26 ديسمبر، 2011

تجار يتلاعبون بلقمة الموطن... والحكومة تجلس في مقاعد الاحتياط

مالك أبو خير - مجلة الازمنة
"الوضع أصبح لا يطاق" جواب لابدّ لك من سماعه عند سؤالك لأيّ مواطن سوري من ذوي الدخل المحدود عن كيفية تأمين احتياجاته المنزلية التي باتت تتناقص كل يوم ويتم حذف العديد منها والاقتصار على الضروري فقط، ولمعرفة السبب ما عليك سوى النظر إلى أسعار السلع على رفوف المحلات التجارية لتلاحظ مباشرة ارتفاعها كل أسبوع بمقدار 5 إلى10% عن الأسبوع السابق وعند سؤالك عن السبب تختلف الإجابات بين عدم توفر السلع بالسوق أو ارتفاع سعر تكلفتها وغيرها من الأسباب التي لا تستطيع أن تقدم أيّ حل للمواطن المنهك وغير القادر على تأمين دخل إضافي يوازي هذه الزيادة.
ارتفاع الأسعار المتواصل في السوق السورية بدءا من الغذائية منها ووصولاً إلى التدفئة والوقود بات من أهم الأمور التي تزعج المواطن السوري وتضيف المزيد من الأعباء على كاهله المتعب أساساً نتيجة للظروف التي تمر بها البلاد حالياً.
استنزاف للجيوب:
أغلب المواطنين الذين التقيناهم كان الألم هو العامل المشترك فيما بينهم على ما يشاهدونه من تلاعب حقيقي بلقمة عيشهم وعدم تقدير لأصحاب الدخل المحدود الذين باتوا يعانون من حالة اختناق نتيجة للوضع الراهن.
"عبد الله مرشد" موظف حكومي يقول:" أقف عاجزاً أمام ما يحدث، فراتبي لم يعد يكفي لشراء جميع الاحتياجات المطلوبة في المنزل، ولا أستطيع في ظل الظرف الراهن تأمين عمل مسائي ليكون المساعد على هذا الارتفاع في الأسعار".
"رجاء خضور" موظفة في شركة خاصة تقول:" منذ أربعة أيام لم أستطع الحصول على أنبوبة غاز والسبب ارتفاع سعرها من قبل الموزعين إلى 1000 ليرة وعدم قدرتي على أخذ إجازة من عملي للذهاب والحصول عليها من مراكز التوزيع لكون زوجي متوفٍ وأنا المتكلفة بكل المصاريف وتأمين احتياجات المنزل".
" وسام. ع " صاحب محل للمواد الغذائية يقول:" منذ بداية الأزمة ونحن نقدم للزبون في كل أربعة أو خمسة أيام سعراً مختلفاً للسلع الموجودة لدينا ولدرجة وصل الارتفاع في بعض المواد إلى 75% وبالتالي قلَّت القدرة الشرائية لدى الكثير من زبائننا، حتى إنني كنت أمتنع عن الدين لدي لكنني سمحت به من جديد لكوني أعلم أن أغلب زبائني من ذوي الدخل المحدود العاجزين عن تأمين دخل يؤمن احتياجاتهم".

الحكومة.. هي من تتحمل المسؤولية:
تحكم التجار بالأسعار والتلاعب بها لتحقيق أكبر قدر من الأرباح هو السبب الرئيس للأزمة وليس العقوبات المفروضة على سورية لكون أغلب السلع المطروحة متوافرة ومن إنتاج محلي كما يقول "سامر الشربجي" الذي يجد أن السلع التي ارتفع سعرها هي من الإنتاج المحلي ومنها ما هو متواجد منذ فترة ضمن مستودعات التجار حيث يقول:" ما يقوم به التجار حالياً هو محاولة منهم لتعويض خسائر سابقة لهم على حساب لقمة المواطن والتلاعب بمصالحه، فكثير من السلع التي ارتفع سعرها موجودة ومكدسة ضمن مستودعاتهم منذ فترة طويلة، وقاموا برفع سعرها وطرحها ضمن الأسواق بحجة عدم استقرار سعر الدولار، لكنني اسأل هنا هل بات المواطن دوماً هو الذي يتحمل جشع التجار وسلوكهم غير المستقيم".
في حين يجد " ماجد. ح " أن الحكومة هي من تتحمل الجزء الأكبر مما يجري بسبب إهمالها حيث يقول:" كل ما يحدث حالياً تتحمل الحكومة مسؤوليته، فلا تموين ولا رقابة على الأسعار وتجار الجملة والمفرق باتوا يتلاعبون بالأسعار كما يشاؤون دون رقيب على تصرفاتهم، ولنأخذ سوق الهال بدمشق على سبيل المثال حيث أصبح التاجر يتحكم بالأسعار كما يريد حيث نلاحظ كل يوم زيادة خمس أو عشر ل.س على كل سلعة، وطبعاً الزيادة لصالح تاجر الجملة وليس الفلاح الذي بات متضرراً كما المواطن العادي، وعند سؤالك عن السبب يكون ارتفاع سعر المازوت وارتفاع تكلفة الشحن الجواب الأكثر انتشاراً، فيما الرقابة تقف صامتة دون أي كلام".

للموزعين.. رأي آخر:
"منذر سلوم" تاجر جملة يؤكد أن الارتفاع يعود إلى ارتفاع سعر الدولار وعدم استقراره حيث يقول:" لا يمكن لأي تاجر أن يبيع أي سلعة لديه دون العودة لسعر الدولار، لأنه في حال لم يقم بذلك سيتآكل رأس المال لديه وهنا لا أقول هذا للدفاع عن التاجر أو الموزع لكن بالمقابل لكل شخص حساباته وعلينا أن نؤمّن الربح لأنفسنا لكوننا تجاراً وهدفنا تحقيق الربح في النهاية".
فيما يجد "غسان. ح" وهو موزع جملة أن رفع سعر السلعة أمر طبيعي بهذه الظروف حيث يقول:" عندما يرتفع سعر الوقود ترتفع معه أغلب أسعار السلع فما بالك لو أن الوقود غير متوفر وأحياناً من الصعب إيجاده حيث إن أغلب الناقلات تقف بالساعات لتأمين احتياجاتها فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار وتحديداً عندما يصل سعر المازوت في بعض مراكز الوقود إلى 22 ل. س".

تجار الأزمات... سبب الأزمة:
توقف الاستيراد هو من أهم الأسباب التي يطرحها التجار كسبب في رفع أسعارهم نتيجة للعقوبات المفروضة ولمنع الاستيراد للكثير من المواد الأولية التي تدخل في صلب إنتاجهم.
الدكتور "رسلان خضور" في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق يجد أن لا علاقة بموضوع الاستيراد بما يحدث في السوق السورية حيث يقول:" لا يوجد قرار بمنع الاستيراد وإنما هناك إرباك نتيجة ما يتعلق بالمعاملات المصرفية مع المصرف التجاري بما يتعلق بفتح اعتماد وتحويل الأموال بالإضافة إلى زيادة السعر على شحن البضائع ما يساهم في رفع سعر السلع لكن بشكل بسيط وليس بالشكل التي يُطرح في السوق.
لكن هناك شريحة من التجار وللأسف التكوين الثقافي والمهني لديهم تقوم على استغلال الأزمات وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح من خلال ممارسة نوع من الاحتكار، فمثلاً هنالك العديد من السلع الموجودة في السوق الآن يتحكم بسعرها تاجر واحد فقط يقوم برفع أسعارها رغم أنها موجودة ضمن مستودعاته منذ فترة بهدف تعويض خسائر سابقة ويضع ارتفاع سعر الدولار وعدم القدرة على الاستيراد حججاً لذلك.
فالأزمة الحاصلة اليوم برأيي هي من أشخاص أسميهم "مبدعو الأزمات" قامت باحتكار الأسواق وخلقت نوعاً من الفوضى بهدف تحقيق أكبر أرباح ممكنة وأعطيك مثالاً على ذلك: موزعو أسطوانات الغاز حيث تجدهم يكدسون الأسطوانات لديهم ويرفعون أسعارها بشكل جنوني يصل إلى حد 850 أو 1000 ليرة تقريباً بحجة عدم توفرها برغم أنها متوفرة في مراكز التوزيع بسعر 250 ليرة سورية، والمواطن أيضاً ساهم في تفعيل هذه الأزمة عبر إقباله على عملية التخزين للسلع وشرائه بكميات كبيرة ولأسباب عديدة منها الخوف من المجهول نتيجة للأحداث التي تمرّ بها البلاد أو خوفاً من انقطاع بعض السلع وعدم توفرها فيما بعد، وبالتالي فإن المواطنين بسلوكهم والتجار باحتكارهم هم من كان السبب بالأزمة".
وعن غياب دور الحكومة في فرض دور رقابي عما يجري في الأسواق السورية يجب:" في ظل الوضع الراهن يوجد وبدون شك تقصير من قبل الحكومة وإرباك كبير بالنسبة إليها في معرفة نشوء حدوث الأزمة والذي يعود برأيي إلى الأحداث الجارية في البلاد حالياً من واقع أمني ضاغط وضغط سياسي خارجي أثر عليها إلى حد ما في القيام بدورها في ردع هكذا أشخاص احتكروا السوق على مزاجهم، فلو أن وزارة التموين مارست دورها بشكل طبيعي ومنعت هذا الاحتكار لما وصل الارتفاع إلى هذا المستوى الجنوني".

ويبقى المواطن.. هو الأهم:
بين تجار الأزمات وغياب دور الحكومة في تأدية دورها الرقابي والحامي لمصلحة الفرد، يبقى المواطن هو الخاسر الأوحد لما يحدث، ويصبح تحت رحمة ارتفاع جنوني جعله يتنازل عن العديد من السلع الضرورية لديه والاقتصار على ما هو ضروري بل والضروري جداً، وكل ذلك في سبيل أن يحقق البعض الربح ولو على حساب أمن المواطن الغذائي.
فيما الأداء الحكومي الذي يجب أن يكون على أعلى مستوياته في ظل ما يحدث، نجده في غياب كبير وقد يصل إلى الشلل كما يصفه البعض حيث يقف عاجزاً عن ردع الكثير من التجار للتوقف عمّا يمارسونه من جشع يضرّ بأمن الوطن... والمواطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق