15 مايو، 2009

الفتيات العراقيات المقيمات في سوريا.. صمت خلف الجدران.. و كدح بلا مقابل

مالك أبو خير

" باتت الأريكة عالمي وكل تفاصيلي" ... فما كان في الماضي حلماً ينمو ويكبر أملاً في الوصول نحو ما أتمناه، بات اليوم أشبه بكابوس ثقيل يغفو فوق عيني المثقلتين من كثرة الدموع ... قصص اذ اردت معرفتها والخوض بتفاصيلها فما عليك سوى النظر للقابعين خلف جدران المنازل والتمعن في أحوال من سكنوها بعد هروبهن من جحيم فاق الجحيم نفسه بمواصفاته ومعاييره وعجزت وكالات الانباء عن نقل التفاصيل بحقيقتها كما هي على أرض الواقع.

كلمات وجمل كانت الجواب عند سؤالي للطبيبة العراقية "فاطمة" المقيمة منذ 3 سنوات في دمشق عن كيفية تأقلمها مع الوضع الجديد، ومتابعتها لسير حياتها في ظل الظروف الجديدة المفروضة عليها...
لاجديد في حياتي منذ قدومي الى سوريا "تقول فاطمة": فلن تصدق اذا قلت لك انني ومنذ وصولي سوريا لم يتجاوز عدد المرات التي خرجت بها خارج نطاق الحي الذي اقطن به عدد اصابع اليد، فما حصل لي ولعائلتي كان كفيلاً بإصابتنا بكآبة قد لا تنتهي ... تهجير وقتل لاخوتي على يد الميليشيات وهروب تحت جنح الظلام وتحت وابل من الرصاص الذي اطلق علينا ومن دون سبب ...واقع لا أنكر انه وضعنا في حالة من الصمت استمرت لاشهر طويلة جعلت من الأريكة منزلي أصحو وأغفو عليها، لحين استجمعت قوتي وقررت التوجه نحو عمل جديد امارس به مهنتي، نازعة شهاداتي العلمية من جدران منزلي مع اصرار على اكمال مشواري الطبي وتحقيق ما عجزت عن فعله في العراق، فتوجهت نحو المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية المتوفرة هنا بدمشق لاصطدم بواقع ارتفعت به نسبة البطالة بأبناء البلد أنفسهم الذين توجهوا نحو الخارج بحثاً عن بدائل مناسبة ... لاعود مرة أخرى إلى الأريكة والى تعليق شهاداتي العلمية على جدران المنزل املاً في الاستفادة منها في دول الاعتراب الاوروبي التي نأمل في الانتقال اليها قريباً".
واقع شمل الكثيرين من الفتيات العراقيات القادمات الى سوريا مع عائلاتهن طلباً للجوء من الحرب الدائرة في بلادهن، مأسورين خلف جدران من الصمت بأنتظار ما هو آت وقادم قد يكون مختلف لما سبق أو لما هم عليه، فمعظم الفتيات القادمات يحملن الشهادات العلمية وبمهن مختلفة وبنسبة كبيرة الى حد ما، لكن القليل منهن ومن استطاع ايجاد عمل وان كان بغير اختصاصه والكثير منهن اخترن أو أجبرتهن الظروف على البقاء خلف الجدران ينظرن عبر ثقوبها مترقبين ظهور بادرة امل تعيد لهم جزءاً ولو بسيطاً من حقوقهن التي ضاعت في مطاحن الحرب القاتلة...
"هبة ومنال" أختان توأمان ضمن أسرة تجاوز عدد افرادها السبعة دون حسبان الاب والام، لم تجدان مفراً من تحمل ساعات العمل الطويلة والتي تجاوزت العشر ساعات يومياً في احد ورشات الخياطة وبأجر لا يتجاوز للاثنين العشرة الآف ليرة سورية شهرياً، في سبيل تأمين أجرة المنزل الذي تقطنه العائلة.
ليس امامنا سبيل آخر تقول هبة:" فما يجنيه والدي في العمل (كعتال) في احدى ورشات البناء لاتكاد يكفينا ثمن الطعام ومصاريف العلاج لأمي، فأنا ومنال الأكبر بين إخوتنا وعلينا تحمل المسؤولية في اجتياز هكذا ظرف مادي صعب وقاسي كان كفيلاً بجعلنا أشبه بالعبيد في ورشات العمل متحملين سماع الكثير من الكلام القاسي من قبل البعض والإطراء الذي يصل لدرجة مقرفة من قبل البعض أحياناً أخرى ... فنحن أمام مصير وواقع فرضته الظروف علينا دون رحمة أو شفقة من قبل الجميع بدأ من ابناء بلدنا أنفسهم وصولاً إلى أماكن العمل وقذارتها..
فنحن الآن بات مصيرنا مرهوناً بما ينتجه تقدم وتحسن الوضع الأمني في العراق إن تحسن عدنا إلى أرزاقنا وأملاكنا التي تركناها خلفنا أملا بالنجاة.. هذا إن نجيت هي الأخرى من الدمار والخراب، وان لم يتحسن بقينا هنا تحت رحمة الظروف المؤلمة التي نعمل بها".
"أميرة" مدرسة سابقة بكلية الاقتصاد بجامعة بغداد لم ترضى بأن تسكن خلف الجدران كغيرها من زميلاتها المدرسات الذين قدمن إلى سوريا ولم تيأس من عدم توفر فرص عمل لها ضمن أرض اللجوء دمشق، فتوجهت للسكن ضمن جدران أخرى .. وإن أغلقت أبوابها في وجوه الكثيرين من زملائها.. ألا وهي السفارات التابعة للدول الأوروبية والخليجية، جاعلة منها مقصدها الدائم كل يوم بإصرار يتزايد مع كل رفض لها..
لن أجعل الاستسلام خياراً لي تقول أميرة:" فالواقع الذي أعيش به لا يسمح لي إن ابقي صامتةً انتظر الفرج من رجال السياسية وقادة المليشيات المتنازعة في العراق، فأنا أم لثلاثة أطفال قتل والدهم في سبيل إخراجنا من المنزل أحياء، والمعونات التي تأتيني لا تكاد تكفيني ثمن الرغيف الذي أطعمهم إياه. تضيف: صمتي وبقائي بانتظار الأمل بالعودة لن يدفعني سوى للمزيد من التنازلات التي تفرضها الظروف الاقتصادية لحد أن اقبل العمل كعاهرة في سبيل عدم رؤيتهم جياع أمام ناظري ... فمهما تعرضت للرفض وإغلاق لأبواب السفارات بوجهي لن تخف عزيمتي في طرق المزيد والمزيد للخروج من هكذا واقع مرير".
قصص قليلاً ما ننظر إليها... ونعرف خبايا آلامها وجروحها، لكونها اختبأت خلف جدران من الصمت والقبول بالواقع الراهن، الذي فرض على أغلبهن الصمت دون أي حراك يذكر أو العمل تحت أقسى الظروف دونما اعتراض على كل ما يتعرضون له من أذية وألم نفسي واضح على وجوههن المتعبة من كثرة الصبر وانتظار الفرج البعيد كبعدهن عن أوطانهن.
واقع عجزت ظروف العراق السياسية عن حله، فلا الظروف المتوفرة بن أيديهن تساعد على إيجاد الحلول ولا ظروفهن المادية والنفسية تسمح لهن بالقباء صامتات للأبد... ليرمى بالثقل بالكامل على عاتق المنظمات الدولية والإنسانية التي عجزت هي الأخرى عن تحمل صفوف الهاربين من جحيم العراق على عتبات أبوابها.
نشرت في مجلة الثرى على الر ابط: http://www.thara-sy.com/thara/modules/news/article.php?storyid=761

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق