26 ديسمبر، 2011

المشاريع الصغيرة والمتوسطة بين نقص الدعم الحكومي وضعف الأداء في الساحة الاقتصادية

مالك أبو خير - مجلة الازمنة

مشاريع توضع تحت بند العائلية أو الفردية، تتميز بصغر حجم رأس المال ومحدودية التكلفة ويكون الهدف من إنشائها تأمين فرص عمل لعدد محدود من العاملين وتعتبر الداعم للمشاريع الكبيرة بل والمغذي لها، إيجابياتها كثيرة على صحة الاقتصاد الوطني لما تؤمّنه من دعم حقيقي له ومن كافة الجوانب وتساعد رغم صغرها على تخفيض نسبة البطالة المرتفعة بين صفوف شبابنا السوري.

المشاريع الصغيرة والمتوسطة.. عند سؤالك عن وجودها ضمن الساحة السورية نجده ضعيفاً وخجولاً، رغم كل ما تحمله من مميزات ومؤشرات حقيقية تساهم في رفع مستوى البنية الاقتصادية السورية، وعند السؤال عن السبب تختلف الإجابات ما بين تحمّل الدولة السورية المسؤولية لعدم وجود قرارات حقيقية داعمة لها وتطبيق فعلي لهذه القرارات على أرض الواقع إن وجدت وليس مجرد كلام، وما بين جشع المشاريع الكبيرة وطمع أصحابها الذين يخشون أن تتحول هذه المشاريع الصغيرة إلى كبيرة تنافسهم مستقبلاً.

صعوبات... وعوائق مختلفة
عديدة هي الصعوبات والعقبات التي تقف في وجه نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدينا، وتحديداً تلك العقبات التي تواجه أصحابها في بداية مشوارهم والتي تكون كفيلة بتوقفها وتعرّضها للشلل التام.
" منير وهبي" صاحب إحدى المشاريع الصغيرة في ريف دمشق، حول ما يعيق عمله ومشروعه يقول:" لا يوجد أي دعم لمشاريعنا بل على العكس كل ما يواجهنا يساعد على تحجيم دورنا على الساحة الاقتصادية، وأبسط ما أتحدث عنه هو فواتير الكهرباء مثلاً التي تأتي في كل دورة لها بمقدار رواتب ثلاث أو أربع موظفين أحياناً لدي وعند السؤال عن السبب تكون الإجابة... أنت مشروع تجاري، دون نسيان مدفوعات "البلدية وضرائب المالية" وغيرها من العقبات التي تزيد من حجم أعبائنا لا تخففها.
"ماهر عيروط" يجد في نقص الدعم الحكومي لمثل هذه المشاريع هو أهم الأسباب حيث يقول:" لو أن الحكومة تريد تسهيل مثل هذه المشاريع لكانت قامت بذلك بكل بساطة، فمنذ بداية مشروعك أول ما تواجه به هو الروتين والبيروقراطية وتحديداً في الحصول على الموافقات المطلوبة لإنشاء المشروع، وحتى في مجال القروض من البنوك تجد أن الضمانات المطلوبة تفوق قدرة المؤسسين الشباب لهكذا مشاريع، فضلاً عن عدم وجود تسهيلات لمثل هذه القروض وارتفاع سعر الفائدة غير المتلائم مع ما يواجهنا من صعوبات.
في حين يرى "باسل كنعان" أن ارتفاع أسعار المواد الأولية وبالتالي عدم القدرة على المنافسة هو أهم ما يجده عائقاً في استمرار مشروعه حيث يقول:" في معظم الأحيان نفاجأ بارتفاع سعر المواد الأولية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع في سعر المنتج وبشكل لا يمكننا منافسة منتجات مماثلة من إنتاج معامل كبيرة أخرى أو حتى مستورد مما يجعلنا نقع في عدم قدرة على التصريف وبالتالي تعرضنا لخسارة لا يتحملها أحد سوانا، ونحن أحياناً نكون غير قادرين على تأمين معاشات العاملين لدينا... فكيف بتحمل خسارة قاسية من هذا النوع.
السيد "موفق. م" مدير في مشروع صناعي يجد في ضعف توفر الكوادر الحقيقية في العمل أهم الأسباب لضعف أداء هكذا مشاريع حيث يقول:" أغلب الخبرات الحقيقية القادرة على تنمية مثل هذه المشروعات أصبحت خارج البلد نتيجة توفر فرص عمل لها بالخارج وبرواتب مغرية نحن هنا لا نستطيع تأمين ربع هذه الرواتب، وحتى الخبرات التي نقوم ببذل الجهد الكبير في تعليمها وتطويرها تجدها عند أول فرصة تتوفر لها في دول أخرى أو في مشاريع منافسة وبراتب أفضل تتجه نحوها فوراً، الأمر الذي يوقعنا بأزمات توفير البديل المناسب لهم وقد نقع بأزمة حقيقية في مجال سير العمل لحين تأمين هذا البديل.

البيروقراطية أولاً.. ونقص الخبرات ثانياً
د. أكرم الحوراني بكلية الاقتصاد بجامعة دمشق يرى أن مثل هذه المشاريع تعاني الكثير من الصعوبات ولأسباب عديدة أهمها البيروقراطية حيث يقول:" تعاني مثل هذه المشروعات الكثير من الصعوبات بدءاً من التعقيدات البيروقراطية والروتين التي تواجه أصحابها عند تأسيسهم لمشاريعهم الاستثمارية وبكافة أنواعها، وقد استطاعت الحكومة تلافي هذه العقبات في المستويات الإدارية العليا ولكن على أرض الواقع ولدى الجهات التنفيذية في المحافظات والبلديات والمدن الصناعية والجهات المسؤولة عن الخدمات مثل الطرقات والطاقة لا تزال تشهد بعض الإعاقات والتي قد تؤدي إلى إيقافها، حيث نأمل أن تتوافر جهة مسؤولة عن التنفيذ وأن تعطى الصلاحيات اللازمة لذلك.
وعن القروض المقدمة لهذه المشاريع يقول د. أكرم:" القروض المقدمة لهذه المشروعات تعتبر رافعة لرأس المال وتساعد على زيادة الربحية عن طريق توفير السيولة اللازمة لتمويل أعمالها، وبالنسبة للفوائد المطلوبة من هذه القروض تعتبر عادية ويمكن تحمّلها بسهولة لكن المشكلة تكمن برأيي في الضمانات التي يجب تقديمها من قبل أصحاب المشاريع للمصارف والتي تعتبر بالنسبة للأغلبية منهم صعبة التحقيق".
وعن العوائق التي تواجه القائمين عن هذه المشروعات يكمل د. أكرم:" هناك صعوبات تواجه القائمين على هذه المشاريع ولكن من وجهة نظري هم يتحملون السبب، كعدم قيامهم بإجراء جدوى اقتصادية وإنتاجية وتسويقية حقيقية من قبل مختصين قبل البدء بمشروعاتهم تساعدهم في رسم خطط حقيقية لهم وتمنع وقوعهم بالكثير من الأزمات لاحقاً، فضلاً عن عدم معرفة البعض بواقع السوق والطلب فيه، وإغفال البعض منهم على التوجه نحو التصدير واكتشاف الفرص الحقيقية لهم في الخارج".

العاملون في هذه المشاريع... حكاية أخرى
بقدر ما تؤمّن مثل هذه المشاريع من فرص عمل لقطاع كبير من جيل الشباب وحاضنة لإبداعاتهم إلا أنها مازالت غير قادرة حتى هذه اللحظة على تأمين الاستقرار الحقيقي لهم، والسبب يعود وبحسب آراء أغلب العاملين إلى أصحاب هذه المنشآت نفسها وذلك لعدم قدرتهم على تأمين الضمانات اللازمة لهم وعلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تعتبر هي الأخرى مقصرة في أداء واجبها تجاههم، فهنا سنتكلم عن آراء العاملين في هذه المشاريع لكونهم الصانعين الحقيقيين لها، فهم البنية الأساسية لتي تقوم على تطويرها من أصغر عامل حتى الحاصل على أعلى درجة علمية ضمنها.
"ماجد. م" موظف في إحدى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، يجد أن عمله في هذا المشروع ليس بالقادر على تأمين مستقبله حيث يقول:" الراتب الذي أتقاضاه من المعمل لا يعتبر كافياً لتأمين احتياجاتي لكوني متزوجاً ولدي أطفال، ولذلك أضطر إلى القيام بعمل آخر بعد انتهاء الدوام، ولكن المشكلة لا تكمن في الراتب وإنما بحجم العمل الملقى على عاتقي والذي يعادل عمل موظفَين وليس موظفاً واحداً وذلك ضمن سياسة من صاحب المعمل للتخفيف من حجم المدفوعات والرواتب، فأنا لست ضد تخفيض حجم المدفوعات لكن ضد أن يتم استغلالنا نظرا لعدم توفر فرص عمل كافية في السوق السورية.
فقدان العمل بأي لحظة وعدم الاستقرار هو الذي يفقد الثقة لدى "محمد قبلان" في التوجه والعمل في المشاريع الخاصة حيث يقول:" نحن في أي لحظة معرضون للطرد من العمل.. لا ضمانات لدينا ولا عقود تضمن حقوقنا، فعندما تبدأ العمل توقع على عقد لبدء العمل معهم وطلب الاستقالة بنفس الوقت وذلك لكي تؤمن لهم التهرّب من الضمانات التي تطلب منهم لاحقاً، كما لا يجوز لك الاعتراض ولا يجوز المطالبة برفع الأجور وإذا حدث وطلبت فقد تيم إيقافك عن العمل وبدون الحصول على تعويض مناسب".
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من وجهة نظر "رأفت. م" تتحمل المسؤولية في عدم ضمان حقوقهم لكونها لا تقوم بواجبها الحقيقي بملاحقة أصحاب هذه المشاريع وبشكل قانوني يجبرهم على تأمين حقوق العمال لديهم.
في حين يجد "ميلاد حنا" وهو مدير الحسابات في إحدى المشاريع أن السبب في عدم ضمان حقوق العمال يعود لعدم قدرة وجود ضمانات لاستمرار هذه المشاريع نفسها حيث يقول:" نحن منذ بداية المشروع الذي أعمل به يواجه القائمون عليه في كل يوم خطراً جديداً يهدد بقاءنا في السوق السورية، بدءاً من ارتفاع سعر المواد الأولية وحجم المدفوعات للبنوك والفوائد المتراكمة علينا فضلاً عن الضرائب والتأمينات وغير ذلك من الصعوبات التي تجعلنا في بعض الأحيان عاجزين عن صرف رواتب العاملين وتأخيرها إلى الخامس وأحياناً العاشر من كل شهر، فكيف يضمن المسؤولون حقوق عمّالهم إذا لم يضمنوا هم استمرارهم بمشروعهم".

بانتظار الإجابة.. دوماً
كثيرة هي الأسئلة التي من الممكن طرحها.. تجاه المسؤول الحقيقي عن توقف عجلة نمو هكذا مشاريع، ولعل الحكومة هي صاحبة القسم الأكبر من هذه التساؤلات والتي تعتبر المسؤول الأول والأخير عن عدم تقديم الدعم الحقيقي لها، فمعظم الدول التي نجدها الآن في الصفوف الأولى إنتاجياً واقتصاديا قدمت دعماً غير محدود لمثل هذه المشاريع.
وبانتظار الأجوبة... يبقى السؤال مطروحاً، وتبقى نزيف الهجرة وقلة فرص العمل وقلة هكذا مشاريع تساهم في بناء اقتصادنا حال وطننا واقتصادنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق