03 أغسطس، 2009

من أجل أطفالنا.... خليها نظيفة مثل الفل



مالك أبو خير



هل فكر أحد منا يوماً بالوقوف ولو دقيقة إلى جانب مستشفى أمراض الأطفال الواقع بجانب مشفى المواساة بدمشق، وأن يسأل عما يعانيه الأطفال الموجودين من أمراض وآلام يحتاج علاجها للكثير من الوقت والمال، ثم يصعد إلى احد الأطباء المناوبين ويسألهم عن نوعية الأمراض وأسبابها ولمجرد السؤال فقط ليس أكثر.
سؤال غريب بعض الشيء ... لكن النتيجة التي سيكتشفها سائل هذا السؤال ستكون من الغرابة والدهشة له ما يكفي، نتيجة يمكن اختصارها بأن معظم الأمراض التي يعاني منها هؤلاء الأطفال تعود إلى انتشار سكنهم ضمن مناطق تكثرها الأوساخ والمهملات المرمية بشكل عشوائي وغير منظم والتي تعتبر ذات فعالية وقدرة عالية على نقل أي نوع من الأمراض والأوبئة لأجسادهم الطرية الناعمة.
نعم ... فالأوساخ التي نجد مرمية على جنبات الطرقات والتي قد لا تلفت انتباهنا أو نمر بجانبها مرور الكرام هي صاحبة الشأن الأكبر بوجود العشرات من الأهالي المعذبين أمام مستشفيات الأطفال في سورية وجميع أنحاء العالم، وهي صاحبة الفضل في صعود أرواحهم مبكراً السماء والتي تعاني هي الأخرى من تلوث ملحوظ نشعر بمدى قذارته مع كل نسمة هواء نتنفسه.
لكن ماذا لو وجه لك اتهام بأنك من أهم الأسباب التي تؤدي زيادة أعداد الوفيات بين صفوف الأطفال لدينا، وماذا لو اتهمك احدهم بأنك السبب بموت طفله بعد معاناته الطويلة مع إحدى الأمراض القاتلة، اتهام قاسي بعض الشيء لكنه يحمل شيئاً من الحقيقة أيضاً، فمجرد أن نتذكر حجم الأوساخ والمهملات التي قوم برميها يومياً بشكل غير منظم وخارج الأماكن المخصصة لها، فهذا سيكون كافياً لإثبات حجم المشاركة التي نقوم بها بحق هؤلاء الأطفال.
فإذا ما قام احدنا بجولة ضمن مدينة دمشق وإحيائها وأزقتها، فانه يجد من الغريب أن يمر بأي جزء منها دون أن يرى الأوساخ موجودة على جانبي طرقاتها، وهذا طبعاً بالرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها العاملون في مجال النظافة الذين يشكرون على عملهم الدءوب والمستمر دون توقف، ولكن يبدو أن جهودهم تذهب أدراج الرياح مجرد خروجهم من المناطق التي قاموا بتنظيفها، لكون السكان والمارين كفيلون بإعادة الوضع لما كان عليه قبل قدومهم وبوقت زمني قصير جداً، ناشرين بقايا مهملات منازلهم وما تحتويه أيديهم من بقايا الوجبات السريعة على جوانب الطرقات دون أي إدراك بحجم الوباء الذين يساعدون على انتشاره، ودونما أي إدراك بأن أطفالهم هم المتضرر الأكبر من وجودها ضمن شوارعهم وأمام منازلهم في الكثير من الأحيان.
" ياسر المحمودي " عامل نظافة التقيت به أثناء عمله في منطقة الشعلان، وعند سؤالي له عن الصعوبات التي تواجهه خلال عمله أجابني بشيء من الألم : ( من تجدهم جالسون على جوانب الطرقات يأكلون الوجبات السريعة هم أهم الصعوبات التي أواجهها، فإمكانك النظر إلى الجزء الذي قمت بتنظيفه من الشارع وترى جحم الأوساخ التي قام الموجودون برميها دون أي أحساس بالمسؤولية ولدرجة اشعر أنني لم أقم بتنظيفه أصلاً، وهذا الشارع خصوصاً تتناوب ثلاثة ورديات من عمال النظافة عليه يومياً تتكون الوردية الواحدة من أربعة إلى خمسة عمال للنظافة، ومع ذلك تملئه الأوساخ والمهملات طوال النهار والليل، وعند مشاهدتك للحاويات المخصصة للمهملات المنتشرة على جوانب الطريق تجدها فارغة، الأمر الذي يشعرنا كم نحن غير مؤمنين بنظافة حقيقية لنا ولبلدنا).
بعد انتهاء حديثي مع عامل النظافة اتجهت نحو مجموعة من الشبان الموجودين في نفس الشارع كانوا لتوهم قد رموا ما تحتويه أيديهم من أوساخ تعود لوجبة سريعة قاموا بتناولها، سألتهم عن سبب رميها على الأرض رغم أن الحاوية المخصصة لرمي المهملات لا تبعد عنهم سوى مترين لا أكثر، لأجد سيلاً من السخرية وعدم المبالاة بسؤالي هو الجواب الأوحد الذي تلقيته ولتكون كلمتهم الأخيرة لي ..." اذهب أنت والتقطها وارميها حيث تشاء" ... وبالفعل هذا ما فعلته لإدراكي الكامل أنني بذلك اخفف من حجم الأطفال الموجودين أمام غرف العناية المشددة وضمن ممرات المستشفيات الضيقة.
أطفالنا هم أساس مستقبلنا ... هكذا يقولون، وهذا ما يجب أن نقوله نحن أيضاً ونشارك في تطبيقه فعلاً وليس قولاً فقط، ولعل ابسط مشاركة نقوم بها تكمن في الامتناع عن رمي الأوساخ والمهملات في غير أماكنها مع توجيه اللوم دون خجل لكل من يرمي عشوائياً لمهملاته لكون عديم المسؤولية بواقع المدينة وحجم الأمراض المنتشرة من حولنا لا خجل من توبيخه وتوجيه اللوم إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق