22 أغسطس، 2009

سامر المصري وباب الحارة ... من الخنجر إلى " الشنتيانه"


مالك أبو خير


لم يتوقع أي أحد من متابعي مسلسل باب الحارة عبر سلسلة أجزائه الفانتازية ذات النسيج الخيالي بامتياز، أن يتم تغييب عكيد الحارة " أبو شهاب " قائد الثورة الكبرى في دمشق وحاراتها العتيقة، وان تكون نهايته الاختفاء وبشكل لا يحمل أي نوع من المنطقية لسير العمل الدرامي والتي يمكن أن نسميها هروباً من مشاركته لزملائه الممثلون في مقاومة "الكومبارس الغاصبين" الذين أرادوا احتلال حارات الشام واغتصاب المدينة التمثلية الواقعة على ارض مطار دمشق الدولي، والسبب على ما يبدو أن مخرج المسلسل و مهندس هذه الثورة " بسام الملا " لم يرق له أن يأخذ " عكيد الحارة" حجماً أكبر من الحجم الموضوع له على نص المسلسل، فقد أراده أن يكون منفذاً لتعليمات التي توضع له من قبله ومن قبل الكاتب، حيث وعد الأخير المشاهدين بأن يتحفهم بجزء رابع مغاير تماماً عن الأجزاء السابقة والتي لعبت به أحاديث النساء و " قلقلاتهم " الدور الفعال في سير أحداث المسلسل الدرامية، وواعداً بتحويلهم من دور الصامتات الراكعات لرجالهن إلى دور المقاومات الحاميات لهذا الوطن من الاحتلال الفرنسي الغاصب.

وباختفاء " أبو شهاب " كانت نهاية سامر المصري الشامية على شاشاتنا خلال شهر رمضان الكريم، الأمر الذي سبب له أزمة نفسيةً على ما يبدو لكونه في هذا الشهر الكريم لن يكون حامي الأرض وكرامة هذا الوطن، لتكون ردة فعله على الطعنة الغادرة في الظهر والتي جعلته يبدو " بمظهر الهارب من ارض المعركة" بالبحث السريع عن خيارات أخرى يكون بها المنقذ لشرف الأمة وبالفعل توجه نحو حارة أخرى ومخرج وكومبارس آخرين وضعهم أمامه وبدأ الاقتتال معهم في سبيل تحقيق النصر الإلهي مسمياً عمله الجديد " بالشام العدية "، تلك الشام التي باتت الآن على أبواب عراك حضاري جديد تتفاعل من خلاله مع كل الحضارات الأخرى وتأخذ وتعطي في ظل هذا التطور في شتى مجالات الحياة ولربما كانت الثقافة الفرنسية والايطالية والبريطانية التي تغنى أبطال ومهندسو هذه المسلسلات الفانتازية في محاربتها ومقارعتها، ولكن عندما يخرجون من مواقع التصوير البطولية التي سالت عليها دماء الممثلين مع الكومبارس تراهم يركبون سيارات ولبسوا من أقمشة كان من حاربوهم في مواقع التصوير وانتصروا عليهم هم من صنعوها ونسجوها.
وهنا لابد من الوقوف " دقيقة صمت" ولكن ليست على أرواح من استشهدوا في مواقع التصوير، وإنما على عقول أشخاص لطالما اعتبرناهم صناع الدراما التي نأمل أن نغزوا من خلالها من لم نستطع مقاومتهم ومحاربة أفكارهم التخريبية عبر افلاهم التي جعلت عقول الكثيرين من أجيالنا ترى العنف والجنس الأساس الأول في الحياة ولعلهم هم أنفسهم من يقاتلهم إبطالنا الشجعان ضمن مواقع التصوير وينتصرون عليهم تمثيلياً في حين يهزمون وهم وأبناء جيلهم في كل لحظة من لحظات هذه الحياة، والجميل بالأمر أنه وبدلا من العمل عبر الدراما على ترسيخ ونقل التاريخ الحقيقي وجدنا بالفانتازيا والتي تعتبر ضرباً من الخيال البحت التي أشرف الكاتب والمخرج على جعلها حقيقة واقعة في عقول الكثيرين، فنحن وخلال هذه الأجزاء لم نرى ذكراً لإبراهيم هنانو مثلاً والذي يعتبر المهندس الفكري لثورة المنطقة الوسطى والداعي الأهم لوجود حياة سياسية حرة ومستقلة في البلاد ولا لرجال جبال العرب وسلطان الأطرش الذين بدوا وكأنهم كانوا في فترة الثورة يلعبون النرد وسهرات الورق حتى الصباح، ولم يذكر المفكرون السياسيون الذين ساهموا في هندسة الحياة السياسية في سورية ونقل للعرب وللمشاهدين في جميع دول العالم أن أبو شهاب قائد الثورة وبسام الملا مهندسها وصانعها، وعند السؤال عن سبب هذا .... يكون الجواب أنها فانتازيا تاريخية لا أكثر ولا أقل، لتنحصر الثورة التي انطلقت أثناء الاحتلال الفرنسي ضمن حارة أبو شهاب ومساندة حارة أبو النار لها.


من الخنجر ... إلى " الشنتيانة" :


بات من الملاحظ ما بدأت تورثه هكذا نوع من الفانتازيا لجيل ما زال ينمو ضمن مدارسنا وشوارعنا، فبعد عرض الأجزاء من مسلسل باب الحارة والمسلسلات الشبيهة له انتشرت ضمن جيوب أطفالنا وجيل المراهقين لدينا مجموعة مشابهة من السكاكين والأسلحة البيضاء التي كانت تستخدم ضمن هذه المسلسلات كنوع من التقليد والتشبيه بما يشاهدونه، ولم يقتصر هذا الانتشار على حملها فقط بل تعدى إلى استخدامها في الكثير من الأحيان كما حصل في المدارس التابعة لريف دمشق ومدينة السويداء وريف حلب والساحل السوري وغيرها من المناطق التي كتبت الصحف السورية حوادث طعن حدثت ضمن مدارسها وبين طلاب لم يتجاوزوا الخامسة عشر من العمر، مما أدى إلى إصابات وعاهات لدى البعض كما حدث في إحدى مدارس ريف دمشق في حين تم إيداع البعض الآخر سجن الإحداث، وكل هذا بسبب أن البعض من صناع الدراما لدينا يريد أن يظهر بطولاته الفانتازية وقدرته على ركوب الخيل ومحاربة الكومبارس، ودونما أي سؤال عما قد تسببه بطولاته من ترسيخ لمبدأ عنفي يحتل بسهولة كبيرة عقول المراهقين وتفكيرهم.
والأجمل بالأمر أن بطلنا سامر المصري اطل علينا ضمن إعلان تلفزيوني على إحدى الفضائيات معلنا بداية ثورة جديدة سيقوم بشنها عبر إحدى مسلسلاته ومؤكداً خلال هذا الإعلان انه ابرع من استخدم " الشنتيانة " في الشام وضواحيها مبشراً بولادة سلاح جديد من الممكن استخدامه للمراهقين والأطفال ضمن مدارسهم وشوارعهم، ومن الممكن أن يعطينا عدد من الدروس في تقنيات استخدامه وتطبيقاته الخاصة به، ولعله بدأ بتعليم هذه التطبيقات ومباشرة من خلال المشاهد الأولى من المسلسل عبر قتاله مع أكثر من 50 كومبارساً وهزيمتهم من خلال هذه الشنتيانة " اللاهية " التي استطاعت تحقيق نصر فعال رغم تسلح الكومبارس الفرنسيين بأسلحة ومعدات متطورة.
فألا يكفينا ما سيقدمه مسلسل باب الحارة هذا العام من أساليب قتالية جديدة سنجد أيضاً بطلنا العتيد يعلمنا فنون أخرى من أنواع القتال والمعارك الوهمية التي لا تفيد المشاهد بشيء لا من قريب أو من بعيد، سوى أننا سنرى سلاحاً جديداً بين أيدي أطفالنا وضمن مدارسنا وسنشهد عددا متزايدا من الأطفال في سجن الأحداث وعددا متزايداً من الجرحى قد ينال الأساتذة نصيباً جيداً منه.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ... هل نحن بحاجة لمثل هذه الجرعات الدرامية الفانتازية؟ وما هي الفائدة التي تعود بها علينا؟ ...... الجواب كلا فنحن بحاجة لجرعة من الدراما التي تغذي نفوسنا وتطرح قضايانا وتساهم في وضع الحلول، فمسلسل " ليس سراباً " برأي وبرأي الكثيرين كان انتصاراً حقيقياً لفنانين حقيقيين بدأً من الكاتب والممثلين وحتى المخرج يجب أن نقف لهم وقفة احترام لطرحهم لقضية لا بد من طرحها وبقوة ضمن مجتمع بدأ يتفاعل مع نفسه ومع الغير بقوة كبيرة، ومسلسل ندى الأيام أو فسحة سماوية اللذان طرحا مفاهيم وقضايا عن المرأة ومعاناتها ضمن مجتمعنا وطالبا بحقوقها هم من نحن بحاجة إليهم لا أن نجعل نسائنا كالنساء الأفغانيات والتي قدمهم باب الحارة عبر أجزائه بصورة مشابهة تماماً، فنحن نريد من الدراما السورية أن تطرح واقعنا وتحاول أن تقدم حلولاً مناسبة لا أن ننتقل من حمل الخنجر والتباهي به ضمن مسلسلنا العتيد إلى حمل " الشنتيانة " كما بشرنا بطلنا المغوار وبالتالي نساهم في خلق مشكلة جديدة بدلا من حل المشاكل الاجتماعية المتراكمة ضمن صفوف مجتمعاتنا.


نشرت على موقع كلنا شركاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق