28 أغسطس، 2009

المساكنة أو الزواج العرفي .... واقع لابد من الاعتراف به

مالك أبو خير


لم يخطر يوماً في ذهن القاطنين في البناء الواقع في إحدى مدن ريف دمشق أن " منير " وزوجته " سلمى " كان زواجهما عبارة عن مساكنة دون زواج شرعي، فتصرفاتهم وعلاقاتهم الجيدة مع أهل هذا البناء وتبادلهم الزيارات معهم كأي زوجين لم يوحي أو يولد الشك لأحد بغير ذلك، فهم كانوا معروفين بحسن سلوكهم وتعاملهم مع محيطهم والجوار،ولم تكشف هذه العلاقة على حقيقتها إلا عندما اكتشاف والد سلمى لها ليأتي إلى منزلها مع عدد من الأقرباء محدثاً معركة دامية مع شريكها في السكن أو زوجها " منير " كما كان معروفاً للجميع، قصة واقعية حدثت وكادت نهايتها أن تكون مأساوية بحق الفتاة لولا تدخل أهل الخير وحلها بزواج الاثنين نظامياً.


المساكنة أو الزواج العرفي وبالرغم من عدم تقبل المجتمع ورفضه له جملة وتفصيلاً، إلا انه بات حقيقة واقعة وموجودة بين صفوف شبابنا ومنتشرة بشكل وملحوظ، ولدرجة أن البعض بات يجاهر بها علناً ومن دون خجل لكونها من وجهة نظره الحل الوحيد للعيش مع من يحب متأملاً بتحولها مع مرور الأيام إلى ارتباط حقيقي، في حين يراها البعض مجالا لخوض الحياة الزوجية وممارسة العلاقة الجنسية ومن دون أي رابط يقيده وبالتالي الانفكاك منها عند أو خلاف أو عدم اتفاق.


" نهاد بصمجي " في السنة الرابعة كلية علم اجتماع تجد في مثل هذا النوع من الزواج أو الارتباط (ضرباً من الجنون) لكونه لا يحمل أي ضمان منطقي للفتاة التي تعيش هذه الحياة التي لا يمكن اعتبارها زوجية ولأسباب عديدة أهمها أنها في أي لحظة تصبح في الشارع ومن دون أي قدرة على تحصيل حقوقها، هذا بالإضافة للضرر النفسي والجسدي اللذان يلحقان بها.
في حين لم تجد " سارة. م " مانعاً من هذا الارتباط بشرط أن يتوفر الوعي اللازم للطرفين حيث تقول: ( هناك الكثير من العوائق الموجودة ضمن مجتمعنا التي تمنع الزواج كالاختلاف في المذهب أو الدين أو عدم موافقة الأهل على الزواج ولأسباب يمكن اعتبارها هنا اجتماعية، وبرأي إذا توفر الوعي الكامل لدى الطرفين فإن هذا الارتباط قد يتحول إلى ارتباط حقيقي نتيجة لتمتن العلاقة بين الطرفين وبالتالي نجاحها في النهاية، فنحن دوما ً نحكم على مثل هكذا علاقات بالفشل كوننا ما زلنا نرى الحياة وفق منطقنا الشرقي).

القانون ... وعدم المعارضة:

"د. كندة شماط" محامية وناشطة في مجال حقوق المرأة تجد من الزواج العرفي أو المساكنة من أهم العوامل التي تساعد على تهديم وهضم حقوق الفتاة بالكامل، فالرجل هنا قادر عن التخلي عن زوجته أو صديقته في حال المساكنة ومن دون أن تستطيع مطالبته بأي مطلب من مطالبها أو تطبيق أي بند من البنود التي يمكن تطبيقها في حال الزواج النظامي، وبالتالي باتت الفتاة معرضة للطرد والحرمان من كافة الحقوق المنصوص عليها في القانون ومن دون أي مسألة من القبل الجهات القضائية والمختصة.
وعن وجود مادة في القانون تعاقب أو تمنع حالة المساكنة تجيب د " شماط " : ( لا يوجد في القانون السوري أي مادة تمنع أو تعاقب المساكنة بين اثنين دون زواج شرعي، ولا يمكن اعتبارها تحت جرم الزنا إلا تم الإبلاغ عنها للسلطات المختصة والتي تقوم باستدعاء الطرفين ودفعهما ( كما يحدث غالباً ) إلى إجراء عقد زواج نظامي).

ارتباط دون نهاية محددة:


اغلب التجارب التي أجرينا لقاءات معها ترى أنها أخذت القرار الذي يناسب المرحلة الراهنة وبانتظار أن تسنح الفرصة المناسبة ليتحول ارتباطهم أو زواجهم العرفي نحو العلن، فمنهم من يراها مجرد مرحلة عبور نحو الزواج في حين يراها البعض " ذكور وإناث " مجرد مرحلة عابرة من حياتهم وبعد ذلك يتجه كل منهما نحو حياته الخاصة.


" مازن و هبة " طالبان جامعيان، والحب على قاعد الدراسة هو ما جمعهما في حين كانت العوائق التي منعت استمرار هذه العلاقة كثيرة أهمها اختلاف المذهب الديني، الأمر الذي دفعهما للفراق في العديد من المرات لكن الحب هو ما يعود ويمنعهما من الفراق مجدداً، ولتفادي عدم الفراق قررا العيش ضمن نظام المساكنة حيث استأجرا منزلا ً في إحدى مدن ريف دمشق مقنعين الجيران القاطنين في البناء أنهم في بداية زواجهما وقد انتقلا للتو للعيش في مسكنهم الجديد.
في البداية كنت مقتنعة بالفكرة تقول هبة : ( ففراقي عن مازن يعتبر ضرب من المستحيل بالنسبة لي، لكن دوماً تكون الظروف أقوى من أي شيء، وخصوصاً بعد تخرجنا من الجامعة ووصولنا إلى مرحلة تعتبر حاسمة ألا وهي أن نكمل الطريق رغم معارضة الأهل من كلا الجانبين أو الفراق وبدء حياة جديدة لكل منا).

في النهاية لابد من الاعتراف بوجود هكذا نظام غربي بات منتشراً ومعتمداً من قبل الكثيرين من شبابنا، دون نسيان أن هذا النظام قد يكون في اغلب الأحيان مدمراً للكثير من الفتيات وسبباً في تشكيل أزمة نفسية قد تمتد لسنوات عديدة للتخلص منها لكونه لا يعتمد على أي معايير تحفظ حقوقها أمام القانون والمجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق