14 يونيو، 2009

شرطة المرور تخالف "شوفير التاكسي" .. والمواطن يدفع الفرق



مالك أبو خير




منذ اللحظات الأولى لصعودك سيارة أجرة ضمن مدينة دمشق... تنطلق مباشرة موسيقى أو طقطوقة موسيقية من نوع خاص ومميز، يشرف على أدائها وتقديمها لك (شوفير التاكسي) نفسه.

هذه الموسيقى أو (الطقطوقة) حجمها ليس بالكبير ولا تتجاوز الخمس دقائق ومتكونة من نقطيتين رئيسيتين:

الأولى تتحدث عن قانون السير الجديد وما يفعله به رجال شرطة المرور وما يتقاضونه منه من رشاوى يومية ومن كل مفرق (يعكشونهم) فيه على انفراد.

والثانية تتحدث عن ظروفه المادية وهنا تكون التفاصيل مأساوية إلى أبعد حد ممكن، بدءاً من منزله الذي لم يسدد إيجاره منذ زمن، أو ولده الذي يعالج منذ فترة في المشفى أو زوجته المتطلبة ... طبعاً دون نسيان الموسيقى الحزينة المصاحبة لكلمات الأغنية من آهات وتنهدات تشطر القلب لنصفين...

في البداية كانت هذه (الطقطوطة) تنال قبول الراكب السوري وتكون نتيجتها التعاطف مع هذا الشوفير المنكوب لكون كلماتها شبيهة بكلمات أغاني هاني شاكر الحزينة، وبالتالي لم يكن يكترث إذا أعطى الشوفير فوق التسعيرة "كم ليرة زيادة" أي ما بين العشر ليرات إلى خمس وعشرون ليرة سورية، لأنه بعد سماعه هذه المآسي، سيقول بنفسه " حرام ... معتر ... خليني ساعدوا" وطبعاً هذا يعود لكون المواطن السوري حتى فترة قريبة ما زال يترك للعواطف والمشاعر حيزاً مهما في مراكز القرار لديه.

لكن ... وبعد نشوء الأزمة المالية أو قبلها بقليل، حدث انقلاب أطاح بالعواطف والمشاعر وأسقطت من مراكز القرار لدى المواطن السوري وبات عند صعوده سيارة يرد على السيمفونية المعزوفة من قبل شوفير التاكسي بعبارة (لا تشكيلي ببكيلك.. وإذا أنت شرطة المرور عاكشتك اليوم وسالختك مخالفة مدسمة أنا شركة الكهرباء سالختني فاتورة أدسم مع أني بتدفى على المازوت).

الأمر الذي دفع شوفير التاكسي لتغيير نوع الطقطوقة من النوع الحزين للنوع الصاخب الشبيه بموسيقى (الروك أو الميتال) طارباً أذان الراكب بموسيقى لا تخلو من (تلطيشات) مسبقة من أنه لن يتقيد بالعداد وسيأخذ زيادة عن المبلغ الظاهر، وهذه المرة دون مقدمات أو استجرار للعواطف لكونه يعلم تماماً بان معظم ركابه (عايفين حالون) وطبعاً هذه الموسيقى قد تكون نتيجتها الصمت من قبل الناس المسالمين وبالتالي الرضوخ للزيادة عن الأجرة الحقيقية... لكن عند غير المسالمين تكون نتيجتها المشاحنات والملاسنات الشفوية قد تصل في بعض الأحيان لاستخدام الأيدي واستدعاء أقرب شرطي مرور.

" عدنان أبو حجر" موظف في إحدى مدارس دمشق، يحتاج كل يوم إلى ساعة أو أكثر للوصل لمنزله في منطقة الدويلعة نظراً لزحمة السير التي تصادف خروجه من مدرسته في وقت ذروة الازدحام، اضطر في أحد الأيام ونتيجة لظرف قاهر إلى ركوب سيارة أجرة تقله من مكان عمله في جديدة عرطوز إلى الدويلعة ليفاجأ عند وصوله بزيادة وصلت إلى 150 ل. س فوق التسعيرة ليدخل في نقاش طويل تحول إلى ملاسنات كلامية ومنها إلى عراك بالأيدي نظراً لتأكد الشوفير لعدم وجود دورية قريبة منه.

" ريم.ع " اضطرتها زحمة وسائط النقل في منطقة البرامكة من أخذ سيارة أجرة إلى مكان إقامتها في جرمانا بعد اتفاق مع الشوفير على أن تكون أجرة الركوب إلى منطقتها 150 ل.س مهما كان رقم العداد لتفاجأ هي الأخرى بمطالبة لها بـ 50 ليرة زيادة عن المبلغ المتفق عليه نظراً للازدحام الشديد على الطريق ولكنها عندما رفضت تقديم المبلغ لكون الموضوع لا يخصها (استحمت على حد قولها) بسيل من الكلام البذيء، ما جعلها تبكي في مكانها لدقائق معدودة.

" منير" أو " طير الحمام" كما يسمي نفسه " ( شوفير تكسي عتيد) يجد أن اغلب سائقي سيارات الأجرة في دمشق بل وفي وسورية كلها يتعرضون لظلم كبير بدأ من قانون السير الجديد الذي جعلهم في قبضة رجال المرور الذين لا يرحمونهم بمخالفات لا معنى لها تتجاوز في معظم الأحيان الـ 2500 ل.س، ففي إحدى الأيام كان في منطقة المزة- فيلات، فكتب أحد رجال المرور بحقه مخالفة عدم وضع حزام الأمان رغم وضعه له، وعند وصوله بعد قليل إلى منطقة الشيخ سعد كاد يتعرض لمخالفة أخرى وبحجة أخرى، إلا أن مبلغ 250 ليرة سورية وقف حاجزاً منيعاً أمام هذه تحرير هذه المخالفة.

يكمل منير:" فما نقوم بدفعه جراء هذه المخالفات يذهب من دخلنا ودخل أسرنا ونحن في النهاية مواطنين لدينا أولاد ومصاريف وغلاء معيشة خنقنا وأنهك كاهلنا، الأمر الذي يدفعنا لفعل المستحيل لتأمين لقمة العيش"

المواطن أولاً وأخيراً شعار لطالما سمعناه وتغنى القائمون على إطرابنا به... لكن السؤال المطروح هنا ... هل سائق سيارة الأجرة ليس من المواطنين... وهل قانون السير الجديد كان منصفاً بحقه وحق أسرته، وهل المواطن أيضا مجبور على تحمل تبعات بعض القرارات، بدءاً من ارتفاع سعر الوقود وانخفاضه.
نشرت على موقع حكاية سورية:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق