22 أبريل، 2009

عاهرة .... وأفتخر



ولما الخجل ... ما دام العهر صفة الجميع


مالك أبو خير

بإشارة واحدة من أصبعك ... تأتيك مسرعةً لتكون الخاتم الذي تفعل به ما تريد، رامية بجسدها على الفراش الذي تختاره ودون تردد ... مادمت ستقدم لها عند الصباح ما يكفي مصروف أسرتها ويطعمهم ما نسوا طعمه منذ زمن. تراها تنتقل بين الزبائن، تتلقى الكلمات النابية من هذا، واللمسات من ذاك دون أن ترد بكلمة واحدة أو تظهر أي انزعاج، تضع الفحم على النرجيلة و تقوم "بتظبيتها" ... تداعب هذا وتغامز ذاك، تجمع الأوراق التي دونت عليها أرقام هواتف الموجودين وتكتب لهم رقمها ... تراها أمامك في كل مكان من هذا المطعم المعروف.
في البداية ... سألت صديقي عن سبب الحركة الدائمة لهذه الفتاة وبهذه الطريقة غير اللائقة لكوننا في مكان عام يطل على الشارع ومكشوف على المارة لكون واجهته زجاجية بالكامل، وبالتالي فكل من في الداخل مشاهد بشكل واضح فضلاً أننا وسط منطقة سكنية، والسكان سيلاحظون بشكل واضح كل ما يجري داخلاً ... فأجبني ببرود مطلق: إنها مجرد نادلة تقوم بالخدمة على الزبائن بدءاً من النرجيلة والمشروبات ... حتى الذهاب معك لفراش النوم وليست وحدها بل هناك ثلاثة غيرها ومن نفس الصنف ... الذي تريد!
وضع أثار فضولي ... دفعني للتقرب اليها ومعرفة تفاصيل هذه الفتاة، والأسباب التي دفعتها للعمل في هكذا ظروف قذرة، فطلبت من صديقي مساعدتي في اقناعها باجراء حديث معي كونه على معرفة بها.
عندما جلست إلى طاولتنا قام صديقي بطرح الموضوع مباشرةً عليها ودون مقدمات مغرياً إياها بدفع ضعفي المبلغ الذي تتقاضها بذهابها مع أي زبون في المقهى.
صمتت قليلاً .. نظرت إلي بوجه مختلف عن الوجه المخصص للزبائن، ثم قالت : " أتستطيع أن تنشر كل ما أقوله... وبدون أن تحذف كلمة واحدة، وأقول بها ما اريد" مجيباً على الفور بالموافقة لتجيبني " أنا غداً بانتظارك ولا أريد مالاً وخذ لي صورة وانشرها في مقالتك أذا أردت".



في اليوم التالي توجهت الى المكان المتفق عليه، كانت تنتظرني مع مجموعة من الاوراق التي ارادت من خلالها اثبات ما تقوله ( شهادة من بيت اليتيم.. عقد زواج المتعة ... الخ) ... والتي دونت عبرهم قصتها أو كما سمتها "رحلتها في عالم الدعارة "...

رحلة بدأت منذ طفولتها ... حيث انطلقت بوادرها في بيت اليتيم في بغداد الذي رميت به بعد طلاق والديها وارتباط كل منها بزواج آخر، وانقطاعهما عن زيارتها نهائياً لمدة ثلاثة سنوات تعرضت خلالهما للتحرش الجنسي من عدد من العاملين والمشرفين الرجال لتعود بعدها لمنزل أبيها وزوجته التي لم تحتمل بقائها أكثر من اربعة أشهر فأقنعت والدها بضرورة تزويجها رغم أنها لم تتجاوز سن العاشرة، رامياً بها بين أحضان زوج تجاوز الخمسين من العمر، ليقوم بعملية اغتصاب شرعي استمرت ثلاثة أشهر عانت منها آلام جسدية ونفسية دفعتها للهروب لمنزل والدتها القاطنة في احد ضواحي بغداد، والتي كانت قد انفصلت مؤخراً عن زوجها الثاني تاركاً لها طفلين دون أي مردود مادي يذكر لتبدأ سلسة أخرى من المعاناة المادية، متوجهةً للعمل في الشارع مقابل المال ثم الذهاب مع أي زبون يوفره لها عصابة المنطقة التي كانت تعمل بها ليتم القبض عليها بتهمة الدعارة وهي لم تتجاوز الثالثة عشرة من العمر لتتشارك في زنزانة واحدة مع خمس راقصات كانوا أكادميين بتعليمها فنون الرقص وتكفلوا بعد تخريجها بتأمين عمل مناسب في أحد الملاهي الليلية، لتستمر في ذلك أكثر من اربع سنوات متتالية ...



وبعد سقوط النظام العراقي السابق سيطرت ميلشيا تدعى "جيش المهدي" على منطقتها كانت مسؤولة عن تأمين الحماية للساكنين ليقوم عدد من العناصر باختظافها واعتقالها في أحد المستودعات بمدينة النجف لمدة اسبوعين متتالين نالت خلالهما من الضرب والإغتصاب المتواصل ما يكفي ليضعوها في نهاية المطاف امام خيار واحد ألا وهو ان تختار واحداً من خمسة عشر شخصاً يعرضون عليها لتتزوج به تحت اسم " زواج المتعة " فاختارت أحدهم كحل افضل من الموت تحت وطأة الضرب والاغتصاب لتنتقل للعيش معه دون ان تجرؤ على الهروب منه لكون ذلك سيكون نتيجته قتل والدتها وطفليها... منتظرة اللحظة التي سيرمي بها هذا خارجاً ... وفعلاً وبعد مرور عشرة أشهر طردها تحت جنح الليل ليكون ذلك جواز سفر الحرية بالنسبة اليها لتقوم بالهروب في اول وسيلة نقل الى الحدود السورية لتكون مع بزوغ الفجر في العاصمة دمشق.



في دمشق بدأت رحلة من نوع أخر ... تنقل بين عمل وآخر وانتقال من منزل الى آخر ... الى ان استقرت في أحد مناطق ريف دمشق واستطاعت تأمين عمل في المطعم الذي التقيتها به، بدخل لا يتجاوز 500 ل.س يومياً من أجر عمل وبقشيش، مبلغ لم يكفيها مصاريف المنزل واجاره وارسال المال لوالدتها في العراق مما دفعها للخروج مع أول زبون يطلب سراً في البداية ... ليتحول مع الايام علناً ودون خجل ...



سألتها ألا تشعرين بالخجل كونك تمتهنين الدعارة علناً؟ تجيب: ولما الخجل " بكل قوة وصراحة " ما دام العهر صفة جميع الموجودين في هذا المكان، رجال ونساء، منهن من تجلس بكل احترام وعندما يأتيها النادل ليرسل لها طلب احد الزبائن عن نيته لاصطحابها تأتي أمام الجميع وتتفق معه على المبلغ وترافقه خارجة أمام الجميع ودونما خجل، فلما الخجل .. الجميع في هذا المكان وأغلب القاطنين في هذا الكون عاهرون ... لكن كل منهم بطريقته الخاصة.
وعند سؤالي عما تتعرض له أثناء عملها؟ ... فأجابت بجملة واحدة : " أنظر الى وجهي وأنت تعرف" ... فنحن بتنا في بيوت الزبائن كالحيوانات نلبي ما يريدون، من حركات وايماءات جنسية ورقص بين أحضانهن وتطبيق لأفلام خلاعية وبشكل حرفي فضلاً انهم قد يكونوا في بعض الاحيان مجموعة من الاشخاص في وقت واحد ... لأنال في نهاية هذا البيع الجسدي بضع ليرات سورية .. مع بقشيش كافٍ من الاهانات النفسية اللأخلاقية.

فنحن هنا لسنا سوى ساقطات، حُلل للغير أن يفعلوا بنا ما يريدون ويعبثون بنا كما يشاؤون ويطبقون علينا القوانين التي ترضي متعهتهم وشهواتهم.. دون أن نستطيع الرفض أو الاعتراض، فالصمت أهم قانون لتنجب الكثير من المشاكل التي قد تكون نهايتها السجن والتهجير الى العراق مجدداً .. وهناك سيكون القتل هو النهاية الوحيدة المقررة لي.
عدت وسألتها عما تتأمل من المستقبل وكيف ترى الايام المقبلة؟ ... صمتت ... بكت كطفل حديث الولادة .. صرخت في وجهي قائلة ... أي مستقبل ... في هكذا واقع ... أي مستقبل والهروب بات مستقبلنا كله ... والتشرد والملاهي بات مصدر رزق اغلبنا .. في كل مكان ... داخل العراق و خارجه ...



أي واقع ... وقفت لتخرج مسرعة .. دون أن استطيع ايقافها ... لترحل دون ان تكمل اللقاء ... طالبة مني رجاء واحد .. أن اكتب كل شيء بحرفيته ودون أي نقصان ... فهذه ليست قصتها وحدها بل قصة كل من طحنتهم قنابل الاخ قبل المحتل .. واغتصبهم من كان مكلفاً بحمايتهم ... رامياً بهم في ملاهي الليل ومتاهاتها ...رحلت وهي تقول لي بصوت مرتفع ....شكراً .. لك أرجوك ان تنشر كل شيء ... كل شيء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق