09 يونيو، 2009

عاملات بلا حقوق


مالك أبو خير

عند الخامسة تبدأ ماكينات الخياطة بالتوقف واحدة تلو الأخرى، فتستعد الفتيات لمغادرة الورشة إيذاناً بانتهاء يوم آخر لم يبق منه الكثير من الساعات حتى ينتهي. ترتب القتيات ملابسهن مما علق بها من خيوط وزغب.. نظرة سريعة إلى المرآة ..بعض الرتوش على عجل والقليل من العطر هو كل ما يلزمهن ليخفين تعب اليوم الطويل. على هذا النحو تمضي الأيام على فتيات لا يملكن من أمر نفسهن إلا القليل، أجيرات.. عاملات فاعل.. أو أي تعبير آخر يصلح لوصف ما هن عليه، كونهن يعملن خارج إطار أي نوع من الضمان أو التأمين أو أدنى درجة من الاستقرار الوظيفي.

فقدان الإشراف الحكومي:


غياب عين الرقيب عن هذه الورشات وفقدان الضمير لدى الكثير من أصحابها حول اغلب العاملات في هذه الورش إلى ضحايا لعمليات نصب عبر حرمانهم من الكثير من حقوقهم بدأ من ساعات الدوام الطويلة التي تتناسب مع الراتب المقطوع عند نهاية الشهر فضلاً إلى نكران بعض مالكي هذه الورشات لحقوقهم المادية ودونما أي قدرة على تحصيلها من قبل أية جهة في تحصيل هذه الحقوق نظراً لعدم توفر عقود تؤكد عمل هؤلاء النساء في تلك الورش وعدم توفر أسمائهم في سجل وزارة الشؤون والعمل.
" ميساء" في الخامسة والعشرين من العمر، عملت في العديد الورشات والتي لم تنل من اغلبها سوى عمليات النصب وفقدان الحقوق ودونما وجود أي وسيلة قانونية لتحصيل حقوقها حيث تقول:" نحن من المنسيين في هذا المجتمع... لا حقوقنا ولا أموالنا ولا حتى كرامتنا من الممكن الحفاظ عليها في ظل الغياب الواضح للجهات الرقابية التي تغض البصر عما يقوم به أصحاب هذه الورشات وتكون السند الأول لهم في كل تصرف يقومون به معنا، فكم من مرة نشاهد الموظفون التابعون لهيئة الشؤون والعمل يأتون ويتقاضون الرشاوى من صاحب الورشة وأمام أعين ومرأى الجميع مقابل صمتهم عن وجود هذه الورشة بل وتامين غطاء قانوني لها طوال فترة عملها".
في حين عمل “هيا" لمدة شهرين كان مجانياً ومن دون أي مقابل مادي نظراً لتعرضها لعملية نصب من صاحب الورشة الذي رفض تسليم أي اجر للعاملين لحين انتهاء كمية العمل المطلوبة منهم وتسليمها للمعمل الذي تم الاتفاق معه، لتفاجأ بعض انقضاء شهرين من العمل المتواصل قيام صاحب العمل بأخذ العدة الموجودة داخل الورشة وتسليم المحل لصاحبه دون تسليم المستحقات المالية للعاملين.
هذا الغياب والتي تجده " أم منير" منطقي جداً بوجود موظفين يعرضون سلفاً طلب النقود لأي مكان يدخلون إليه حيث تقول:" في إحدى المرات دخل اثنين من الموظفين التابعين التأمينات الاجتماعية وطلبوا من صاحب الورشة مبلغ 2000 ل.س مقابل عدم تسجيل العمال على قائمة التأمينات الاجتماعية، وعندما حاول مفاوضتهم بالسعر بدأ بتهديده بتسجيل كافة أسماء العاملين لديه ووضعه تحت سلطة القانون وبالتالي عدم إمكانيته من التهرب من دفع المستحقات....والخ" الأمر الذي دفعه إلى دفع المبلغ وحسم نصفه من أجورنا لكوننا (برأيه) السبب في قدومهم وابتزازه.


تحرش الجنسي ولفظي:


اغلب العاملات يكونون ضحية التحرش الجنسي من قبل أصحاب الورشات التي يعملن بها، مستغلين عوزهن المادي وسوء أوضاعهن الاقتصادية وعدم توفر فرص العمل البديلة، بحيث يتراوح هذا التحرش ما بين اللفظي والجنسي وفي أوقات العمل.
"مدى" في الثانية والعشرين من العمر تنقلت بين العديد من الورشات، وتعرضت خلال عملها للكثير من حالات التحرش، الأمر الذي اضطرها للبحث عن عمل جديد في كل مرة حيث تقول:" لا يوجد أية رقابة على عملنا من قبل أي جهة حكومية، والرقابة الوحيدة تكون من صاحب العمل نفسه، والذي يجد اغلبنا بحاجة لهذا العمل، ومستعدين لقبول كافة شروط العمل القاسية التي يقوم بفرضها علينا مقابل مبلغ زهيد من المال قد لا يتجاوز خمسة أو ستة آلاف ليرة سورية، وبالتالي تجده يتجرأ على التحرش بهم لتأكده حاجة هؤلاء الفتيات الذين يعملن لديه للمال".
يستمر هذا القطاع في معاملة المشتغلات فيه على هذا النحو منذ سنوات طويلة بعيدا عن عيون الرقابة إلا ما ندر، ويزيد من بؤسهن الطبيعة الموسمية للمهنة، عندما يضطررن للتوقف عن العمل متى أراد صاحب العمل ذلك. فهل من العدل أن تبقى هذه الفئة تحت رحمة العرض والطلب خاصة وأن طوابير طويلة من الفتيات اللواتي لا يُجدن إلا هذه المهنة وقبلن بها أكثر مما قبلت بهن!!.
نشرت على مجلة الثرى :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق