23 يونيو، 2009

التحويلات المالية من الخارج غياب للإحصائيات الرسمية... وأمــــوال لا تستثمـــر



مالك أبو خير



تعتبر سورية من البلدان المهمة في تصدير العمالة للخارج، والتي نجدها منتشرةً في الكثير من دول العالم يرتكز أغلبها في دول الاتحاد الأوروبي و أمريكا الجنوبية ودول الخليج العربي، حيث اعتمد قسم لا بأس منهم الاستقرار الدائم في تلك الدول والانخراط في مجتمعاتها نتيجة لطول فترة إقامته بها وتوسع أعماله في تلك المناطق، ومن المؤكد الدور الهام الذي تلعبه التحويلات المالية الآتية منهم في دعم الاقتصاد السوري وسد احتياجاته.
لكن ومع الأزمة المالية التي وصل تأثيرها إلى مختلف دول العالم وانعكست سلباً على الكثير من العمالة السورية الوافدة والتي كانت جلية في عمالة دول الخليج التي مازالت حتى هذه اللحظة تحت وطأة العودة هناك من يقول بتأثر هذه التحويلات الهامة والتي تضخ سنوياً في الاقتصاد الوطني وبالتالي خسارة موارد هامة للدخل الوطني لدينا.

غياب الإحصائيات الرسمية:



تلعب التحويلات المالية دوراً مهما في قائمة بنود ميزان الحساب الجاري في سورية حيث ساهم إلى حد كبير في خفض العجز العام وأحياناً في رفع فائض ميزان الحساب الجاري، بحيث كانت اللاعب الأفضل في تقليص الزيادة في حجم تضاعف العجز لدى الاقتصاد السوري، إضافة لاعتماد الكثير من الأسر السورية على ما يأتيها من هذه التحويلات في سد احتياجاتها المادية وبشكل بات يعتبر مصدر دخل أساسياً لهم، نظراً لارتفاع نسبة البطالة وضعف موارد دخلهم المالية.
وعلى الرغم من كل هذا فإننا لا نجد حتى هذه اللحظة تقديرات حقيقية ورسمية لحجم هذه التحويلات، فضلاً عن وجود تضارب في التصريحات في بعض الأحيان ففي سنة 2007 أكدت الحكومة أن أعداد المغتربين السوريين في الخارج والذين يقدر عددهم بـ 16 مليون مغترب ينتشرون في دول أمريكا الجنوبية والدول الأوربية ودول الخليج العربي بالدرجة الأولى، في حين نجد تقريراً صادراً عن البنك الدولي يؤكد عدم تجاوز التحويلات عن 850 مليون دولار.
وترجع الجهات الحكومية سبب غياب إحصائيات كهذه إلى عدم وجود قنوات محددة في عمليات التحويل تمكن من تحديد نسبة الأموال المحولة إضافة لاستخدام أكثر من وسيط أثناء عملية التحويل، وقد أدى الوضع المصرفي لدينا إلى اعتماد المغتربين على قنوات غير رسمية وغير نظامية لإرسال تحويلاتهم المالية كمكاتب السياحة وسفر، والاستيراد والتصدير والتي تستطيع توفير الغطاء القانوني ودون أي ملاحقة قانونية.
في حين نجد إحصائيات غير حكومية تتحدث عن حجم هزيل من التحويلات المالية إلى سورية إذا ما تمت مقارنته بالدول العربية المجاورة لنا، ففي دراسة حديثة أجراها بنك الاستثمار الأوربي حول التحويلات المالية التي يرسلها العمال المهاجرون من دول الاتحاد الأوربي إلى دول الشرق الأوسط نجد ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة مساهمة التحويلات المالية في الناتج المحلي الإجمالي حيث تتصدر الأردن ولبنان لائحة الدول العشر الأولى التي تتلقى تحويلات مالية تشكل نسبة عالية من دخلها الوطني الإجمالي ولمبالغ وصلت إلى المليارات، في حين نجد نسبة مساهمة هذه التحويلات بالنسبة للناتج المحلي السوري هزيلة.
ففي الأردن مثلاً بلغت نسبة التحويلات مليارين و934 مليون دولار مشكلة 20% من الناتج المحلي وفي لبنان بلغت خمسة مليارات و769 مليون دولار مشكلة 22% من ناتجها المحلي في حين نجدها في سورية تبلغ 824 مليون دولار لتشكل فقط 3% من ناتجها المحلي.

لا تأثير للأزمة على التحويلات:



مما لاشك به لدى المتابعين لتصريحات المسؤولين الحكوميين في سورية وجود تضارب كبير في التصريحات حول تأثير الأزمة المالية العالمية على اقتصادنا.
ففي الوقت الذي نجد فيه النائب الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء عبد الله الدردري يؤكد عدم وجود تأثير سلبي للأزمة الاقتصادية العالمية على سورية وأن النظام المصرفي في سورية مستقر وقوي، نجد في دراسة لمدير عام المصرف التجاري السوري تأكيداً بأن تأثير الأزمة المالية العالمية سيكون كبيراً على الاقتصاد السوري والذي سيتأثر كثيراً بتراجع التبادل التجاري وإرساليات المغتربين السوريين في الخارج.
ولاشك أن غياب الإحصائيات لعب دورا في معرفة حجم التراجع الحقيقي لهذه التحويلات في ظل الأزمة الحالية والتي بدأت بالأزمة المالية العالمية وانتهت بعودة عدد كبير من العمالة السورية من دول الخليج، ومن ثم وفي ظل هذه الظروف لن يبقى أمامنا سوى المكاتب الخاصة بالتحويلات المالية والتي ستكون قادرة على تقديم صورة عن مدى تأثر هذه التحويلات بهذه الأزمات.

لم تتأثر:



مدير شركة الفؤاد للصيرفة السيد فادي أبازيد يرى أن التحويلات المالية القادمة إلى سورية لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية بقدر ما تأثرت بعودة العمالة السورية حيث يقول. «في بداية الأزمة المالية كان هناك انكماش ملحوظ في حجم التحويلات القادمة من الخارج إلى الداخل السوري ومن مختلف الدول في العالم وهذا الوضع لم يتوقف على سورية وحسب وإنما امتد لمختلف الدول، لكنه عاد للتحسن تدريجياً لكون هذا الانكماش كان عبارة عن وضع مؤقت لا أكثر، لكن برأيي الانكماش الحقيقي بدأنا نشعر به بعد وصول هذه الأزمة إلى دول الخليج وانعكاس آثارها على العمالة السورية هناك والتي تعتبر المصدر الرئيسي لأغلب التحويلات القادمة إلينا، وقد تفاعلت مع صعود الأزمة في فترتها الأولى ولمدة تجاوزت الشهرين إلى أربعة أشهر لتعود بعد ذلك إلى وضعها الطبيعي».

تحويلات دون استثمارات:



رغم كل المحاولات التي تبذلها الحكومة في دعم المشروعات الاستثمارية وجلب الأموال الخاصة بالمغتربين في الخارج، إلا أننا نجد حتى الآن وجود غياب حقيقي لها عن ساحاتنا الاستثمارية، ولأسباب يرجعها المحللون إلى انتشار الكثير من العوائق أهمها الروتين والبيروقراطية وغيرهما من العوامل التي لا تساعد على توفير بيئة استثمارية ومن ثم بقائها خارجاً.
فإذا ما نظرنا إلى أغلب التحويلات المالية الآتية إلينا نجد أن القسم الأكبر منها يتجه لتأمين المعيشة لعدد كبير من الأسر «كما ذكرنا» في حين نجد أن القسم الأهم والذي يجب استثماره لا يزال خارج حدود الوطن ومستثمر في دول أخرى استطاعت توفير البيئة الصحيحة لاستثماره.
كما أننا نلاحظ في المحافظات السورية التي ترتفع بها نسبة المغتربين كمحافظة السويداء مثلاً ذهاب اغلب التحويلات المالية الكبيرة القادمة إليها لبناء قصور فاخرة تنتشر في أغلب مناطق المحافظة وتصل تكاليف بعضها إلى العشرات من الملايين والتي تكفي لبناء مشروعات استثمارية تؤمن المئات من فرص العمل لأبناء المحافظة الذين اختار معظمهم الهجرة كوسيلة لتأمين مستقبلهم ومستقبل أسرهم.
السيد «تركي. ن» يجد غياب الدعم الحقيقي من قبل الحكومة وانتشار البيروقراطية وعدم وجود بيئة استثمارية صحيحة السبب الأهم لعزوف الكثيرين من أبناء المحافظة عن تحويل أموالهم لمشروعات خدمية، مؤكداً كلامه بفشل العديد من المشروعات القائمة في المحافظة وتسببها الخسارة لأصحابها ومن ثم تحول هذه الأموال إلى قصور وأبنية لا أكثر ولا أقل.
وهنا لا بد من طرح العديد من الأسئلة يكون أهمها عن سبب تجاهل هذه الأموال وإهمالها من خلال عدم توفير بيئة استثمارية لها، وما الفرق بيننا وبين الكثير من الدول التي تسعى جاهدةً إلى تأمين كل التسهيلات للمستثمرين لديها، بينما نجد الابتزاز والروتين القاتل هما سيدي الموقف لدينا في منع هذه الاستثمارات من العودة إلى أراضيها وذهابها للاستهلاك دون توجيهه إلى قنوات استثمارية حقيقية.


نشرت في مجلة الاقتصادية:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق