18 أغسطس، 2009

الخراب يعم مدينة جرمانا .... ولا رقيب ولا مجيب


مالك ابو خير


عند زيارتك لمدينة جرمانا التابعة لمحافظة ريف دمشق، ونظرك إلى ما وصل إليه وضع شوارعها تشعر انك ترى مكاناً انتهت به للتو معركة عنيفة بين جيشين متقاتلين واستمرت فترة طويلة من الزمن، فالشوارع يمكنك أن تطلق عليها أي اسم تريد إلا أن تسميها "شارع مخصص لسير السيارات" فيما الأرصفة انمحت واختفت كلياً جراء الاقتتال العنيف الذي كان دائراً بين القوتين المسلحتين اللتان كانتا تتقاتلان على ارض هذه المدينة.
وهذا الكلام ليس من الباب المزاح أو ( تلطيف الجو ) لكون الأجواء أساساً لا تنبئ بحصول تحسن ملحوظ على طرقات وشوارع هذه المدنية التي أنهك سكانها من وضع فاق التصورات وقطع جميع خطوط التحمل او السكوت عنه، فلا المواطن بات قادراً على الصمت أمام موجة الحفريات التي لا تنتهي لا بالصيف ولا بالشتاء، ولا البلدية او الجهات المختصة المسؤولة عن عمليات الحفر هذه تتوقف او يصاب العاملون بها بنوع من ( الإحساس بالمسؤولية ) تجاه المواطنين القاطنين في هذه المدينة المكتظة بالسكان.


فإذا ما قام احدنا بجولة تشمل طرقات مدينة جرمانا تجد أن جميعها محفور ومنذ أسابيع طويلة إن لم اقل منذ شهور قيد الإصلاح والإنشاء، وعند سؤالك عن السبب لا تجد الجواب الذي يخفف من حدة غضبك على ما يجري، ففي إحدى الطرقات وتحديداً الطريق الذي يصل بين منطقتي "الخضر والحمصي " نجد ان هذا الطريق تعرض للحفر أربع مرات متتالية وفي كل مرة تقوم الجهة التي قامت بحفره بتزفيته وجعله جاهزاً للخدمة تأتي جهة أخرى وتقوم بحفره وتخريب كل شيء من جديد وبفارق لا يتعدى الأربعة أيام بين التزفيت والحفر، وكأن الناس والمقيمون في هذه المدينة لا وجود لهم ولا إحساس بمعاناتهم جراء ما يتعرضون له من صعوبات نتيجة لهذه الحفريات المتتالية ومن دون أي مسؤولية.



الطريق العام ... في ذمة الله:


ليس من باب المبالغة عندما نقرأ الفاتحة على روح الطريق العام الذي يتصل به اغلب الطرق الفرعية في المدينة، لكونه بالفعل قد بات ضمن أعداد الموتى وقد حضر جنازته كل مقيم وزائر لهذه المدينة المهملة، فالطريق وبدأ من مدخل المدينة (عند معمل الزيت ) وحتى نهاية الخط تملئه الحفر ومن مختلف المقاسات الصغيرة أو الكبيرة القادرة على ابتلاع أفراد و التسبب بضرر بالغ للسيارات العابرة فوقه.


" أبو منير " سائق سرفيس على خط ( جرمانا برامكة) يؤكد أن نصف التصليحات التي يقوم بها على سيارته سببها الرئيسي الحفريات المنتشرة على طول الطريق وبشكل عشوائي وغير منظم، فضلا إلى العمق الكبير الذي يتمتع البعض من هذه الحفر، ودون وضع أي إشارة توضح بوجودها، الأمر الذي يشكل خطر حقيقياً على سلامة الركاب والمسايرات العابرة على طول الطريق.


فالطريق والذي يعتبر العصب الرئيسي للمدينة بأكملها بات خارج الخدمة كلياً ولأسباب عديدة أولها الحفر كما ذكرنا وثانيها ضيق مساحته والتي لا تتسع سوى لمرور سيارة واحدة في الوقت التي تدخل المدينة حوالي 4000 سيارة يومياً تعبر جميعها هذا الطريق الأمر الذي يشكل ازدحاماً مرورياً خانقاً، يتزامن مع صمت رجال المرور الذين يدققون على ( حزام الأمان و وغيرها من مسببات المخالفات ) مهملين حالة الفوضى العارمة التي تشكل حركة الطريق من بدايته وحتى نهايته وبشكل يضر بمصلحة أصحاب السيارات والمواطنين.


جبال المهملات ... ترتفع عالياً:


في وسط الزحام المنتشر ضمن المدينة الشيء الوحيد الذي يمكنك رؤيته بسهولة هو جبال القمامة المنتشرة وبكثرة ضمن أرجاء المدينة وبشكل بات بالإمكان اعتبارها " أهرامات فرعون " المنتصبة حتى الأبد، الأمر الذي يجعها مكاناً هاماً للأمراض وبيئة مناسبة لنمو وتكاثر الحشرات الضارة، وعند سؤالك لرئيس البلدية الوقور عن سبب وجودها الدائم تراه يؤكد لنا وبكل ثقة ان بلدية جرمانا تخصص الملايين مع متابعة دقيقة في سبيل القضاء والتخلص من شتى أنواع القمامة والأوساخ المنتشرة ضمنها.


فأي ملايين وأي نظافة تتحدث عنها البلدية ... وأي متابعة ونحن نرى هذه الجبال أو الأهرامات دائمة دون أي زوال، معرضة أرواح الآلاف القاطنين المدينة لخطر انتشار الأوبئة، ودونما أي مسؤولية لما يواجهه العالم من أخطار وأمراض تعتبر المهملات السبب الرئيسي لانتشارها ونموها، ففي منطقة " كرم صمادي " وحتى منطقة " كشكول " أكوام القمامة بلغت القمم وعمال النظافة لا يأتون لإزالتها الا بعد مرور يوم أو يومين على وجودها، بحيث أن مشهد الأطفال وهم يلعبون حولها بات امرأً عادياً لكنه يصبح غير عادي عندما نجدهم ينقلون إلى المشافي الواحد تلو الآخر.


حفريات وأمنيات ... مستعصية:


" فادي عزام " يقطن في منطقة الحمصي ... أمنيته الوحيد في هذه الحياة أن يعيش لليوم الذي يرى به الطريق المقابل لمنزله معبد وخالٍ من المطبات والحفر، لكون هذا الطريق حفر منذ أكثر من أربع سنوات ومازال دون أي تعبيد حتى هذه اللحظة، وعند مراجعته لبلدية المدينة تكون الإجابة بأن إنهائه سيكون عما قريب، وعما قريب هذه بلغت السنة الرابعة وقد تبلغ الخامسة والسادسة، ولعل أمنية "فادي " هي أمنية اغلب القاطنين في مدينة جرمانا، لكنها قد لا تتحقق في ظل وجود أشخاص كالقائمين والمعنيين في هذه المدينة، الذين اعتمدوا سياسة المماطلة والمراوغة مع مراجعيهم، وعدم احترام ابسط معايير الحياة والقيم الإنسانية.


ولعلنا أيضاً قد ننعي المدنية بأكملها قريباً، وخصوصاً مع الارتفاع الملحوظ في نسبة السكان بها والانتشار العشوائي والغير المنظم للمباني السكنية والتي ارتفعت نسبة المخالفات بها إلى أقصى حد، دون نسيان الملايين التي ترمى في جيوب من كانت جيوبهم بوسع الكون، فيما الفواتير ترفع إلى الجهات العليا مؤكدة صرف هذه الملايين على عمليات إصلاح الطرقات والنظافة الواضحين تماماً ضمن شراع المدينة، والذين استطاعوا أن يجعلوا " وبجدارة " شعار المواطن السوري في هذه المدينة وغيرها ( لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ) كجملة يقولها الفرد بعد أي مصيبة لا يستطيع أن يجد الحل المناسب لها.


نشرت على موقع كلنا شركاء