزل الى آخر ... الى ان استقرت في أحد مناطق ريف دمشق واستطاعت تأمين عمل في المطعم الذي التقيتها به، بدخل لا يتجاوز 500 ل.س يومياً من أجر عمل وبقشيش، مبلغ لم يكفيها مصاريف المنزل واجاره وارسال المال لوالدتها في العراق مما دفعها للخروج مع أول زبون يطلب سراً في البداية ... ليتحول مع الايام علناً ودون خجل ...



سألتها ألا تشعرين بالخجل كونك تمتهنين الدعارة علناً؟ تجيب: ولما الخجل " بكل قوة وصراحة " ما دام العهر صفة جميع الموجودين في هذا المكان، رجال ونساء، منهن من تجلس بكل احترام وعندما يأتيها النادل ليرسل لها طلب احد الزبائن عن نيته لاصطحابها تأتي أمام الجميع وتتفق معه على المبلغ وترافقه خارجة أمام الجميع ودونما خجل، فلما الخجل .. الجميع في هذا المكان وأغلب القاطنين في هذا الكون عاهرون ... لكن كل منهم بطريقته الخاصة.
وعند سؤالي عما تتعرض له أثناء عملها؟ ... فأجابت بجملة واحدة : " أنظر الى وجهي وأنت تعرف" ... فنحن بتنا في بيوت الزبائن كالحيوانات نلبي ما يريدون، من حركات وايماءات جنسية ورقص بين أحضانهن وتطبيق لأفلام خلاعية وبشكل حرفي فضلاً انهم قد يكونوا في بعض الاحيان مجموعة من الاشخاص في وقت واحد ... لأنال في نهاية هذا البيع الجسدي بضع ليرات سورية .. مع بقشيش كافٍ من الاهانات النفسية اللأخلاقية.

فنحن هنا لسنا سوى ساقطات، حُلل للغير أن يفعلوا بنا ما يريدون ويعبثون بنا كما يشاؤون ويطبقون علينا القوانين التي ترضي متعهتهم وشهواتهم.. دون أن نستطيع الرفض أو الاعتراض، فالصمت أهم قانون لتنجب الكثير من المشاكل التي قد تكون نهايتها السجن والتهجير الى العراق مجدداً .. وهناك سيكون القتل هو النهاية الوحيدة المقررة لي.
عدت وسألتها عما تتأمل من المستقبل وكيف ترى الايام المقبلة؟ ... صمتت ... بكت كطفل حديث الولادة .. صرخت في وجهي قائلة ... أي مستقبل ... في هكذا واقع ... أي مستقبل والهروب بات مستقبلنا كله ... والتشرد والملاهي بات مصدر رزق اغلبنا .. في كل مكان ... داخل العراق و خارجه ...



أي واقع ... وقفت لتخرج مسرعة .. دون أن استطيع ايقافها ... لترحل دون ان تكمل اللقاء ... طالبة مني رجاء واحد .. أن اكتب كل شيء بحرفيته ودون أي نقصان ... فهذه ليست قصتها وحدها بل قصة كل من طحنتهم قنابل الاخ قبل المحتل .. واغتصبهم من كان مكلفاً بحمايتهم ... رامياً بهم في ملاهي الليل ومتاهاتها ...رحلت وهي تقول لي بصوت مرتفع ....شكراً .. لك أرجوك ان تنشر كل شيء ... كل شيء