04 يونيو، 2009

زوجة رجل مغمور

قصة قصيرة



تأليف : مالك أبو خير













تكوم حقائب السفر أمام ناظريها .. لم يكن أمراًُ غريب على تفاصيل حياتها اليومية ... ولحظات الوداع غابت عنها القبل الحميمة والأمل بالعودة منذ زمن طويل..
فزوجها حتمت عليه شهرته واتساع صيته بين أروقة الفن والإعلام السفر لكل قطعة ارض يكون غليان الإحداث وارتفاع حدة التوتر عنوانها .. فهو الإعلامي الأنسب دوماً لنقل التفاصيل وتقصي الحقائق وتقديم الحقيقة عن كل حدث يجري في هذا الكون.
باستثناء مكان واحد.. يقع داخل جدران منزله وداخل قلبها المجروح بصمت كبير..
في كل مرة تغادر حقائبه المنزل.. كانت تنتظره بفارغ الصبر حتى مات الصبر من كثرة طوله وبعده ...
أجواء الفن والفنانين، وسخونة الأحداث الجارية من حولها وربوع السهرات وأضواء الإعلام والشهرة ... عنواين لطالما كانت تدق مضاجعها باللام والحسرة .. فهي من أهم أسباب بعدها عن ذراعيه وبقاء فراشها بارداً دونه.
فهي عرفته رجلاً عادياً ... بسيطاً يكتب في الصحف والمجلات، يظهر أمام إحدى الكاميرات يلقى خبراً .. أو ناشطاً في إحدى المجالات الحقوقية والإنسانية .. لا أكثر أو أقل ... لدرجة كان لها الحصة الأكبر من قلبه واهتمامه...
كان مغموراً في تلك الفترة ... لا يسمع عنه أحد سوى المحيطين به من الأقارب والجيران والعاملين معه في نفس المجال .. الا ان تدخل القدر كعادته معه، رامياً بحجار الحظ بملعب طاولته الإعلامية .. متحولاً بين ليلة وضحاها لأهم الإعلاميين وأكثرهم شهرة بعد تغطية لحدث ساقته الصدف للتواجد حين حدوثه .. صاعداً على اثرها طريق النجوم وتسلق جبال القمر .. ناسيا على اثر ذلك الكثير من التفاصيل الهامة البسيطة والتي كان فراش الزوجية أهمها.




*****




في احدى السهرات التي كانت تجمعها بصديقاتها شاءت الأقدار بوجود عرافة (قارئة طالع) عرفت بإصابة الهدف عبر كلماتها ... وكشف المستور بمجرد التمعن بالفنجان المقلوب بعد دورانه بين ايدي من تاهت ايديهم عن لمس الحقيقة واعينهم عن رؤيتها.
نظرت الى فنجانها ... تمعنت جيداً ثم رفعت عينيها مطلقة سهامها نحوها قائلة:
-كلامي ليس موجهاً اليك ... بل إلى أعماق وقلبك وأنت حسب ما أرى من الذكاء كفاية لتفهمي كلماتي وتترجميها بالطريقة التي ترينها مناسبة ...أنت زوجة رجل مغمور جداًُ ... لدرجة لم يعد احد يعرفه سواك أنت ... وأنت على حسب ما أرى بصدد التعريف عنه من جديد...
صعدت أصوات الضحك من الموجودين فجأة، مقاطعة حديث العرافة، وللتابع أحدى صديقاتها هذه المقاطعة قائلةً:
-لكنها أيتها العرافة زوجة السيد (.....) المعروف جداً ..اعتقد أن خطوط الفنجان هذه المرة لم تكن واضحة كفاية لديك.
رفعت العرافة عينيها بهدوء للأعلى.. مقاطعة ضحك الموجودين وصخبهم قائلةً:
-ألم تلحظوا أن من وجعت الحديث إليه لم يضحك مثلكم ... فأنا اعتقد .. إن لم أكن متأكدة تماماً أنها فهمت معنى كلماتي جيداً ..
كانت عيناها كما شفتاها .. تغلغل الصمت لهما ..فيما عيناها لم تجرأن النظر في عيني العرافة أو رفعهما عن الأرض
أعادت العرافة النظر للفنجان من جديد لتكمل كلامها وتنهيه بنفس الوقت بكلمات قليلة قائلة:
-من الحق لأي إنسان ان يحرق حطبه في المكان الذي يراه مناسباً للتدفئ به .. لكن دون ان ينسى أن دخان هذا الحطب لا يمكن اخبائه .. ولابد من يوم ويشتم احد رائحته ..
لم تستطع أعصابها الاحتمال في الجلوس أكثر .. اعتذرت بهدوء من جموع الحاضرين وسط دهشتهم.. رامية بنفسها على فراش من هجرها حين عودتها المنزل .. ماسحة كل ما احتوى وجهها من ألوان التجميل على فراشها الأبيض بعد بكاء مرير ..
فكلام العرافة اخترق قلبها في الصميم..
لكونها الوحيدة من بين الجميع التي استطاعت تفسيره بدقة ... فزوجها بات مغموراً وغير معروف لقلبها الذي رهنته له على مدى سنين طويلة .. ولجسدها الذي لم يستطع يوماً لعب الدور الذي تلعبه العاهرات اللواتي اعتاد النوم معهن .. فهي ليست بساقطة مثلهم .. ولا جسدها اعتاد لعب هذا الدور ...
رفعت رأسها.. أمسكت حقيبتها فيما ذاكرتها تعيد كلمات العرافة الاخيرة عن الحطب واحتراقه .. لتدخل عيناها دوامة الدوران والتفكير وصولاً الى قرار حاسم كان لابد منه منذ زمن طويل .. وكلام العرافة كان السبب الرئيسي في اتخاذ بهذه اللحظة بالذات ..تناولت هاتفها الخليوي من حقيبتها ... لتضغط على رقم اعتادت ضغطه منذ فترة ... ليست بالبعيدة.
رن الهاتف ... اجاب الشاب بلهفة وشوق كبير
- حبيبتي منذ ساعتين وانا انتظر اتصالك اين انت ..
اجابت بهدوء : اليوم لن ادفئ فراشك ... ولن ادفئه .. حتى انهي أوراق طلاقي ... واقلب صفحتي مع هكذا زواج .. دمرني.
سأحرق حطبي ... ولن أخجل من دخانه بعد اليوم ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق