21 يونيو، 2009

" المرأة الإيرانية " نزع لغطاء الرأس ... ولو سراً


مالك أبو خير

(نشرت على موقع كلنا شركاء)

تعتبر الأحداث القادمة من الجمهورية الإيرانية الشغل الشاغل لمعظم وسائل الإعلام العربية والغربية، لكون ما يجري يعتبر سابقة لم تحدث في هذه الجمهورية العظمى منذ قيام الحكم الإسلامي بها وحتى يومنا هذا.
فقسوة الأحداث والتصادم العنيف الحاصل بين القوات التابعة للنظام الإيراني والمتظاهرين تصدرت اغلب الأوقات التلفزيونية للكثير من وسائل الإعلام العربية والغربية، ولدرجة أن بعض هذه الوسائل خصصت جزءاً كبيراً من نشراتها الإخبارية لنقل الصور الواردة تباعاً عبر المواقع الكترونية المعارضة للنظام الإيراني، وفتحت باب النقاش لساعات عن تجربة جديدة في المجتمع الإيراني بدأت في ظهور أصوات معارضة لنظام ديني لطالما كانت سلطة الله العليا هي يده الضاربة على الأرض.


لكن البعض الآخر وجد أن هذه الانتخابات كانت بداية لانطلاقة جديدة للمرأة الإيرانية لم تشهدها منذ صعود السلطة الدينية إلى حكم البلاد بعد سقوط حكم الشاه، والتي فرضت منذ تسلمها مقاليد الحكم قوانين حددت حركة المرأة ضمن طوق من الأحكام الدينية يمنع تخطي خطوطها الحمراء تحت أي بند من البنود.


هذه الانطلاقة تمثلت بالعديد من النواحي أولها بشخص الدكتورة "زهرا رهنورد" زوجة المرشح الإصلاحي " مير موسوي " والتي أكدت خلال عدد من اللقاءات التلفزيونية أن "نزعها للحجاب سيكون تدريجياً"، وذلك كدلالة على بداية حملة تنادي بتحرر المرأة والحصول على حقوقها الضائعة بين سراديب السلطة الدينية، الأمر الذي كان من أهم الأسباب لوقوف المحافظين بوجهها ومهاجمتها بتهم مختلفة كان الكفر والخروج عن مبادئ الدين والتقلد بالغرب أهمها.


وعلى ما يبدو أن نزع الحجاب التدريجي لم يقتصر على زوجة المرشح الإصلاحي وحدها، بل امتد إلى اغلب الفتيات المتظاهرات والذين نالوا قسماً كبيراً من العنف الدائر بين الطرفين المتخاصمين، وتعتبر الصور ومقاطع الفيديو الواردة عبر الشبكة العنكبوتية خير دليل على ذلك، فقد عرضت إحدى هذه الأفلام مقطعاً لعدد من حراس النظام الإيراني وهم يتعدون بالضرب عبر عصيهم الغليظة على فتاة جامعية مشاركة في إحدى التظاهرات الطلابية فيما تقوم هي بالدفاع عن نفسها و الرد عليهم من خلال لافته تحمل عليها عبارة ( نريد نساء إيران حقوقنا)، فيما وضحت لنا الكثير من الصور الواردة حجم العنف الجسدي التي لاقته الفتيات المعتصمات في شوارع طهران وفي داخل غرفهم الجامعية وصلت إلى حد حدوث تشوهات في وجوه البعض ووفاة واحدة "بحسب ما ارودته التقارير".


صراع في الشارع وضمن الشبكة العنكبوتية:


بعد إحكام السلطات الإيرانية زمام سيطرتها على حركة وسائل الإعلام المحلية والعالمية المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد، أصبح الانترنت ومواقع المعارضة التابعة للمرشح المعارض " مير حسين موسوي " المنفذ الوحيد لنقل الأخبار وتداولها عبر وسائل الأعلام، معتمدين سياسة الشبكات البشرية التي تعمل على نقل مجريات الأحداث للخارج بالصوت والصورة.


الملفت بالأمر هو التواجد الكبير للمرأة الإيرانية على هذه الشبكات، وعملها المتواصل على تدوين الإخبار والمشاهد الحية للإحداث الواردة عبر الهواتف النقالة والكاميرات الشخصية، والتي اعتبرها الكثير من هؤلاء الفتيات وسيلة هامة لنقل معاناتهم للخارج وتوضيح صورة المرأة الإيرانية الحقيقة والتي كانت وما زالت ترفض نظام القوانين الدينية المفروضة على حياتيها اليومية.


فقد صرحت إحدى الفتيات المتواجدات على موقع المرشح الإصلاحي " مير موسوي" أن مخاطرتها مع الكثير من زملائها في نقل الأحداث وتدوينها ليس لاقتناعها بفكر مرشحها الإصلاحي فقط، بل لكونها ترى أن اعتماده لحقوق المرأة الإيرانية ونفض الغبار عن حقوقها المطوية ضمن قوانين السلطة الدينية الدافع الأكبر في هذه المخاطرة.
في حين تقول أخرى:" ذوباننا ضمن قوانين السلطة الدينية الحاكمة حولنا لمجرد تابعات لخطابات دينية تحرك حياتنا كل يوم جمعة كما تشاء، جاعلة من القماش الأسود ستاراً نختبئ خلفه إلى الأبد، وهذه الحركة برائي ستكون الدافع الأول لنزع هذا القماش الأسود الذي طالماً كان سبباً هاماً في تبعيتنا لسلطة ذكورية اعتمدت الدين لفرض أهوائها وأرائها علينا".


ولعل الحجاب كان العنوان المشترك بين المظاهرات والقابعات خلف الشبكة العنكبوتية لما يشكله من عبء ثقيل بنظرهم على حياتهم اليومية وأسلوب أدائهم الحياتي لكونه مفروض بأمر من السلطة الدينية الحاكمة في البلاد، فقد أظهرت إحدى الدراسات الصادرة قبل انطلاق المظاهرات الحالية في إيران عدم اقتناع أكثر من 40% من النساء الإيرانيات بالحجاب المفروض عليهم، ولدرجة ذهب البعض لاعتباره وسيلة من وسائل النظام الحالي لتحويلهم لمجرد أغنام تسير خلف جلادها.


ولكن في النهاية ... وبغض النظر من هو الفائز في هذه الانتخابات، ومن هو الرابح في نهاية هذه الثورة المنطلقة في شوارع العاصمة طهران، فإن المرأة الإيرانية استطاعت بشكل أو بأخر إعلان فوزها على جميع من ألبوسها ثوبها الأسود لسنوات طويلة، من خلال التجرؤ ولأول مرة منذ زمن طويل في مواجهة نظام الدين وسلطة الذكر المختبئة خلفه، ولعلها بدأت تذهب نحو نزع حجابها ... ولو سراً.
نشرت على موقع كلنا شركاء:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق