14 سبتمبر، 2009

فرص العمل الوهمية لدى القطاع الخاص ... سرقة لجهود الشباب أم نهب لأحلامهم؟




مالك أبو خير

بات من المعروف لدى الجميع أنواع المعاناة والصعوبات التي تواجه شبابنا السوري في سبيل الحصول على فرصة عمل في ظل التراجع الذي أصاب أغلب المؤسسات الصناعية السورية، والتي ازدادت مع نشوء الأزمة العالمية وادعاء الكثير من الشركات الصناعية تأثرها بنتائجها الأمر الذي أدى لتسريح المئات من العمال وأفقد الكثير فرص عملهم التي كانت موردهم الوحيد في المعيشة والاستمرار، وهذا ليس مقتصر علينا في سورية وحسب وإنما شمل العديد من دول العالم، لكن أن يتم استثمار هذا النقص بفرص العمل من قبل ضعاف النفوس وتحويله لوسيلة لتحقيق ربح لجيوبهم، فهنا لا بد أن نقف ونضع العديد من التساؤلات.

فبعض الشركات استغلت عوز الكثير من الشبان لفرصة عمل تؤمن لهم لقمة العيش، وبدأت باستقطاب عاملين لديها بعد وعود برواتب وعمولات مغرية، ليكون مصيرهم بعد عمل قد يستمر لشهرين أو أكثر بالطرد ودون الحصول على مستحقاتهم المالية، ودونما أي قدرة من هؤلاء العاملين في تحصيل حقوقهم.

فرص عمل بالجملة :

عندما تتصفح الصحف الإعلانية المنتشرة بكثرة ضمن أسواقنا ومكتباتنا وتشاهد حجم طلبات العمل المتوفرة عبر صفحاتها تصاب بالدهشة لكثرة إعلانات التوظيف والتي تعود لعدد من الشركات التي تطلب موظفين وبكفاءات عالية و أحياناً من دون توفر أي شهادة أو خبرة، وبالتالي فإنك تشعر تجاه من يتحدث عن انتشار البطالة بين صفوف شبابنا بأنه مجرد شخص يحاول نشر إشاعات كاذبة وغير صحيحة عن وضع العمالة لدينا، وخصوصاً عندما تشاهد حجم الرواتب والأجور المرتفعة المقدمة من هذه الشركة خلال إعلانها، لكن وعندما تتجه نحو إحدى هذه الشركات طارقاً أبوابها للعمل، تبدأ فصول رحلة من المشقة والعذاب وتحديداً عندما تسقط الأقنعة عن وجوه أصحابها، وتجد أن ما كتب كان مجرد وهم يراد منه ابتزاز وسرقة حلم العمل وتأمين لقمة العيش اللذين باتا ضرباً من الخيال للكثيرين من شبابنا.

" فراس. ب " خريج أدب عربي منذ ثلاث سنوات، كان أحد الشباب الذين تصفحوا تلك الصحف الإعلانية وتوجه نحو إحدى تلك الشركات التي عرضت أجراً شهرياً وصل إلى 35 ألف ل.س، وعند اتصاله بهم تفاجأ بتحديد موعد له مع مدير الشركة على الفور في اليوم التالي لاتصاله، ليطلب مدير العمل منه خلال لقائه العمل كمندوب للمبيعات حيث سيقوم بتسويق إحدى المنتجات المستوردة من الخارج للمحلات و مناطق البيع الفخمة حصراً، وعند سؤاله عن مدى صحة الراتب المعلن عنه في الجريدة الإعلانية، أجابه المدير بأنه لا يقدم راتب ثابت بل عمولات!... أي أن أجره سيكون لقاء ما يقوم ببيعه من المنتج وسيخصص له نسبة مرتفعة من ناتج البيع، والتي ستصل إلى المبلغ المعلن عنه في الجريدة وقد يكون أكثر إذا ما نشط في العمل والترويج للمنتج.

كنت مضطراً على الموافقة " يقول فراس ": فهذا العمل وبالرغم من أنه بعيد تماماً عن مجال دراستي إلا أنني لم أجد من خيار أخر متاح أمامي سوى القبول بما عرض علي، فحجم المسؤولية المرمي على عاتقي كبير وقد أصبحت في سن لابد من تخفيف نفقاتي عن كاهل أسرتي التي تعاني من عوز مادي شديد.

فمنذ اليوم الأول لعملي في هذه الشركة وحتى مرور شهر كامل تجولت خلاله في معظم أنحاء مدينة دمشق وريفها طارقاً أبواب جميع المحلات الكبيرة والصغيرة، واستطعت بيع كمية جيدة من هذا المنتج (الصاروخي) وبكمية كانت عمولتي بها لا تقل عن 9 آلاف ل.س، وعند مطالبتي بهم في نهاية الشهر صرف لي محاسب الشركة مبلغ 2000 ل.س فقط!... والسبب أنني لم أحقق الحجم المطلوب من المبيعات، وعند مراجعتي مدير الشركة أكد أن ما تم صرفه لي هو مجرد مكافئة لا علاقة لها بالمبلغ المستحق الدفع لي لقاء عمولتي وهي من باب التشجيع، مؤكد انه سيتم دمج عمولتي في نهاية الشهر القادم وستسلم لي دفعة واحدة، لأفاجأ عند نهاية الشهر الثاني بصرف 2000 ل.س من أصل المبلغ المستحق والذي وصل إلى 20 ألف ل.س، وعند اعتراضي واتهامي لمدير الشركة بالنصب والاحتيال وسرقة جهدي طوال الشهرين أجابني وببرود مطلق :" اذهب واشتكي للمكان الذي تريد .. لن ينفع أي شيء ستقوم به، فليس بيدك أي دليل ضدي"، وتم طردي دون أن احصل باقي مستحقاتي المادية.

قانون ... ولكن :

المحامي "مصطفى عدنان قهواتي" يرى أن هناك الكثير من القوانين والتشريعات التي تضمن حقوق العمال والموظفين في القطاع الخاص وغيره، حيث يقول : المشكلة هنا ليست بالقوانين وإنما تكمن في عدم معرفة اغلب العاملين بهذه القوانين وبالتالي وقوعهم لعمليات نصب واحتيال من قبل أصحاب تلك الشركات الذين يستغلون جهل العامين لديهم بهذه التشريعات التي تعتبر كفيلة بتحصيل حقوقهم كاملة، ففي ما يخص التسريح التعسفي للموظفين فقد نصت المادة مادة (2) من قانون أصول تسريح العمال "مرسوم تشريعي رقم (49) على صاحب العمل الذي يرغب في تسريح أحد عماله أن يحصل مسبقاً على موافقة (لجنة قضايا التسريح) والتي تتكون من قاضي ترشحه وزارة العدل رئيساً ومندوب عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومندوب أخر عن المحافظة ومندوب عن وزارة الداخلية بالإضافة لمندوب عن أصحاب الأعمال في المحافظة تنتخبه منظماتهم بالطريقة التي يحددها وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، ويقوم عمل هذه اللجنة على دراسة أسباب فصل العاملين وتناقش أسبابها وفي حال عدم اقتناعها فإنها تلزم صاحب المنشأة أو الشركة على تقديم الالتزامات المفروضة عليه تجاه هذا العامل.

ولكن للأسف ما يحصل على أرض الواقع هو أن أغلب الشركات لا توقع العاملين لديها على عقود عمل نظامية يتم وضع نسخ منها لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وإن وقعتهم على عقود نظامية يرفق بها طلب استقالة من العامل مع براءة ذمة يتم إبرازها من قبل أصحاب تلك الشركات في حال وقوع أي خلاف، الأمر الذي يجعل حقوقه بالكامل مرهونة لضمير أشخاص قد ينعدم الضمير والأخلاق لديهم عند وقوع هذا الخلاف كما يحدث عند أغلب شركاتنا، فضلا إلى وجود استغلال واضح للقوانين وتحديداً للمادة 76 من قانون العمل والتي يسمح بندها الثاني بفصل العمال دون تقديم تعويضات في حال كان ما يزال تحت فترة الاختبار، بحيث نجد أن أغلب العمال الذين يتم فصلهم تعسفياً وفي حال تم ملاحقة أصحاب تلك الشركات تكون الحجة المستخدمة أنهم ما زالوا تحت فترة الاختبار رغم أن البعض منهم يكون قد تجاوز عدة سنوات له في الخدمة.

وهنا لابد من طرح تساؤل مهم ... وهو عن كيفية سماح تلك الوسائل والجرائد الإعلانية لهذه الشركات من نشر إعلانها على صفحاتها دون تقديم أي دليل أو مستند قانوني يثبت صحة ادعاء تلك الشركة، فإذا ما أراد أحد ما أن يعلن عن حاجته لموظفين لا يطلب منه سوى صورة عن الهوية الشخصية فقط، ودونما طلب أي إثبات أو صورة عن ترخيص لمنشأته أو شركته، فلو تم إتباع هذا الأسلوب مع الشركات المعلنة من قبل هذه الوسائل الإعلانية كما يحدث في الدول المتقدمة، فإننا بذلك نحد من حجم الإعلانات التي تحتال على حقوق العاملين كما أنه يساعد موظفي الوزارة أنفسهم في متابعة أصحاب تلك المنشأة والتحقق من قيامهم بتسجيل العاملين لديهم ضمن قوائم التأمينات في الوزارة.

انعدام للرقابة... والإشراف:

من الملاحظ انعدام الإشراف على أغلب العاملين ضمن الشركات والمنشآت الصناعية في سورية، فلا هم مسجلون ضمن قوائم وزارة الشؤون ولا عقود نظامية تضمن حقوقهم أو بقائهم ضمن عملهم، ففي مدينة جرمانا بريف دمشق مثلاً نجد ما يقارب الأربعين ورشة للخياطة، في كل واحدة منها يوجد ما لا يقل عن ثلاثين عاملة يعملن ضمن ظروف في غاية من السوء، فالراتب لا يتناسب مع المجهود المبذول في العمل، والطرد التعسفي يكون الحل الدائم لأصحاب تلك الورش في حال نشوب أي خلاف نتيجة لتوفر اليد العاملة وبكثرة ضمن هذا المجال، وعند السؤال عن الجهة التي تحمي حقوقهن تكون الإجابة ( الله وحده عز وجل ).

" فاطمة . ك " شابة لم تتجاوز الخامسة والعشرين من العمر، عملت في العديد من الورشات المنتشرة بكثرة ضمن منطقتها، وحرمت في العديد منها من حقوقها وأجورها المستحقة نظراً لعدم وجود أي دليل قانوني يثبت صحة عملها في تلك الورش حيث تقول: ( معظم تلك الورشات تعمل ضمن أقبية ومناطق نائية، قد لا يصل موظفو وزارة الشؤون الاجتماعية إليها، حيث نعمل بظروف في غاية السوء، بدءاً من ساعات الدوام الطويلة والتي تصل إلى العشر ساعات يومياً، وبراتب لا يتجاوز 10 آلاف ليرة سورية والطرد من العمل هو أسهل ما يمكن قوله من قبل صاحب العمل في حال أي خلاف ولو كان بسيطاً، الأمر الذي يجعلنا في حالة خوف دائمة من فقدان لقمة العيش وبالتالي الرضوخ لكافة الشروط القاسية المفروضة من قبلهم في العمل.

الوزارة غائبة ... أم في سبات:

لعل أكثر جهة يمكننا أن نوجهه اللوم إليها هي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تلعب دور الغائب من هذه القضية، لكونها غير قادرة على تحصيل أبسط حقوق العاملين ضمن القطاع الخاص الذين باتت أرزاقهم مرهونة بمزاجيات وضمائر أصحاب العمل، فغيابها عن دور المشرف والمراقب لهذه الشركات كان السبب الأهم في فسح المجال لها بالتلاعب بأرزاق العاملين.

وهنا نتساءل وبقوة عن سبب هذا الغياب والتقصير من قبل المعنيين في الوزارة بملاحقة أصحاب تلك الشركات ووضع قيود صارمة تمنعهم من التلاعب بلقمة عيش أناس وجيل شباب مل الانتظار أمام مكاتب العمل وانقطع أمله بالحصول على دخل يحفظ كرامته ويمنعه من الوقوع فريسة لمن هب ودب، فإن كان المعنيون عن الأمر غير قادرين على وضع حلول وحماية أصحاب الحق فإلى من يتوجهون بالشكوى أو السؤال، ولكن وكما يبدو أننا نحتاج لقوانين وتشريعات تجبر القوانين السابقة على التطبيق وأخذ دورها في إنقاذ من تبقى من جيل شاب بدأ يتجه نحو طريق المطار .... ودون عودة.


نشرت على موقع حكاية سورية

هناك تعليق واحد:

  1. hello... hapi blogging... have a nice day! just visiting here....

    ردحذف